فى الذكرى الثالثة والسبعين لثورة يوليو 1952 التى نحتفل بها هذه الايام ..ثمة جوانب عديدة تستحق التذكر وإعادة الاهتمام وكشف اللثام عنها لما تحمله من دروس وعبر تتصل بحاضر الأمة ومستقبلها ولانها هامة ومتميزة فإنها لا تموت أبدا ..بل تنضج وتنمو بمرور الزمان وتتأصل معانيها ..هكذا كانت تجربة ثورة يوليو وقائدها الرمز القومى الراحل والذى يزداد تألقا كلما بعدنا عن أحداث ثورته : الزعيم جمال عبدالناصر !
> ومن جوانب عظمة تجربة يوليو ..علاقة الثورة وعبدالناصر بالطرق الصوفية ورغم أن عبدالناصر لم يكن أبدا «صوفيا» ولكنه كان متصالحا ومرحبا بالطرق الصوفية وهذا هو المهم اليوم «2025» ووسط صعود الدواعش وتنظيمات العنف الدينى فى المنطقة والكارهة بالتربية والتلقين والتاريخ للطرق الصوفية وطبعا لعبدالناصر القومى الشريف فى حياته وحكمه.
> يحدثنا التاريخ أنه يمكن تلمس أبعاد العلاقة بين مصر فى عهد عبد الناصر والطرق الصوفية من خلال مستويين من التحليل .
الأول : فكرى ويحدد مدركات الطرق الصوفية تجاه القضايا السياسية الملحة فى هذه الفترة «1952-1970» والتى تحدد بالتالى موقفهم الفكرى أو النظرى المساند وبقوة للنظام السياسى .
الثانى : عملى ويشير إلى المواقف العملية للطرق الصوفية خلال هذه الفترة تجاه القضايا والأزمات السياسية وقتها وبخاصة بعد نكسة 1967.
وعلى صعيد المستوى الفكري نستطيع تلمس أبعاده من خلال حقيقة ناصعة وهى أن الطرق الصوفية كان لها دائما موقف مؤيد للنظام السياسى الناصرى تجاه أغلب هذه القضايا ، وإن بدا فى بعض الفترات القليلة أن للطرق الصوفية موقفها المخالف لتوجهات النظام فإن هذا لا يخفى التوجه العام الذى ميز رؤيتهم ، فالاشتراكية تمثل لديهم : « نوعاً من السمو بكرامة المواطنين جميعاً ، ولقد وجهت الجمهورية العربية شطراً من عنايتها لتقريب المسافات بين غنيهم وفقيرهم ، حتى يكون الجميع سواء فى حق الحياة …….
الناحية فى الرعية «محمد خلف الله أحمد : الخطوط الكبرى للنهضة الإسلامية ، مجلة الإسلام والتصوف سبتمبر 1961 «مجلة شهرية كانت تصدر عن مشيخة الطرق الصوفية – القاهرة « ص ص 16 – 17 » .
وعبدالناصر لديهم هو : « قائد البعث العربى وموجه تاريخنا ، ومحرر الشعب العربى من إسار المواريث الرجعية ومن قيود الطبقية والاستغلالية وهو الذى وقف ليعلن حق الإنسان فى حياة فاضلة ، « محمد علوان -مجلة الإسلام والتصوف – المصدر السابق ص54.
وتصل قيمة العدل لدى الطرق الصوفية إلى قمتها عندما يصبح هو جوهر الرسالة الإسلامية وهو مفتاح السعادة للبشر «عبد المنصف محمود عبد الفتاح : العدل مفتاح السعادة ، مجلة الإسلام والتصوف «نوفمبر 1960» ص 57 – 60».
