فى الماضى ومنذ عدة عقود قريبة، كانت قواعد الطقس الجغرافية ثابتة بلا تغير، شمال الكرة الأرضية معروف بالبرودة، ووسطها عند خط الاستواء حار طوال العام تقريبا، وتتعاقب الفصول الأربعة بأجوائها المعتادة-حينئذ- من حرارة الصيف إلى برودة الشتاء واعتدال الربيع ورياح الخريف وسقوط أوراق الشجر، وكانت قاعدة طقس مصر التى حفظتها أجيالنا كلها عن ظهر قلب بسبب جرسها الموسيقى ووقعها على الأذن، «حار جاف صيفا دفىء ممطر شتاء»، لكن كل ذلك تغير وانقلبت الأحوال فى كل مكان فى العالم.
بدءا من ثقب الأوزون، مرورا بالاحترار العالمى، إلى الاحتباس الحرارى، والتلوث الناتج عن الوقود الأحفورى وزيادة غازات الدفيئة، فحلت هذه المصطلحات الجديدة فى التعامل مع طقس كوكبنا، ولعدم ثباته، وتغيره باستمرار وبشكل غريب، أصبح العلماء يطلقون عليه «الطقس المتطرف»، حيث يشهد العالم ارتفاعاً سريعاً وغير مسبوق فى درجات الحرارة نتيجة الأنشطة المختلفة والتغيرات المناخية، فتجنى البشرية حصاد ما قدمته أيديها من تدمير ممنهج للبيئة، بما يؤثر على الصحة والزراعة والغذاء والسلامة والعمل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن ارتفاع درجة الحرارة سيشتد كل عام وتستمر حرارة الأرض فى الارتفاع حتى منتصف القرن الحالى على الأقل، وهو ما يعد التحدى الأكبر للبشرية، وتعد التغيرات المناخية الآن من أخطر المشكلات والتحديات العاجلة، والخطورة مستمرة لعقود قادمة حتى لو توقفت مسبباتها، بينما يكتفى العالم بالكلام فى المؤتمرات، التى لا تكفى لانقاذ الكرة الأرضية من المصير الذى يهددها.
وتتمحور مشكلة التغيرات المناخية فى الأساس حول الاحترار العالمى وزيادة معدلات درجة الحرارة منذ الثورة الصناعية، حيث تطورت الأنشطة وتضخمت بشكل كبير، والاحترار لا يعنى فقط زيادة معدلات درجة الحرارة بل يتضمن أيضا مؤشرات خطيرة أخرى أهمها التطرف الحرارى وموجات الحر والتى تتعرض لها الأقاليم المختلفة فأصبحت الحرارة مرتفعة بشكل قياسى غير معتاد وأكثر شدة.
وتؤكد اللجنة الدولية للتغيرات المناخية أن التأثيرات تتزايد مع انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، ومع ارتفاع درجات الحرارة قد يصبح العديد من المناطق غير صالح للحياة؛ ويؤدى تغير أنماط الطقس، وخاصة الأحداث الجوية الأكثر تطرفا من تغير أنماط هطول الأمطار، وزيادة أو نقصان مستوياتها إلى زيادة الفيضانات وفترات الجفاف، وارتفاع مستوى سطح البحر الذى يؤدى إلى ملوحة نسبة كبيرة جدًا من الحقول وجعلها غير صالحة للزراعة.
وتدق الهيئة الحكومية الدولية بالأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ أجراس الإنذار، وترفع الكارت الأحمر من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى الناتجة عن احتراق الوقود الأحفورى وإزالة الغابات وتعرض مليارات البشر لخطر داهم، فالعالم أصبح فى خطر مع ما يتوقعه الخبراء من ازدياد التغيرات المناخية، وتقلب المواسم بين البرودة الشديدة والحراراة الأشد، وموجات الجفاف والرياح والمزيد من الأمطار الغزيرة والفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل السواحل، فما كان يحدث كل 100 عام أصبح يحدث كل عام.
وتتسبب سلسلة الظواهر المناخية المتطرفة من الفيضانات المدمرة والأعاصير، والعواصف، والجفاف فى المجاعات، وتوقع خبراء أن ينخفض النمو الاقتصادى العالمى بنسبة 50 ٪ بين العامين 2070 و2090 بسبب الصدمات الكارثية الناجمة عن تغير المناخ ما لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لإزالة الكربون واستعادة الطبيعة.
وقد كشفت التغيرات المناخية، عن أزمة جديدة، وهى هجرة ملايين البشر من مواطنهم، وأصبحت الهجرة المناخية واقعا يتطلب الاهتمام والتحرك الفورى، ويحذر العلماء من أن ظاهرة الاحتباس الحرارى أصبحت خارجة عن السيطرة، ما يدفع الأرض بعيدا عن المسار الصحيح، ويثير المخاوف بشأن مستقبل الكوكب، فى غياب الإجراءات الفورية والجذرية.
ويواجه مليارات البشر الآن الواقع القاسى لتغير المناخ، ولا شك ان الأنشطة البشرية كانت وراء اضطراب النظام المناخى، وها نحن نرى ونعيش هذه الأحداث، فأصبحنا نواجه الأمطار الغزيرة فى قلب الصيف، والجفاف فى الشتاء، والتصحر، وارتفاع درجة الحرارة، حتى أصبح الجو «نار ليل ونهار».!
