أكد السفير الدكتور مصطفى الشربيني، الخبير الدولي في الاستدامة والمناخ، أن افتتاح فعاليات منتدى السياسات رفيع المستوى للتنمية المستدامة لعام 2025 (HLPF)، الذي تنظمه الأمم المتحدة في نيويورك، حمل رسائل قوية تتعلق بالحاجة الملحة لتسريع التنفيذ العملي لأهداف التنمية المستدامة (SDGs)، لا سيما في ظل التحديات المتراكمة عالميًا. وأشار إلى أن رسالة المنتدى للعالم في 2025 هي: “لا مزيد من الأعذار… نصف الطريق قد مر، وحان وقت اتخاذ إجراءات ملموسة تترك أثرًا حقيقيًا في حياة الناس، وتُنقذ الكوكب“.
مبادرات مصرية رائدة لدعم التنمية المستدامة
أكد الشربيني، الذي يشارك بأربعة مبادرات رسمية مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)، وهي مبادرات تُعد سابقة تاريخية بأن تقوم الأمم المتحدة بنشر أربع مبادرات لعالم مصري وعربي ودولي على موقعها الرئيسي، أن هذه المبادرات دعمت العمل في التنمية المستدامة خلال النصف الأول من المدة الزمنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. هذه المبادرات هي:
- مبادرة سفراء المناخ: منارة للشباب والمرأة.
- مبادرة رواد الحياد الكربوني: صانعة ثقافة البصمة الكربونية في مصر والوطن العربي.
- مبادرة مدققين وخبراء الاستدامة والكربون: أول مبادرة تغوص في إيجاد مهنة مدقق البصمة الكربونية في مصر والعالم العربي.
- مبادرة سفراء المياه: تم إطلاقها مع الأمم المتحدة خلال مؤتمر المياه عام 2023.
وأشار الشربيني إلى أن اليوم الأول للمنتدى كان حافلًا بالرؤى والتوجهات التي تعكس حجم القلق الدولي من التراجع في تنفيذ عدد من أهداف التنمية، خصوصًا تلك المتعلقة بالصحة، والمساواة بين الجنسين، والنمو الاقتصادي، والحياة البحرية، والشراكات العالمية. وأضاف: “افتتاح المنتدى لم يكن مراسم بروتوكولية بقدر ما كان نداء إنسانيًا عاجلًا. العالم بحاجة إلى قرارات تُبنى على العلم، وموارد تُوجّه نحو من هم في الخلف، وليس مجرد خطب إنشائية”.
تقرير أهداف التنمية المستدامة 2025 يكشف الفجوات
أشار السفير الشربيني إلى أن إطلاق تقرير أهداف التنمية المستدامة 2025 في الجلسة الافتتاحية كشف حجم الفجوة بين الالتزامات والنتائج، مؤكدًا أن التقرير يسلط الضوء على تراجع ملموس في بعض الأهداف، نتيجة الأزمات المتلاحقة: من المناخ إلى النزاعات، ومن الجائحة إلى أزمات الديون.
وأوضح أن مشاركة المجتمع المدني وما يقدمه من مبادرات كانت واضحة منذ اليوم الأول، مشيدًا بمداخلة مجموعة النساء التي شددت على أن “بدلًا من تسريع التقدم، نشهد تراجعات مقلقة”، مشيرًا إلى أهمية الضغط المدني في تحريك الدول لتبني سياسات أكثر عدالة وإنصافًا. وأضاف السفير الشربيني: “ما لم تُترجم الخطط إلى تمويل حقيقي، وتُبنى على بيانات دقيقة، ويُعطى فيها دورٌ حقيقيٌ للمجتمع المدني، فإننا نعيد إنتاج نفس الوعود، ونفقد البوصلة ونحن في النصف الأخير من الطريق نحو 2030.”
كما لفت إلى أن منظمة الصحة العالمية أطلقت خلال الجلسة فعالية محورية عن “تسريع التقدم في الهدف الثالث”، خاصة في ظل تنامي التهديدات الصحية في المناطق الهشة، داعيًا إلى شمول ملف الصحة النفسية في جميع استراتيجيات الدول لما له من انعكاسات على الإنتاج والرفاه المجتمعي.
منتدى HLPF 2025: منصة عالمية للمساءلة وتوجيه البوصلة
يُعد منتدى السياسات رفيع المستوى للتنمية المستدامة (HLPF) المنبر الرئيسي للأمم المتحدة لتقييم التقدم العالمي في تنفيذ أجندة 2030 وأهداف التنمية المستدامة (SDGs). ينعقد سنويًا بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، تحت مظلة المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC)، ويجمع قادة الدول، والوزراء، وخبراء التنمية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، في نقاش عالمي يحدد أين يقف العالم وإلى أين يتجه.
أهمية المنتدى عالميًا:
- محطة مراجعة شاملة: يعد HLPF أهم منصة أممية يتم فيها استعراض التقدم المحرز في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الـ17، وتحديد مكامن القصور ومواطن التقدم.
- منصة للمساءلة الدولية: تقدم الدول ما يعرف بـالمراجعات الوطنية الطوعية (VNRs) لتقييم أدائها أمام المجتمع الدولي بشفافية.
