المتأمل بعين الصدق والأمانة يجد ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام ألف وتسعمائة اثنين وخمسين قد حققت العديد من الإنجازات لجميع أبناء الشعب المصري.. وسوف أكتفى هنا بالحديث عن مجانية التعليم وما أحدثته من تقدم وازدهار فى المجتمع المصرى والأسرة المصرية فى مختلف الفئات والطبقات.. ولن أستعرض الفوائد العديدة والعظيمة التى تحققت للفلاح المصرى الذى كان يعمل ليل نهار فى الأرض يكد ويتعب ولا يناله من ثمارها شيء وإنما كان الخير كله وفوائد الحصاد للبكوات والإقطاع وحاشية الملك.. وطبعا الملك ووزرائه.. والحقيقة الدامغة ان كل الأجيال التى ولدت بعد هذا التاريخ الثالث والعشرين من يوليو اثنين وخمسين استفادوا من هذا البند الأصيل لثورة يوليو والتى جعلت التعليم حق لكل مصرى ومصرية.. بل جعلت التعليم إلزاميا وكانت الأسرة التى لا تبادر لإلحاق أبنائها بالمدارس تتعرض لدفع غرامة وعقوبات تصل إلى حبس ولى الأمر الذى يرفض تعليم أبنائه.
التحقنا كلنا أجيال وأبناء ثورة يوليو بالمدارس المجانية.. ولم تكن الأسرة تتكبد إلا ملفاً به شهادة الميلاد وست صور شخصية للتلميذ وبدون دفع أى مليم تعلمنا جميعا فى مدارس الثورة بالمراحل المختلفة.. التعليم الابتدائى ثم الإعدادى ثم الثانوى وكنا نحصل على وجبة أثناء اليوم الدراسى ولم تكن هناك دروس ولا مجموعات وكان مدرس الفصل يؤدى واجبه على أكمل وجه.. وكنا نخرج من الحصة ونحن فى حالة استيعاب كامل لكل الدروس.. وبعد المرحلة الثانوية التحقنا بجامعات الثورة وكان المتفوق يحصل على مكافأة طوال أيام الدراسة تشجيعا للتفوق وبعد سنوات الجامعة كانمت الوظائف متاحة للجميع فى كل مؤسسات الدولة بكل عدالة وشفافية.. ربما لا يشعر كثيرون من الأجيال الحديثة التى جاءت إلى الدنيا بعد سنوات من ثورة يوليو المجيدة بقيمة وجدوى مجانية التعليم.. لأن كل شيء كان متوفراً لهم ولم يعانوا من الحرمان من هذه النعمة الكبيرة التى أنعمت بها ثورة يوليو على أبناء الشعب المصري.. وأما لو عادوا إلى الوراء قليلا قبل الثورة وقاسوا وعانوا من عدم التعليم الذى كان قاصراً على أبناء الباشوات والبكوات والاقطاع والمقربين وذوى النفوذ لكانوا عرفوا معنى وقيمة مجانية التعليم التى جعلتها ثورة يوليو أهم مبادئها وأهم إنجازاتها وكان لها الأثر الكبير فى تقدم وتطور الشعب المصري.
وعندما عاد عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين من بعثته التعليمية من باريس ووجد الفارق الكبير بين البلدين نادى بمجانية التعليم وقال: «التعليم كالماء والهواء».. وجعلته بالفعل ثورة يوليو كالماء والهواء وتعلم جميع أبناء مصر وصاروا علماء ملأوا الدنيا علماً وثقافة.