أما بالنسبة للقضايا الخارجية فقد كانت للطرق الصوفية رؤيتها تجاه بعض القضايا التى عاشتها مصر إبان الفترة «1952 – 1970» ، وكانت قضية القومية العربية من أهم القضايا التى شغلت القوى الدينية والسياسية على اختلافها ، وكانت للطرق الصوفية رؤيتها تجاه هذه القضية حيث يقول شيخها آنئذ محمد محمود علوان :فى مقال يحمل عنوان القرآن ووجوب العناية به : مجلة الإسلام والتصوف «ديسمبر 1960»: « العروبة التى ننادى بها ليست حركة جنس أو لون إنما حركة بعث لأمة كبرى تحتل أخطر منطقة فى الكوكب الأرضى وتمثل أرضها قلب العالم النابض».
وكان للطرق الصوفية موقفها الفكرى أيضاً تجاه قضايا المواجهة ضد العدوان الخارجى وتبدى هذا فى إعلانها على لسان شيخ مشايخ الطرق الصوفية إبان العدوان الثلاثى على مصر بأن : «اليوم الأمة العربية تدوى من حولها العواصف ويتربص بها جبابرة عتاة بغاة فيا أيها المتصوفة فى كل مكان ، إن عبادة الله لا تستقيم ميزانها إلا بالجهاد فى سبيل الله ، فى سبيل خير أمتكم ، ورفاهية شعبكم وحماية وطنكم « «محمد محمود علوان : الروح الصوفى هو السلاح السرى للعالم الإسلامى ، مجلة الإسلام والتصوف ، «يوليو 1958» ص5
أما على المستوى العملي.فى سبتمبر 1959 وجه الشيخ محمد محمود علوان شيخ مشايخ الطرق الصوفية بياناً إلى الأمة العربية قال فيه « إن معركة القومية العربية الدائرة الرحى الآن فى العراق ليست معركة العراق وحده بل هى معركة العالم العربى كافة وندد بالنكسة الرجعية وحمامات الدم ، وأكد أنها تشكل خطراً على الكيان العربى كله وعلى مقدساته وعقائده وميراثه الروحى العالمى «الأهرام بتاريخ 24/9/1959».
وإبان أحداث الصدام بين النظام السياسى والإخوان المسلمين عام 1965، كانت الطرق الصوفية إلى جانب النظام ، حيث أصدر الشيخ محمد محمود علوان بياناً فى مولد الإمام الرفاعى أعلن فيه أن رسالة التصوف هى الدعوة إلى الأمن والسلام ومحاربة أساليب العنف والإرهاب وأن الإسلام حرم التآمر فى الخفاء والمفاجأة بالإثم والعدوان «الأهرام بتاريخ 1/10/1965» وقبل الاحتفالات بأعياد الثورة كان للطرق الصوفية موقفها أيضاً حين أصدر شيخها أمراً ينوه فيه حول ضرورة أن يكون الاحتفال مهيباً ويتفق وجلال المناسبة الأهرام بتاريخ 23/7/1966 «الأهرام بتاريخ 23/11/1966، وقس على ذلك عشرات المواقف للطرق الصوفية فى تأييد النظام الناصرى وبإقتناع كامل « .
وفى ديسمبر 1967 سار أكبر موكب صوفى رسمى فى مصر تأييداً للقيادة السياسية فى أعقاب هزيمة 1967 مما يؤكد على استمرارية دورها القديم فى تأييد النظام السياسى ، خاصة فى أوقات الأزمات السياسية الداخلية أو الخارجية.
>وهذا فى تقديرنا هو دور الاسلام والايمان المعتدل السمح الذى أسسته _ولاتزال _ الطرق الصوفية .. والذى يدرك أهمية وجود الدولة وبقاء جيشها الوطنى ..وليس هدمها وتقويض قوتها العسكرية كما ذهبت تنظيمات الغلو من الاخوان الى القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات التى أضرت بالاسلام قبل أن تضر بالدول وهو عين ما أدركه عبدالناصر لدور الطرق الصوفية الدائم والمهم رغم أنه لم يكن «صوفيا» ولكنه كان مثلنا جميعا محبا لها وعالما بدورها العظيم فى بناء الدولة المصرية وحمايتها .وهذا هوالمعيار للايمان الحقيقى .. والله أعلم.