قبل أكثر من مائة وعشرين عاماً.. وعلى «مائدة عشاء» جمعت أبرز وأشهر رجال المال والسياسة فى العاصمة البريطانية «لندن».. همس «الأب الروحى والعقلى والجسدي» للصهيونية العالمية «تيودور هيرتزل» فى أذن أحد أفراد عائلة «روتشيلد» الشهيرة.. تلك العائلة الثرية والنافذة إلى مفاصل الاقتصاد والسياسة فى بريطانيا والعديد من «الدول العظمي» فى العالم.. همس هيرتزل فى أذن روتشيلد قائلا: لماذا لا تمول البعثة الاستكشافية التى تم تكليفها بالذهاب إلى «سيناء» لإعداد تقرير عن امكانية توطين اليهود هناك؟!.. نظر روتشيلد يمينا ويسارا ثم طلب من هيرتزل أن يتحدث «بصوت منخفض» حتى لا يسمعه أحد من المتواجدين بقاعة الطعام .. وبعد ذلك أوضح روتشيلد أن الوطن الجديد لليهود من الأفضل أن يكون إما فى أوغندا أو فى «وادى الفرات».. لم يتوقف هيرتزل عن الاصرار والالحاح وأمسك بورقة وقلم وكتب لروتشيلد «حتى لا يسمع أحد ما يقولانه».. كتب هيرتزل إلى روتشيلد الذى يجلس بجواره: وماذا عن سيناء؟!!.. هذه واحدة من إحدى «الوثائق» التى تناولها أحد قدامى الصحفيين الكبار هو الكاتب الصحفى جميل عارف فى كتابه «المؤامرات الصهيونية على مصر بالوثائق» والذى صدرت طبعته الأولى فى «عام 1999».. يكشف هذا الكتاب «بالوثائق» حجم المؤمرات الصهيونية «القديمة والحديثة» على مصر.. وأن سيناء ونهر النيل كانا ومازالا من أبرز الأهداف التى «تركز عليها» إسرائيل والصهيونية العالمية من أجل استهداف «الأمن القومى المصري».
تدرك إسرائيل ومن قبلها الصهيونية العالمية – فى جميع المراحل التى مر بها.. ويمر بها.. المشروع الاحتلالى الاستعمارى فى الشرق الأوسط – أن أى خطة من الخطط الصهيونية.. القديمة والحديثة.. لن يكتب لها النجاح طالما ظلت مصر بكامل قوتها وثباتها وإدراكها وقدرتها.. لذلك فإن «المحاولات الصهيونية والإسرائيلية» ضد مصر لم ولن تتوقف.. منذ الأفكار الصهيونية الأولى التى مهدت لإقامة إسرائيل على أرض فلسطين وحتى الآن وإلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.. إن مشروع إسرائيل الحالى لتصفية القضية الفلسطينية ومشروع صهيونى يستهدف مصر.. إن مشروع تهجير الشعب الفلسطينى هو مشروع صهيونى يستهدف مصر.. إن مشروع مدينة الخيام فى رفح هو مشروع صهيونى يستهدف مصر.. مشاريع ومخططات إسرائيل ضد مصر لم ولن تتوقف.. إسرائيل تريد «الهيمنة» على المنطقة بأكملها.. وهذا لن يتحقق لها إلا إذا نفذت إلى «المكان» ونالت من «المكانة».. وهذا لن يتحقق لها أبدا إن شاء الله.
