في عالم يزداد فيه الاعتماد على الأنظمة الرقمية تعقيدًا وتشابكًا، لم تعد الحروب تقتصر على الأسلحة التقليدية، وأصبح الأمن السيبراني من أعقد التحديات التي تواجه الأفراد والمؤسسات والدول على حد سواء، ضمن هذا المشهد المتغير، يبرز “الاختراق الأخلاقي” كخط دفاع ذكي وواقعي.. فبدلاً من مجرد منع الهجمات، يقوم الاختراق الأخلاقي بمحاكاة الهجمات بدقة بهدف الكشف عن الثغرات ونقاط الضعف قبل أن يتمكن المهاجمون الخبيثون من استغلالها.
قد يبدو “الاختراق الأخلاقي” مصطلحًا متناقضًا، لكنه في الواقع أداة حيوية في الأمن السيبراني للمؤسسات. يُعرف المخترق الأخلاقي (الهاكر الصالح)، أو ما يطلق عليه أيضا “أصحاب القبعة البيضاء”، بأنه محترف أمني تُوكل إليه مهمة محاكاة أساليب القراصنة الخبيثين، بهدف اكتشاف الثغرات في أنظمة المؤسسات الدفاعية، وعند العثور على تلك الثغرات، يمنح المؤسسة فرصة لمعالجتها قبل أن يستغلها مجرم إلكتروني حقيقي.
ومع صعود الذكاء الاصطناعي، شهد هذا النوع من الاختراق تطورًا ملحوظًا، حيث أصبح المخترقون الأخلاقيون يستخدمون الأدوات والتقنيات نفسها التي يعتمدها القراصنة الخبيثون، ولكن لغرض نبيل: حماية البيانات، وكشف نقاط الضعف، وبناء أنظمة رقمية أكثر أمانًا ومرونة.
وفي ظل تزايد الهجمات السيبرانية عالميا، يتزايد الاعتماد على هؤلاء المتخصصين، إذ تلجأ إليهم كبرى شركات التكنولوجيا، مثل “جوجل”، التي يمتلك فريقها المعروف باسم “الفريق الأحمر” مهمة محاكاة الهجمات الإلكترونية، واختبار فعالية الدفاعات، وتطوير حلول واقعية بناء على نتائج هذه المحاكاة.
ولا تقتصر هذه الهجمات على أفراد أو شركات، بل تنفذها جهات معقدة، من عصابات برامج الفدية إلى كيانات مدعومة من دول، تستخدم تقنيات متطورة لاختراق الأنظمة وسرقة البيانات أو زرع البرمجيات الخبيثة، محدثة أضرارا جسيمة مادية أو معنوية (من حيث السمعة).
في المقابل، يتسلّح المخترقون الأخلاقيّون بالمعرفة ذاتها، لكن بنوايا معاكسة. فبفضل قدراتهم على تقمص عقلية المهاجم، يستطيعون اكتشاف نقاط الضعف التي لا تكتشف عبر الفحوص التقليدية، مما يجعلهم عنصرا محوريا في أي استراتيجية أمنية متقدمة، ومن خلال محاكاة التهديدات الواقعية، يتمكن المخترقون الأخلاقيّون من كشف الثغرات والمساهمة في تطوير إجراءات وقائية تمنع الكوارث.
باختصار، في عام 2025، لا يمكن ضمان أمن المعلومات، أو حماية البنية التحتية، أو تعزيز الثقة الرقمية دون وجود اختراق أخلاقي متقدم وفعال.