شهدت مصر عبر تاريخها الحديث سلسلة ممتدة من محاولات جماعة الإخوان الإرهابية اختراق الدولة المصرية والانقلاب عليها، منذ تحالفهم القصير مع ضباط ثورة يوليو 1952 ثم انقلابهم عليهم، مرورًا بتورطهم فى مخططات عنف واغتيالات خلال عهدى عبدالناصر والسادات، ومحاولاتهم اختراق مؤسسات الدولة فى عهد مبارك، وصولاً إلى دورهم فى تأجيج الفوضى قبيل وخلال انتفاضة يناير 2011 – يظهر سجل الجماعة نمطًا ثابتًا من الخيانة والمؤامرة ضد الدولة الوطنية..ويشهد التاريخ على عدد من محطات تآمر الإخوان منذ (1952 – 2011):
-تحالف ومؤامرة:
رغم أن حركة الضباط الأحرار فتحت الباب أمام الجماعة فى البداية واعتبرتها جزءاً من المكون السياسى وكادت تجعل بعض أعضائها فى الحكومة لكن الجماعة سرعان ما سعت لفرض وصايتها على مجلس قيادة الثورة، انتهى الأمر بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر عام 1954 فيما عُرف بحادثة المنشية، ضمن مؤامرة لاغتيال قيادات الثورة والاستيلاء على الحكم وهو ما أوصل الخلاف إلى حد القطيعة وسجن قيادات الجماعة.
-مخطط 1965 المسلح:
اكتشفت أجهزة الدولة تنظيمًا سريًا مسلحًا تابعًا للإخوان عام 1965 يقوده منظر الإرهاب سيد قطب، هدفه قلب نظام الحكم بالقوة عبر اغتيال الرئيس عبد الناصر وكبار المسئولين وتخريب المنشآت الحيوية، وتم تقديم قادة التنظيم للمحاكمة وصدر الحكم بإعدم قطب وعدد من رفاقه عام 1966.
-خيانة عهد السادات (1970):
أفرج الرئيس السادات عن معتقلى الإخوان وأتاح لهم حرية النشاط، فقابلوه بمحاولة غدر فى عام 1974 حينما قاد عضو الجماعة صالح سرية تنظيمًا عسكريًا حاول اقتحام الكلية الفنية العسكرية بهدف قتل أو اعتقال السادات وإعلان «جمهورية إسلامية»، وقدكشفت اعترافات لاحقة مبايعة سرية وأعوانه لمرشد الإخوان والتنسيق معه سرًا لاستعمال العنف مع وعد بإنكار صلة الجماعة بالحادث إذا كُشف الأمر وفى النهاية كان مشهد اغتيال قائد النصر أنور السادات فى يوم الاحتفال بنصر أكتوبر على يد من خرجوا من تحت عباءة الجماعة.
-التغلغل فى عهد مبارك:
خلال الثمانينات والتسعينات تبنت الجماعة خطابًا علنيًا معتدلاً لكنها عملت سرًا على إعادة بناء تنظيمها واختراق المؤسسات وفى قضية سلسبيل 1992 ضبطت خطة لإعادة هيكلة التنظيم باستخدام الحاسوب، وفى 1995 اعتُقل عشرات الأعضاء فى قضية «إحياء تنظيم يهدف لقلب نظام الحكم».
هيمنت الجماعة على نقابات مهنية عدة، واستغلت انتخابات 2005 للفوز بـ 20 ٪ من مقاعد البرلمان، وفى حادثة ميليشيات الأزهر (ديسمبر 2006) ظهر طلاب إخوان بملابس شبه عسكرية مستعرضين مهارات القتال فى إعلان صارخ عن ميليشيا الجماعة وهو ما أكد الشكوك حول وجود جناح مسلح خفى للجماعة، ودفعت هذه الأحداث الرئيس الراحل مبارك إلى التحذير صراحةً من الإخوان واعتبارهم «خطرًا على أمن مصر».
