إننا أمام مؤسسة وطنية تدرك دورها جيدًا، وأبناؤها يؤدون واجبهم بإخلاص وفقًا لمنظومة واضحة وفلسفة ثابتة قوامها أمن الوطن وكرامة المواطن واحترامه والحفاظ على حقوقه.
الأمن رسالة لا تحتاج في أدائها إلى أصوات عالية ومزايدات، وإنما تتطلب رؤية وفهمًا واحترافية. كثيرًا ما كان البعض يقيس مستوى الأداء الأمني بالأرقام: عدد الجرائم التي تم ضبطها، والأسلحة، وكميات المخدرات. وهذا معيار خادع، لأنه أولًا لا يعكس الواقع، فليست كل الجرائم معلنة، كما أن الأرقام نفسها قد تكون دفترية وليست واقعية.
ولهذا، يرى خبراء الأمن أن المعيار الحقيقي لنجاح الأداء الأمني هو مدى شعور المواطن نفسه بحالة الأمن والأمان. فالقضية ليست في كل الأحوال أرقامًا، وإنما حالة يلمسها الناس. وكلما كان هناك شعور بالأمان، وأن يد الأجهزة الأمنية مسيطرة وقادرة على الوصول إلى كل مجرم وتحقيق الردع، كان الأمن متحققًا.
وهذا، بدون مبالغة، هو ما يحدث الآن في مصر. فوزارة الداخلية لا تتحدث كثيرًا، ولا تطلق أرقامًا، والوزير ليس من محبي الكلام، فهو رجل يعمل في صمت إيمانًا بقاعدة أن العمل هو أفضل من يتحدث عن صاحبه. ووزارة الداخلية تفعل على أرض الواقع ما يجعل الجميع يتحدثون نيابة عنها ويترجمون حالة الأمن الموجودة في الشارع.
بالتأكيد، الأمن ليس معناه صفر جرائم، فهذا لا يحدث في أرقى دول العالم وأكثرها تطورًا في الأداء الأمني. وإنما الطبيعي أن تقع جرائم وتطارد أجهزة الأمن مرتكبيها، وكلما توفرت الاحترافية والكفاءة وسرعة البديهة، كان كشف الحقيقة والوصول إلى الجناة سريعًا.

وزارة الداخلية تتمتع بخبرات عالية، ولديها أصحاب كفاءة وقوة واحترافية وتضحية ورقي. الوقت عندهم يُحسب بجزء من الثانية، والتفاعل لحظي، والبحث المعلوماتي دقيق. يمتلكون الآن أحدث الإمكانات التقنية في العالم. ولذلك، نجحوا دون ضجيج الشعارات ومزايدات البيانات في فرض الأمن وجعله حالة مجتمعية عامة لا تحتاج إلى دليل.
بالطبع، هذه الحالة ليست مرتبطة بما يحدث مؤخرًا بشأن الفيديوهات التي تنشر على “السوشيال ميديا” لبعض حالات الخروج على القانون وتتمكن الشرطة في ساعات معدودة من القبض على مرتكبيها. ولو اختصرنا جهد الشرطة المصرية في هذا فقط، لكان ظلمًا كبيرًا لمؤسسة وطنية تؤدي دورًا رئيسيًا في استقرار وأمان الدولة. وعلى مدى 12 عامًا فقط، قدمت مع القوات المسلحة تضحيات غير مسبوقة في سبيل حماية الوطن من مخططات الفوضى، ومواجهة خطر الإرهاب، الذي قدمت مصر نموذجًا في القضاء عليه وما زالت تواجهه بكل قوة بفضل تضحيات وإصرار أبنائها من الجيش والشرطة. وآخر النجاحات كانت الضربة القاصمة التي وجهها صقور الأمن الوطني مع باقي أجهزة الداخلية للجماعة الإرهابية، وتصفية اثنين من أخطر عناصر حركة حسم المسلحة، وإجهاض مخطط إرهابي تخريبي كان هدفه إعادة النشاط الإرهابي ونشر الفوضى.
هذه الضربة نجاح كبير يؤكد كفاءة الشرطة ويعكس إرادة واضحة في القضاء على الإرهاب وعدم التهاون معه واليقظة الدائمة للتصدي له. لكن الأهم أنه رغم هذا التحدي الذي تواجهه الداخلية، لم تنس الأمن الجنائي بكل فروعه، فحقت فيه طفرة كبيرة وفرضت حالة من الأمن المجتمعي في كل ربوع الوطن. ليس هناك تهاون مع جريمة أو ظاهرة، وليس هناك تباطؤ في تعقب مجرم أو مخالف للقانون، وليس هناك تفرقة بين بلاغ وآخر أو تمييز بين حالة وأخرى. أقسام الشرطة تفتح أبوابها لكل صاحب حق، ولهذا وجد الجميع أداءً أمنيًا فيه تنفيذ موضوعي للقانون واحترام للمواطن وحسم مع التجاوز، وفي الوقت نفسه فيه احترافية وكفاءة تتمثل في تحقيق الأمن في هدوء، بحيث يلمسه الجميع، مصريون وأجانب، دون أن يشعروا بتضييق أو إجراءات استثنائية.
