تتعرض مصر بحكم موقعها الجغرافى الإستراتيجى وتاريخها الحضارى العريق، لسلسلة متواصلة من التحديات والمؤامرات التى تستهدف استقرارها ودورها المحورى فى المنطقة، وهى ليست وليدة اللحظة بل تمتد جذورها عبر عقود طويلة. فمنذ ثورة يوليو 1952، ومصر تواجه محاولات مستمرة لتقويض استقلالها الاقتصادى والسياسي، وتغيير مسارها نحو التبعية، أو دفعها نحو الفوضى والتقسيم. هذه المؤامرات تتنوع فى أشكالها وأدواتها، فمنها ما هو خارجى مباشر يتمثل فى ضغوط سياسية واقتصادية، أو دعم جماعات معادية، أو محاولات للتأثير على الرأى العام الدولى ضد مصالحها. ومنها ما هو داخلى يُدار بأيادٍ خفية تستغل الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية، أو تدعم جماعات متطرفة لتغذية الفتنة والعنف، بهدف إضعاف النسيج الوطنى وتقويض مؤسسات الدولة. لقد شهدت مصر خلال العقد الماضي، على وجه الخصوص، تصاعدًا غير مسبوق فى هذه التحديات، بدءاً من محاولات إغراق الدولة فى فوضى ما بعد 25 يناير 2011، مرورًا بصعود قوى إرهابية متطرفة سعت للسيطرة على مقدرات البلاد، وصولاً إلى محاولات استنزاف مواردها المائية أو حصارها اقتصاديًا. ومع ذلك أثبتت الدولة المصرية، بفضل صمود شعبها وحكمة قيادتها متمثلة فى الرئيس عبدالفتاح السيسى وتضحيات جيشها وأجهزتها الأمنية، قدرة فائقة على الصمود.
فى مواجهة هذه التحديات، اعتمدت مصر إستراتيجية متعددة الأبعاد، ترتكز على عدة ركائز أساسية. أولها تعزيز الجبهة الداخلية وتوحيد الصف الوطني. فإدراكًا بأن القوة الحقيقية لأى دولة تكمن فى تماسك شعبها وقدرته على تجاوز الخلافات، عملت الدولة على ترميم النسيج المجتمعى الذى تعرض لمحاولات تمزيق ممنهجة. تجلى ذلك فى خطاب وطنى جامع، يستند إلى الهوية المصرية الأصيلة، ويدعو إلى التماسك والتكاتف فى مواجهة الأخطار المشتركة. لقد كانت ثورة 30 يونيو 2013 تجسيدًا حيًا لهذه الوحدة الوطنية، وثانيها إعادة بناء مؤسسات الدولة وتقويتها. فبعد سنوات من التدهور والضعف، شهدت المؤسسات المصرية، وعلى رأسها القوات المسلحة والشرطة والقضاء، عملية إصلاح وتطوير شاملة، أسهمت فى استعادة قدرتها على حفظ الأمن والاستقرار وتطبيق القانون. لقد كان الجيش على وجه الخصوص، وثالثها تطوير القدرات العسكرية والأمنية لمواجهة التهديدات الإرهابية وغير التقليدية. ففى ظل تصاعد ظاهرة الإرهاب العابر للحدود وتزايد التحديات الأمنية فى المنطقة، عملت مصر على تحديث ترسانتها العسكرية وتدريب قواتها على أحدث أساليب القتال، وتأمين حدودها البرية والبحرية والجوية .
علاقات الخارجية وتعزيز الشراكات الدولية. أدركت مصر أن مواجهة التحديات الكبرى تتطلب بناء شبكة واسعة من العلاقات المتوازنة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية. فبعد فترة من الارتباك الدبلوماسي، استعادت مصر دورها المحورى فى المحيط العربى والافريقي، وعززت علاقاتها مع دول الخليج العربي، وأصبحت شريكًا أساسيًا فى حل الأزمات الإقليمية. وكذلك طوّرت علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى مثل روسيا والصين، إلى جانب الحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. هذا التوجه نحو تعددية الأقطاب فى السياسة الخارجية منح مصر مرونة أكبر وقدرة على المناورة الدبلوماسية، وسمح لها بتأمين مصالحها دون الانحياز لطرف على حساب الآخر، ووضع حد لأى محاولات للابتزاز السياسى أو الاقتصادي. وخامسها إطلاق برامج إصلاح اقتصادى شاملة تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتقليل التبعية الخارجية. فلقد أدركت القيادة المصرية أن المؤامرات غالبًا ما تستغل نقاط الضعف الاقتصادية، لذا عملت على تنفيذ إصلاحات هيكلية جريئة، شملت تحرير سعر الصرف، وترشيد الدعم، وتشجيع الاستثمار، وتنفيذ مشروعات قومية عملاقة فى البنية التحتية والطاقة والزراعة والصناعة. هذه الإصلاحات، مما يقلل من نقاط الضعف التى يمكن استغلالها من قبل المتربصين. وسادسها مواجهة حروب الجيل الرابع وحرب المعلومات المضللة. لم تعد المؤامرات تقتصر على الأدوات التقليدية، بل امتدت لتشمل الفضاء السيبرانى ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بهدف تشويه الحقائق ونشر الشائعات وإثارة البلبلة. لقد طورت مصر آلياتها لمواجهة هذه التهديدات، من خلال تعزيز الوعى المجتمعي، وتصحيح المعلومات المغلوطة، وكشف الأجندات الخفية للمتربصين، وحماية أمنها السيبراني.
إن تجربة مصر فى مواجهة التحديات والمؤامرات خلال السنوات الماضية تقدم نموذجًا فريدًا فى الصمود والتحدي.