لم يأسف أحد على إصابة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى هذا الأسبوع بالجفاف وبآلام شديدة فى المعدة نتيجة تناوله طعاماً فاسداً أو «مسمماً»، لأن هناك مئات الآلاف من سكان قطاع غزة ممن يشعرون بآلام المعدة والأمعاء و«الهزال» والموت البطىء، لأنهم محاصرون ومحرومون من تناول أى طعام منذ أيام وأسابيع بفعل الحصار الإسرائيلى، وانعدام الإرادة الدولية وفشلها فى منع همجية إسرائيل وسلوكها البربرى ضد سكان غزة، ومن غرائب المجتمع الدولى هذه الأيام أن يرفض الكيان الصهيونى بياناً وقعه وزراء خارجية 25 دولة بينها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وأستراليا وكندا والدنمارك ودول أخرى تطالب فيه حكومة تل أبيب بوقف فورى للحرب فى غزة والسماح بإنفاذ المساعدات الإنسانية قبل هلاك سكان القطاع.
>>>
الوزراء الـ «25» قالوا فى بيانهم المشترك: «نحن الموقعين أدناه، نبعث معا برسالة بسيطة وعاجلة: يجب أن تنتهى الحرب فى غزة الآن»، وبنفس لغة «البساطة» الهينة والضعيفة رفضت إسرائيل البيان واستمرت فى ممارسة جرائمها البشعة ضد سكان قطاع غزة، ولا اعتقد أن أى مسئول أوروبى أو أمريكى يستطيع مشاهدة جرائم إسرائيل فى غزة عبر الشاشات، فالمشاهد التى يتم نقلها من القطاع، تبكى من أجلها العيون والقلوب، فنحن أمام واقع «دراماتيكى» بشع يفوق ما حدث فى هيروشيما ونجازاكى، فقد تحول القطاع إلى قبر كبير وأرض محروقة لا زرع فيها ولا طعام ولا ماء، الفلسطينيون هائمون على وجوههم بين الأنقاض والدمار ، بعضهم نقص وزنه وبات جلداً على عظم، والبعض الآخر يلهث وراء كسرة خبز أو كيس طحين، وفريق يبحث عن الطعام وسط الأتربة والرمال ومجموعات ضخمة تحمل الأطباق والصحون فى صور تفوق ما نتخيله من العصر الحجرى، وإناس يتساقطون موتى من الجوع أو شهداء برصاص الإحتلال، لقد أثبت اليهود أنهم ينتقمون مما حدث لهم فى أوروبا، ولكن أين فى فلسطين، وهو الأمر الغريب.
>>>
كان نصيب الفلسطينيين من رد الفعل اليهودى عكس ما فعله العرب وما قدموه من رعاية وتوفير الأمن والأمان، لقد استقبل أهل فلسطين اليهود وآووهم بعد طردهم من أوروبا وبعد تعرضهم للمذابح والمجازر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين الماضيين، ويكفى فى هذا الصدد أن نقتفى من صفحات التاريخ بعض المذابح التى تعرض لها اليهود، ففى مدينة أوديسا الأوكرانية وقعت أكبر مذبحة ضد اليهود عام 1821، وبعد اغتيال القيصر الروسى ألكسندر الثانى فى الفترة من 1881 إلى 1884 اجتاحت المذابح الأحياء التى يقطنها اليهود، وأثناء الحرب الأهلية التى تلت قيام الثورة البلشفية عام 1917 تم قتل عشرات الآلاف من اليهود، وبعد صعود الحزب النازى إلى السلطة فى ألمانيا عام 1933 تم إحراق اليهود وإحراق معابدهم وتدمير منازلهم ودكاكينهم، وفى النصف الأول من حقبة الأربعينيات تسببت المجازر فى الهجرة الجماعية لمئات الآلاف من اليهود الناجين من الهولوكوست «المحرقة» فى اتجاه فلسطين.
>>>
نعم هى فلسطين هذا الجرح النافذ فى الجسد العربى منذ منتصف القرن الماضى وحتى الآن، ويجب أن نعترف أنه لولا المساندة الغربية الدائمة للكيان الصهيونى لما كانت نكبة 1948، ولما كان العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، ولما كانت هزيمة يونيو 1967، ولكان نصر أكتوبر 1973 أنهى على إسرائيل تماما، لقد عاشت مصر على مدى عقود فى حرب ممتدة ضد إسرائيل تسببت فى وقوع خسائر مادية وبشرية كبيرة، وعندما وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 كانت ترى إمكانية التعايش السلمى بين العرب وإسرائيل وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى واقامة دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967، وحقيقة فإن مصر بذلت جهوداً جبارة لترسيخ السلام فى المنطقة وتحقيق السلم والأمن الدوليين، ولولا الأطماع الإسرائيلية فى الأراضى العربية لتحقق لمصر ما أرادت وما خططت له، ولما عاد الصراع العربى – الإسرائيلى إلى المربع صفر، ولما أوشكت غزة على الهلاك.
>>>
فى وصفه للأوضاع الإنسانية المتدهورة فى قطاع غزة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش «إن آخر شريان يبقى الناس فى غزة على قيد الحياة بات قريبا من الإنهيار»، بينما خرج الملك فيليب ملك بلجيكا عن البروتوكول الملكى ووجه تصريحات مباشرة غير معتادة فى ما يتعلق بالشئون الدولية من ملك عادة ما يتجنب الخوض فى السياسة العامة،، ملك بلجيكا قال: «أضم صوتى إلى صوت كل من يدين الانتهاكات الإنسانية الخطرة فى غزة، حيث يموت الأبرياء من الجوع ويقتلون بالقنابل بينما هم محاصرون، لقد طال هذا الوضع أكثر مما ينبغى، إنه وصمة عار على جبين البشرية جمعاء».
>>>
انتهى الكلام، وبقى الإعلان المرتقب بين ساعة وأخرى عن فناء غزة، ولا عزاء للضمير الإنسانى العالمى.