نعود إلى وثائق كتاب «المؤامرات الصهيونية على مصر».. نعود ولسنا فى حاجة إلى التأكيد أن التاريخ ليس قصة أو رواية من قصص وروايات الماضي.. بل إنه «بوصلة ودليل» يجب اصطحابه واستدعاؤه لتشخيص الحاضر والسير نحو المستقبل.. ولعل ما يجرى الآن فى الشرق الأوسط والعالم وفى المقدمة منه حرب الإبادة على غزة.. لهو خير دليل على صدق دروس وقواعد واستنتاجات «التاريخ».. يتحدث جميل عارف عن عدد من الاعترافات التى جاءت على لسان تيودور هيرتزل الذى عاش فى الفترة من عام «1860» إلى عام «1904».. يقول عارف إن هيرتزل اعترف فى مذكراته التى تم نشرها فى عام «1966» فى مدينة نيويورك الأمريكية بالمؤامرات التى أعدتها الصهيونية العالمية ضد سيناء المصرية ونهر النيل.. ففى إحدى المرات بعث هيرتزل إلى وزير الخارجية البريطانى الماركيز لانسدون رسالة يقول له فيها: لما كانت بعض الأمور تحتاج إلى شرح شخصي.. فإننى آمل فى زيارة فخامتكم فى لندن فى عيد رأس السنة لأجيب على الاعتراضات حول حقوق الاستيطان.. وقد خطر ببالى أنه ربما استطعنا أن نروى «الصحراء» من النيل.. وذلك إذا قمنا بمد خط أنابيب محدود.. فإذا بدا هذا الأمر مستحيلاً بسبب قناة السويس فالحل هو أن نضخ الماء من فوق السفن أو أن نضخه فى أنابيب على أعماق كبيرة من تحت قاع القناة!!.. ويضيف هيرتزل: لقد كلفت اثنين من الخبراء اليهود للقيام بإجراء دراسات حول هذا الموضوع قبل أن أقوم بمناقشته مع المسئولين فى الحكومة البريطانية.
ويسرد كتاب «المؤامرات الصهيونية على مصر» مزيدا من الاعترافات التاريخية الموثقة حيث يقول إن تيودور هيرتزل اعترف فى مذكراته بأن أحد الخبراء اليهود قام بمهمة سرية داخل سيناء دون أن يحصل على إذن من السلطات المصرية أو من قوات الاحتلال البريطانى التى كانت تحتل مصر فى تلك الفترة.. وأن هذا الخبير اليهودى قام بجولة فى شبه جزيرة سيناء قبل أن يقوم هيرتزل بالاتصال بالمسئولين فى الحكومة البريطانية ليعرض عليهم مشروعه باستئجار سيناء لمدة «99» سنة!!.. وجاء فى الكتاب أن هيرتزل قرر أن «الخبير اليهودي» أجرى عملية مسح لسيناء وأنه أعد خريطة طبوغرافية لها.. وأنه قام بطبع ثلاث نسخ من هذه الخريطة.. نسخة احتفظ بها لنفسه.. ونسخة تكون مع البعثة الاستكشافية الصهيونية التى ستقوم باستكشاف سيناء لتستعين بها فى تحركاتها خلال الاستكشاف.. والنسخة الثالثة تم تسليمها لأحد اليهود الذين كانوا يقيمون فى منطقة القناة والذى صار «ضابط الاتصال» مع أعضاء البعثة الاستكشافية أثناء تحركاتها فى سيناء!!
وتروى الأوراق والوثائق أنه فى «الثالث عشر من نوفمبر 1903» سجل هيرتزل فى مذكراته عدة عبارات مهمة.. قال فيها: لقد عاد ضابط الاتصال جرينبورج من القاهرة «والذى كان يتابع تحركات الرحلة الاستكشافية الصهيونية فى سيناء» حيث أحرز نجاحا تاما فقد كسب اللورد كرومر «إلى صفنا» كما كسب استمالة بعض كبار الموظفين البريطانيين فى مصر.. وبعد ذلك وفقا لما تروى وثائق الكتاب كتب هيرتزل أن «الوجود اليهودى المرتقب فى سيناء» سيكون مختلفا.. فهذا الوجود سيكون فى صالح اليهود.. وأنه بعد الوصول إلى تلك القناعة بدأ التحرك الصهيونى للحصول على التأييد البريطانى لكى يستوطن اليهود سيناء!!.. تقول وثائق الكتاب إن هيرتزل جاء إلى القاهرة فى «مارس 1903».. وأنه نزل فى فندق «شبرد» القديم والذى كان مقاما بشارع الجمهورية بالقرب من حديقة الأزبكبة وسط القاهرة.. وبعد وصوله بيومين قابل «اللورد كرومر».. طلب هيرتزل من «المعتمد البريطاني» مد شريط للسكة الحديد يربط قناة السويس بمدينة العريش.. كما طلب هيرتزل توفير مايمكن أن يحتاج إليه الاستيطان اليهودى فى سيناء من مياه النيل.. وكان رد اللورد كرومر أنه لا يستطيع أن يعطى رداً فى هذه «الطلبات» إلا بعد الرجوع للسير ويليام جارستين وكيل وزارة الأشغال العمومية والذى كان كرومر قد كلفه بفحص ذلك وإبداء الرأى فيه.
