فى لحظات التوازن العربى الحرجة، وحين تتقاذف المنطقة تيارات متعاكسة بين العواصف الدولية والانقسامات الإقليمية، عاد المشهد العربى إلى مربعه الأول: مصر والسعودية.. جناحا الأمة العربية والإسلامية، ومحور توازنها التاريخى والجغرافى.
فحــين تنظــر إلى خريطـة العـالم العـربى من المحيـــط إلى الخليـج، فإنك لا تجد ثقلاً سياسياً وتوازناً استراتيجياً إلا حيث تتلاقى قاهرة المعز ورياض عبدالعزيز.. ليست العلاقات بين مصر والسعودية طارئة، ولا هى ابنة لحظة سياسية عابرة، إنها ابنة الجغرافيا ونتاج التاريخ ومقتضى المصير المشترك.
تجلّى هذا الارتباط مبكرًا فى الحرب العالمية الثانية، ثم تجدد بصيغة أشد إلحاحاً.. مع اللقاء الشهير بين عبدالناصر والملك فيصل فى الخرطوم عام 1967، وكان بداية جديدة لتعاون لم ينقطع.. ولم تكن حرب أكتوبر 1973 لتكتب فصولها بمداد النصر دون الدعم العربى، وفى طليعته الدور السعودى الجسور بزعامة الملك فيصل حين قرر استخدام سلاح النفط لدعم المعركة المصرية السورية ضد الاحتلال الإسرائيلى.
وبقيت عقيدة «التكامل» هى السقف الأعلى فى العلاقات، لتصل ذروتها فى موقف السعودية الداعم لمصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، ووقوفها بجانب الإرادة الشعبية المصرية فى وجه محاولات العبث الإقليمى.
اللقاء الذى جرى مؤخرًا فى مدينة العلمين بين وزيرى خارجية مصر والسعودية، يؤكد أن هناك تنسيقاً مشتركاً وتوافقاً فى الرؤى بين البلدين، فى توقيت يزداد فيه تعقيد المشهد الإقليمى، خاصة مع استمرار العدوان على غزة، والتحولات فى المشهد السودانى، والتوترات فى البحر الأحمر واليمن.
فى هذه اللحظة، تبرز القاهرة والرياض كصوتين عاقلين وسط صخب النزاعات، فهناك إدراك عميق من العاصمتين أن الأمن القومى العربى لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية، فمصر تمثل قلعة الاستقرار السياسى والعسكرى فى قلب الإقليم، بينما تمثل السعودية قوة اقتصادية وروحية بامتدادها الإسلامى والنفطى.
العلاقة بين مصر والسعودية، إذا ما أردنا لها أن تكون على مستوى التحدى، فلا بد أن تنتقــل من مربع التنســيق إلى مربــع التكــامل العضــوى، فنحــن لا نتحدث فقط عن دولتين عربيتين، بل عن رمزين للشرعية والعمق التاريخى، عن الأزهر الشريف بجانب الحرمين، وعن سيناء التى احتضنت الأنبياء، بجوار مكة مهبط الرسالة.
فلا أمن عربى بلا القاهرة، ولا عمق استراتيجى إسلامى بلا الرياض، وهذا ما يجب أن تلتقطه الأجيال القادمة، بعيدًا عن الصخب، وبمعزل عن الحملات والرياح العاتية.