- ملتقى للشراكات: يتيح المنتدى تبادل الخبرات بين الدول، وتعزيز التعاون مع وكالات الأمم المتحدة، والجهات المانحة، والمجتمع المدني.
- مقياس للعدالة العالمية: يرصد المنتدى التفاوتات بين الدول والمناطق، ويحدد كيف يمكن “ألا يُترك أحد خلف الركب”، وهو الشعار المركزي لأجندة 2030.
نسخة 2025: لحظة مصيرية نحو 2030
تنعقد دورة 2025 من المنتدى في ظل تحديات مضاعفة:
- نصف الطريق نحو 2030، لكن التقدم في عدة أهداف – خاصة المتعلقة بالمناخ، والصحة، والمساواة – ما يزال بطيئًا.
- أزمات عالمية مركبة (النزاعات، التضخم، الديون، تغير المناخ) تهدد مكتسبات التنمية.
- فجوة تمويل تنموي تُقدّر بتريليونات الدولارات، تحتاج إلى حلول مبتكرة وآليات تمويل عادلة.
محاور HLPF 2025:
- مراجعة معمقة لأهداف:
- SDG 3: الصحة الجيدة والرفاه
- SDG 5: المساواة بين الجنسين
- SDG 8: العمل اللائق والنمو الاقتصادي
- SDG 14: الحياة تحت الماء
- SDG 17: الشراكات من أجل الأهداف
- تقديم 37 تقريرًا وطنيًا طوعيًا من دول مختلفة.
- الفعاليات الجانبية من منظمات دولية مثل (WHO، UNDP، UNEP) سلطت الضوء على قضايا الصحة النفسية، والتمويل المناخي، والابتكار التكنولوجي، وتمكين المرأة.
يتابع السفير الدكتور مصطفى الشربيني فعاليات المنتدى بدعوة رسمية من الأمم المتحدة، بصفته أحد الخبراء الدوليين في قضايا المناخ والاستدامة وشريك بأربع مبادرات مع SDGs UN DESA. يقدم تحليلات استراتيجية للقرارات والمداولات، خاصة ما يتعلق بتمويل الانتقال العادل، وتمكين الفئات الهشة، ودور البيانات العلمية في السياسات العامة.
يقول السفير الشربيني: “المنتدى ليس مؤتمرًا نظريًا، بل لحظة عالمية لمحاسبة الحكومات والمؤسسات على وعودها. هو اختبار للإرادة الجماعية، وفرصة حقيقية لبناء اقتصاد إنساني جديد، يقوم على الشراكة والمسؤولية”.
التوصيات والنتائج المرجوة
سيختتم المنتدى فعالياته ضمن الجلسة الختامية في العاشرة صباح يوم 23 يوليو بتوقيت نيويورك، وهو الوقت المخصص لاعتماد الوثيقة الختامية.
التوصيات المتوقعة:
- إعلان وزاري تفاوضي يتم عند ختام الجزء الوزاري (21–23 يوليو)، يتضمن التزامات قوية لتمويل SDGs مبنية على الأدلة، والتركيز على إنزال مبادئ “لا يُترك أحد خلف الركب” إلى الخطط الوطنية، وتعزيز الشراكات بين الحكومات، والقطاع الخاص، والجمهور المدني، والمنظمات الدولية.
- التكامل مع القرارات العالمية الرئيسية لعام 2025: يُتوقع تضمين مخرجات قمة “العقد للأمام 2024″، و”الميثاق الرقمي العالمي”، و”إعلان الأجيال القادمة”، ضمن الإعلان الوزاري.
- مطابقة توصيات المنتدى مع التوجهات في مؤتمرات المحيطات، وتمويل التنمية، وتمكين المرأة.
- دعم التعاون الجنوب-جنوب والثلاثي: الانطلاق بالمبادئ المستخلصة من إطلاق تقرير التعاون الجنوب-جنوب 2025، الهادف لتحوير التعاون كوسيلة تنموية مركزية مع إعطاء أطر واضحة للامتداد العالمي والإقليمي (South-South Galaxy).
النتائج المرجوة:
- تبني إعلان وزاري شامل يعكس التقدم والإخفاقات في SDGs 3، 5، 8، 14، و17، مع دعم الشراكات والمساءلة.
- مرتكزات مالية جديدة (بما يشمل القطاع الخاص)، تُترجم إلى خطط تنفيذ بتمويل ملموس واستراتيجيات واضحة.
- تعزيز أساليب العمل القائم على البيانات والعلم كأسلوب معتمد سياسيًا، يتطلب إجراءات ملموسة مثل:
- بناء منصات إحصائية فعالة.
- استخدام معايير تقييم جديدة (تجاوز المؤشرات الاقتصادية التقليدية كالناتج المحلي الإجمالي).
- مؤشرات تشغيلية لمراقبة التزامات الدول، مثل تعزيز عدد VNR Labs وتجارب التعاون جنوب-جنوب.
- تعزيز مشاركة المجتمع المدني في التقييم والتنفيذ الحي للخطط.
وختم السفير الشربيني تصريحه بالتأكيد على أن المنتدى في نسخته الحالية يُعد اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية الدول في التعاون الفعلي، وليس التفاهم النظري، داعيًا إلى “تحويل بيانات المنتدى إلى جداول تمويل، وتحويل الجداول إلى عدالة اجتماعية في كل قرية ومدينة“.