تقول الوثائق إن تقرير «وزارة الأشغال العمومية» فى ذلك الوقت جاء محذراً من الأفكار والأخطار الصهيونية باستيطان سيناء واستخدام مياه النيل فى مشاريعهم الاستيطانية.. حيث ذكر التقرير «بالأرقام» الأخطار التى يمكن أن تتعرض لها الزراعة المصرية فى حال تنفيذ المشاريع الصهيونية فى سيناء.. وأوصت اللجنة برفض هذه المشاريع.. وأمام ذلك «وفقا لما ورد فى وثائق الكتاب» كان الرد القاطع من اللورد كرومر والذى أبلغه لتيودور هيرتزل: «استنادا لتقرير وزارة الأشغال العمومية فإننى لا أوصى بقبول المشروع».. على الفور غادر هيرتزل القاهرة وراح يطرق أبواب لندن باحثاً عن موافقة جديدة لاغتصاب أرض أخري!!.
يروى هيرتزل فى مذكراته والتى وردت فى كتاب «المؤامرات الصهيونية على مصر» أنه بعدما غادر مصر ووصل لندن التقى هناك وزير المستعمرات البريطانية والذى أبلغه أنه عثر لليهود على وطن ملائم فى أوغندا.. لقد دار حوار كاشف هنا بين الوزير البريطانى وبين مؤسس الصهيونية الحديثة.. حوار يكشف كثيراً من جوانب الالتقاء بين المشروع الاستعمارى الغربى القديم والمشروع الصهيوني.. مشروعان متماثلان.. متبادلان للمنفعة.. تجمعهما العديد من القواعد والأهداف المشتركة.. جعلتهما فيما بعد يبدو وكأنهما «مشروع واحد».. قال وزير المستعمرات البريطانى لهيرتزل: لقد عثرت لكم على بلاد مناسبة أثناء سفرى وهى أوغندا وهى بلاد جوها حار على السواحل ولكن طقسها ممتاز فى الداخل حتى بالنسبة للأوروبيين.. وتستطيعون أن تزرعوا فيها القطن وقصب السكر.. ولقد قلت لنفسى عندما زرتها إن هذه البلاد تصلح للدكتور هيرتزل.. ولكنك طبعا تريد الذهاب إلى فلسطين أو مايجاورها!!!.. رد هيرتزل على وزير المستعمرات البريطانى بجملة بالغة «الدلالة الصهيونية» عندما قال له :يجب أن تكون «قاعدتنا» فلسطين.. ثم نستطيع بعد ذلك أن نستوطن فى أوغندا!!!.. ثم تطورت الأحداث حتى صدر وعد بلفور المشئوم وبدأت الخطوات التنفيذية للاحتلال الصهيونى لفلسطين وقيام «إسرائيل».. ورغم هذا كله لم تغفل الذاكرة الصهيونية «مشاريعها القديمة»!!
هناك حقيقة تاريخية تقول إن الأطماع والمشاريع «الصهيونية الاستعمارية» لا تموت.. والأطماع والمشاريع المتعلقة بسيناء والنيل – كما أكدت وثائق التاريخ – هى أطماع ومشاريع مازالت حية داخل «الخيال الصهيونى العالمي».. هذه الأطماع والمشاريع لا تموت بالفعل.. ربما تتشرنق أو تتوارى قليلا «وفقا لطبيعة ومتطلبات الظرف والمرحلة».. لكن «خرائطها» تكون دائما جاهزة فى انتظار «لحظة التنفيذ».. لحظة التنفيذ التى لن تأتى أبدا بإذن الله.
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