جزء من الأداء الأمني الراقي أيضًا هو النجاحات التي تتحقق في مواجهة مافيا المخدرات وتجار الموت، والضربات اليومية لتلك العصابات التي تستهدف شباب مصر. وأغلبها عصابات عابرة للحدود، ليست مجرد بؤر اتجار في المخدرات، وإنما تنظيمات موجهة لإغراق مصر والمنطقة بكميات مدمرة من كل أنواع المخدرات. لكن يقظة ومهارة الجهاز الأمني والتنسيق الكامل مع كافة جهات الدولة لمواجهة هذه الجريمة، وحماية شباب مصر من خطرها. فالكميات التي يتم ضبطها من هذه السموم لو وصلت إلى الشباب لكانت النتائج كارثية.
الأمن الاقتصادي أيضًا ملف مهم حققت فيه الشرطة طفرة كبيرة صنعت حالة من الاطمئنان لدى كل المستثمرين الذين يرون وضعًا ومناخًا مشجعًا على مزيد من الاستثمار في بلد مستقر، وحجم الاستثمارات القادمة يؤكد ذلك. ونفس الأمر بالنسبة لشركات السياحة العالمية التي تجد في مصر الآن مقصدًا سياحيًا آمنًا وجاذبًا.
وفي الأسواق، جهود الشرطة لا تُنكر، سواء في مواجهة مافيا الاحتكار أو تجار السلع الفاسدة أو غير ذلك من جرائم السوق المختلفة.
ويبقى ملف حقوق الإنسان مضيئًا في أداء الشرطة، لعدة أسباب؛ أولها أنه أحرق ورقة الابتزاز والتشويه التي كانت تستخدمها المنظمات المشبوهة ضد الدولة المصرية. وثانيها أنه قدم الشرطة في الصورة التي تستحقها وتناسب تاريخها ووطنيتها وتضحياتها، فالشرطة ليست كما كان يصورها المتربصون بمصر كذبًا بأنها ضد المواطن، بل هي مؤسسة وطنية تعمل بتفانٍ من أجل تحقيق الأمن.
وثالثها أنه وضع حدًا فاصلًا وواضحًا بين الشرطة كمؤسسة تؤدي دورها وواجبها لصالح أمان المصريين، وبين تجاوزات فردية لا يمكن أن تسيء لهذه المؤسسة العريقة، بل إنها لا تتردد في تطهير نفسها منهم سريعًا احترامًا للقانون وحفاظًا على سمعتها.
الخلاصة أننا أمام مؤسسة وطنية تدرك دورها جيدًا، وأبناؤها يؤدون واجبهم بإخلاص وفقًا لمنظومة واضحة وفلسفة ثابتة قوامها أمن الوطن وكرامة المواطن واحترامه، والحفاظ على حقوقه.
مثلما لا ننكر هذا النجاح والتطور الذي شهدته الشرطة المصرية بفضل جهد أبنائها وقيادتها المتمثلة في وزراء يدركون رسالتهم جيدًا، وفي مقدمتهم اللواء محمود توفيق، رجل الأمن الذي يمتلك عبقرية الإنجاز في صمت، فإننا أيضًا لا يمكن أن ننكر أن هذا التطور ما كان ليتحقق لولا الدعم غير المحدود من القيادة السياسية التي وفرت للداخلية كل الإمكانات لتساعدها في أداء دورها بأعلى كفاءة وجاهزية وأرقى مستوى يسبق أداء الأجهزة الشرطية في دول كبرى.
وكذلك المواطن الذي حصّنه الوعي ولم يعد ينساق وراء شائعات كاذبة تستهدف الداخلية، بل يرفض هذا ويصر على أن يساند الشرطة ويدعم رجالها إيمانًا بأنهم يعملون من أجله ومن أجل أمانه تنفيذًا لقول الله تعالى: «وَآمَنَهُـمْ مِـنْ خَـوْفٍ». فالبلد الذي وهبه الله جيشًا وطنيًا وشرطة باسلة ورجالًا لا يبخلون بتضحياتهم لا يمكن أن يخاف.