الفوضى وثورة يناير 2011:
لعبت الجماعة دورًا خطيرًا فى تأجيج اضطرابات الثورة بعدما دفعت الإخوان بعناصرها المدربة وسط الحشود، وجيَّشت المسجلين والخارجين عن القانون لإثارة الشغب والتخريب، وبلغت خيانة الجماعة ذروتها فى استعانتها بدعم خارجى مسلح، وفى مساء 27 يناير تسللت عناصر أجنبية تابعة للتنظيم الدولى للإخوان عبر حدود سيناء بمعاونة بعض المهربين، ومنهم مقاتلون من تنظيم «جيش الإسلام» الفلسطينى وكتائب عز الدين القسام (الجناح العسكرى لحماس)، وقد كشف خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحماس لاحقًا عن هذه المشاركة بقوله إنهم كانوا -على قلب رجل واحد فى مصر- أثناء أحداث يناير، وأسفرت هذه المؤامرة عن اقتحام منسق لعدد من السجون، حيث اقتحمت مجموعات مسلحة سجن المرج لتهريب عناصر حماس، وأخرى سجن أبوزعبل لتهريب عناصر حزب الله، وثالثة سجن وادى النطرون لتحرير قيادات الإخوان بمن فيهم محمد مرسي، كما هاجمت تلك العناصر أقسام الشرطة والمنشآت، وحرَّضت على نهب الأسلحة – فتم الاستيلاء على نحو 15500 قطعة سلاح وذخائر متنوعة من مقار الشرطة – وهربت أكثر من 23 ألف سجين جنائى لتعميم الفوضي، كل ذلك كان جزءًا من مخطط إخوانى لاستغلال حالة الفراغ الأمنى من أجل إسقاط الدولة المصرية والاستيلاء على الحكم تحت ستار الثورة.
-أبرز محطات تآمر الإخوان المسلمين (2011 – 2025)
شهدت الفترة بين 2011 و2025 سلسلة مؤامرات موثقة منسوبة من جماعة الإخوان الإرهابية، سواء داخل مصر أو عبر نشاط التنظيم الدولى للجماعة فى الخارج، وقد انعكس ذلك فى محاضر محاكمات وأدلة أمنية موثقة بالصوت والصورة تكشف إرهابية وفاشية الإخوان هذا بالاضافة إلى ثبوت فشلهم الذريع فى الحكم وتزايد الأزمات التى وصلت إلى حد أن أصبحت الدولة على وشك الانهيار اقتصادياً والحرب الأهلية مما أدى إلى الانفجار والوصول إلى ثورة 30 يونيو 2013 وبعد الإطاحة الشعبية بحكم الإخوان فى يوليو 2013، تبنّت الجماعة نهج العنف المسلح وفق رواية الدولة، فاندلعت أعمال الإخوان الإرهابية التى استهدفت قوات الجيش والشرطة والمرافق العامة، بما فى ذلك تفجيرات واغتيالات لمسئولين أمنيين، وفى ديسمبر 2013، أعلنت الحكومة المصرية رسميًا اعتبار الإخوان جماعة إرهابية وحظرت أنشطتها، وذلك إثر تفجير دموى استهدف مديرية أمن بالدقهلية أوقع 16 شهيداً، ظهرت تنظيمات مسلّحة مرتبطة بالجماعة مثل حركة حسم ولواء الثورة، التى نفذت عمليات إرهابية واغتيال لرجال الجيش والشرطة وتفجيرات استهدفت منشآت حكومية وسفارات، وقد صنفت الولايات المتحدة هذين التنظيمين كجماعات إرهابية وأشارت إلى صلتهما بجماعة الإخوان، لانهما يتبنيان أيديولوجيتها وشعاراتها علنًا بهدف زعزعة الاستقرار وإظهار قدرة جماعة الإخوان الإرهابية على إرباك الدولة بالقوة.
– محاولات اختراق الدولة بعد سقوط حكمهم
سعت جماعة الإخوان – وفق الوثائق الرسمية – إلى اختراق مؤسسات الدولة وتعطيلها بعد سقوط حكمها، حيث كشفت وثيقة سرية اجتماع طارئ لقادة التنظيم الدولى للإخوان عُقد فى إسطنبول فى يوليو 2013 عن خطة للجماعة لإحداث انقسام هيكلى داخل الجيش المصرى عبر اختراقه واستمالة بعض قياداته، وأظهرت هذه الوثيقة (التى تسربت لوسائل الإعلام) استنفار قيادة الإخوان الدولية لوضع خطة عاجلة لإنقاذ الجماعة عقب الضربة الصاعقة التى تلقتها فى مصر، وتضمنت الاستراتيجية المُعلن عنها العمل على استغلال الثغرات داخل النظام الجديد؛ حيث دعا التنظيم الدولى إلى البحث عن نقاط ضعف وتوظيفها لإفشال خارطة الطريق التى أعلنها القائد العام للقوات المسلحة يوم 3 يوليو 2013، كما حثّت الجماعة عبر هذه الخطة أتباعها على محاصرة المؤسسات السيادية للدولة (كالمنشآت العسكرية والقضائية والإعلامية) وتصعيد العصيان المدنى بهدف إرباك سلطة الحكم الانتقالي، هذه المحاولات كانت أدلة دامغة على تآمر ممنهج لاختراق أجهزة الدولة وإفشالها من الداخل، وهو ما واجهته الدولة بحملات أمنية مكثفة وتطهير للمؤسسات ممن ثبت ارتباطهم بالتنظيم الإرهابي.
