تناولنا فى المقال السابق إصرار الدولة على تحسين أدائها الاقتصادى ودفعه للنمو والاستقرار، عبر إجراء مجموعة من الإصلاحات الهيكلية المدعومة من شركاء التنمية وتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع الدول الاقتصادية الكبرى، وبالتالى فإن التوجه نحو عملية الإصلاح الشامل والمنهجى للدولة تقوم على مرتكزات رؤية مصر 2030 ووثيقة سياسة ملكية الدولة، وأن إجراءات الإصلاح الاقتصادى خلال السنوات الماضية تطلبت تنفيذ مجموعة من الإصلاحات تستند على الشمول والإنصاف والمساواة والفاعلية وترتكز على عوامل عديدة منها دعم ديناميكية الأعمال والأسواق، واستغلال انضمامنا لتحالف البريكس فى تعزيز عملية التعاون والحوكمة، مع تحسين قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على التصدير، أخيراً تشجيع الابتكار والنشر السريع والعميق للتكنولوجيا، وتعظيم دور مؤسسات الدولة الدولة خاصة الجامعات المصرية فى تشجيع الابتكار والإبداع المعرفى والتعليم مدى الحياة كتعبير عن وجود رأس للحكمة والتى تشمل العلم والمعرفة وهو ما شاهدناه فى أروقة كلية الأعمال بجامعة الإسكندرية مؤخراً، حيث تم عقد مؤتمر ذكاء الأعمال والتحولات العالمية، ومناقشة المستجدات، والتطورات الحديثة والسريعة فى عالم الأعمال، مع تناول التحديات التى تواجهه. وتوضيح ما أفرزته الثورة المعلوماتية من متغيرات متعددة وتطورات سريعة كان لها الأثر الكبير فى حفز عمليات الإبداع والابتكار. هذا المؤتمر الذى جاء فى توقيــت يتزامــن مع مؤتمـــر تحالف دول تجمــع البركــس الـ 17 فى البرازيل، والساعى نحو تعزيز التعاون بين الشمال والجنوب والداعم لحوكمة أكثر شمولاً واستدامة، لذا فمن الواجب أن نحيى القائمين على هذا المؤتمر الذين نجحوا فى تسليط الضوء من خلف منارة العالم القديم والحديث (مكتبة الإسكندرية) نحو ضرورة استخدام المعارف المكتسبة من ذكاء الأعمال وتحليل البيانات، لما له من أثر كبير فى تحسين جودة القرارات، ووضع الخطط الاستراتيجية، ورصد المشكلات وبرمجة التحديات وكذلك التعرف على اتجاهات السوق، والأهم هو أن مؤتمر ذكاء الأعمال والتحولات العالمية تحول نحو التركيز على مجموعة من الآليات الكفيلة بإيجاد فرص جديدة فى ظل التحولات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والمناخية والمحاسبية الجديدة ومنها فرصة صناعة البرمجيات، حيث تمتلك مصر كوادر شابة مؤهلة يمكنها العمل فى مجال البرمجيات وتطوير التطبيقات، كذلك الاستثمار فى البنية التحتية الرقمية، ويبقى الأمل فى تشجيع ريادة الأعمال عبر دعم الشركات الناشئة العاملة فى مجال التكنولوجيا وتنفيذ توجهات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ضرورة الاهتمام بكل ما يحقق رفع الإنتاجية وترقية المهارات البشرية، لذا نرى ضرورة الدمج المتوازى بين الاستثمار فى تطوير التقنيات، والاستفادة من الذكاء الاصطناعى، والتركيز على التنمية البشرية عبر إنشاء مؤسسات تعليمية متخصصة فى هذه المجالات سريعة التطور. مع التأكيد على ضرورة الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعى المناسبة وفقاً لحالة كل قطاع والاستفادة من تجارب دول نامية أخرى استطاعت تفعيل استراتيجيات خاصة بالذكاء الاصطناعى فى قطاعات مختلفة مثل رواندا حتى يتحقق الشعار العالمى «الذكاء الاصطناعى من أجل الصالح العام».
وبالنظر إلى الجهود المصرية، تتضح الرؤية الحاكمة التى تركز على بناء نموذج رقمى يدير أوجه الحياة المختلفة، من جانب، وفى تحقيق العديد من متطلبات وشروط التنمية الشاملة من جانب آخر، وتحسين جودة الحياة للمصريين من جانب ثالث. وهو ما سنتناوله فى المقال القادم إن شاء الله.