استخدام منصات إعلامية خارجية للتحريض
اعتمدت جماعة الإخوان الإرهابية بعد 2013 على منصات إعلامية خارج مصر للتحريض ضد الدولة وتأليب الرأى العام، وفق التقارير الأمنية. فقد أنشأت وأدارت قيادات الإخوان الهاربة فى الخارج فضائيات ومواقع إلكترونية تبث من الخارج بهدف نشر الشائعات والأكاذيب بغرض تأجيج الاضطرابات فى مصر ، وقد وثّق تقرير صادر عن مؤسسة بحثية مصرية أسلوب الأبواق الإعلامية للإخوان فى نشر محتوى تحريضى يتضمن تشويه مؤسسات الدولة والتحريض المستمر على العنف، بما يهدد الأمن والسلم الاجتماعى هذه القنوات التى تبث من الخارج – مثل فضائيات مكملين والشرق ووطن – سخّرتها الجماعة لتضخيم الأزمات الاقتصادية وإضعاف ثقة المواطنين فى الدولة، وقد استخدمت جماعة الإخوان الإرهابية هذا الإعلام المُوجَّه أحد أدواتهم لهدم الاستقرار الداخلى تحت ستار المعارضة الإعلامية، وقد واجهته الدولة باحترافية عبر تعرية مصداقية هذه القنوات وملاحقة المشاركين فى إدارتها قانونيًا.
دور التنظيم الدولى للإخوان
لم يقتصر نشاط الإخوان على الساحة المصرية، بل لعب التنظيم الدولى دورًا محوريًا فى دعم مشروع الجماعة الإرهابية، وتوثّق محاضر الاجتماعات السرية فى إسطنبول 2013 مشاركة مندوبين عن مكتب الإرشاد العالمى وأعضاء الجهاز السياسى الدولى وممثلين من فروع الإخوان فى الدول العربية وأوروبا فى وضع خطط المواجهة بعد سقوط حكم الإخوان فى مصر، وهذا التنسيق العابر للحدود كان هدفه حشد موارد التنظيم العالمى لإنقاذ الفرع المصرى واستعادة نفوذه، واستمر التنظيم الدولى للإخوان فى توجيه حملات خارجية ضد الحكومة المصرية من خلال شبكات واسعة فى أوروبا والولايات المتحدة، وقد كشفت دراسة حديثة حجم التغلغل؛ إذ رصدت وجود أكثر من 450 منظمة غير حكومية مرتبطة بالإخوان تنتشر تحديدًا فى الدول الغربية، ومن بين هذه المنظمات واجهات تعمل تحت ستار مراكز حقوقية وإغاثية وجمعيات مجتمع مدني، يُسخّرها التنظيم الدولى لتعزيز نفوذه العالمى وتشكيل لوبى ضغط على الحكومات الأجنبية، وأوضحت الدراسة أن الإخوان فعّلوا ما لا يقل عن 18 منظمة فى سويسرا وحدها (بوصفها مقرًا دوليًا لحقوق الإنسان) ونحو 10 منظمات فى المملكة المتحدة، إضافة لعشرات المنظمات فى الولايات المتحدة ودول أوروبية أخري، هذا الانتشار الواسع للتنظيم الدولى مكّن الإخوان من تدويل معركتهم ضد الدولة المصرية عبر التأثير فى المنظمات الدولية وإصدار تقارير منحازة تشوه أوضاع مصر السياسية والحقوقية، وترى الأجهزة المصرية أن نشاط التنظيم العالمى للإخوان يمثل امتدادًا للصراع على الشرعية، حيث استغل الإخوان علاقاتهم العابرة للحدود لحشد الدعم الخارجى لمواقفهم وضغطوا عبر المنظمات الدولية والتقاضى أمام محاكم أجنبية لإحراج الدولة المصرية وإضعاف موقفها دوليًا لكنهم فشلوا.
استعراض هذه المحطات التاريخية يوضح أننا أمام نمط متكرر فى سلوك جماعة الإخوان الإرهابية عبر العقود، فقد تغيرت الوجوه والظروف، لكن الثابت هو المشروع الأيديولوجى للجماعة الذى يصطدم جذريًا مع مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، فهذا المشروع الذى أسسه حسن البنا وسيد قطب يقوم على شعار «الإسلام هو الحل»، ومن خلال هذا الشعار يسعون لاحتكار تفسير الدين لأغراض سياسية، وإنشاء دولة عابرة للحدود (الخلافة) لا تعترف بالوطن أو القومية، ومن هذا المنطلق نظرت الجماعة إلى الدولة المصرية – منذ زمن الملكية وحتى الجمهورية – كجسم غريب يجب تطويعه أو هدمه لإقامة كيان «إسلامي» على أنقاضه، ولاؤها الأول كان دومًا لتنظيمها الدولى وعقيدتها السياسية، وليس للوطن المصرى وحدوده وسيادته.
فى ضوء ذلك، يمكن فهم استمرار الإخوان فى الخيانة والتآمر عبر كل الحقب، فعندما شاركوا ضباط يوليو فى الثورة، كان ذلك تكتيكًا للوصول إلى حكم مصر من خلف الستار، فلما فشلوا حاولوا الاغتيال، وعندما منحهم السادات حرية الدعوة، استغلوها لإعادة بناء قوتهم والبحث عن داعمين خارجيين، فجازفوا بمحاولة انقلاب مسلح حتى خلال حرب مصر مع عدوها، وفى عهد مبارك، تظاهروا بقبول قواعد اللعبة، لكنهم جنّدوا خلايا فى مؤسسات الدولة والجامعة، وكدسوا الأموال والسلاح انتظارًا ليوم الحسم. وحين أتى هذا اليوم فى 2011، ألقوا بكل أوراقهم وتحالفوا مع كل من يزعزع استقرار مصر – من ميليشيات وأجهزة مخابرات معادية – فقط ليفرضوا أنفسهم على كرسى الحكم.. إن كراهية الإخوان المتجذرة لفكرة الدولة الوطنية المصرية جعلتهم لا يتورعون عن أى تحرك يهدم أسس هذه الدولة: تحريض الفوضى فى الداخل، الاستقواء بالخارج، نشر الفكر التكفيرى لزرع الفتن بين أبناء الوطن، اختراق الجيش والشرطة لشل قدرات الدفاع الوطني، وهلم جرا.
لقد أثبتت العقود السبعة الماضية أن مشروع الإخوان التخريبى ثابت لا يتغير، مهما تظاهروا بالتكيف أوالمراجعة.. فخطاب -المشاركة لا المغالبة- و-الدعوية السلمية- الذى تبنوه أحيانًا ما هو إلا قناع سرعان مايسقط عند أول اختبار. وتجربة وصولهم للسلطة عام 2012 كشفت للشعب المصرى حقيقة نواياهم فى أخونة مفاصل الدولة وإقصاء كل من عارضهم، إلى حد تهديدهم بـ – حرق البلاد – إن لم ينفردوا بالحكم. لذلك عندما انتفض المصريون مجددًا فى يونيو 2013 لإسقاط حكم الإخوان، كانت الجماعة قد خسرت آخر ما تبقى لها من مصداقية، كقوة سياسية. وقد أيقن المصريون أن تنظيمًا هذه سيرته لا يمكن أن يؤتمن على وطن؛ فهو طابور خامس فى الداخل مهما ادعى الوطنية، وولاؤه دائمًا للتنظيم العالمى ولأوهام الخلافة ولمن يجندونه ويمولونه من أجهزة مخابرات على حساب سيادة مصر وأمن شعبها.
إن القراءة المتأنية لتاريخ الجماعة الإرهابية مع الدولة المصرية منذ 1952 وحتى 2011 تُظهر بلا مواربة أننا أمام عقيدة هدامة تتوارثها أجيال الجماعة جيلاً بعد جيل. عقيدة قوامها الغدر والاستقواء والتآمر ضد كل من لا يخضع لأيديولوجيتهم. هذه العقيدة هى النقيض التام لفكرة الدولة الوطنية الحديثة القائمة على المواطنة والوحدة والتعددية. وبينما قد تتغير أساليب الإخوان بين العنف المباشر حينا والتسلل الهادئ أحيانا، يبقى الهدف واحدًا: هدم أسس الجمهورية المصرية التى قامت عام 1952 وإقامة حكمهم الخاص ولو على أنقاض الوطن. من الواجب إذن على كل مصرى حريص إدراك هذه الحقيقة وعدم الانخداع بالشعارات البراقة التى يطلقها الإخوان فى أوقات ضعفهم. فالتاريخ سجل بالحجة والبرهان جرائمهم عبر العقود، وأكد بما لا يدع مجالًا للشك ثبات عدائهم لمصر الدولة والمجتمع. وإن استمرار يقظة مؤسسات الدولة وتكاتف الشعب هو الكفيل بإحباط أى مشروع ظلامى جديد قد تسوله لهم أنفسهم، حتى تظل راية مصر الوطنية خفاقة أبد الدهر، عصية على كل خائن ومتآمر.