الوحدة شرط للبقاء
إما أن نتوحد أو نستبدل
منذ فجر التاريخ، والمنطقة العربية تشكل قلبًا نابضًا للحضارات الإنسانية، ومسرحًا للتفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى بين الشرق والغرب.. لكنها فى العقود الأخيرة أصبحت أيضًا ساحة مستباحة للصراعات، ومرمى سهلًا لمشاريع التقسيم والتهجير والتفتيت، التى تُحاك بخيوط دقيقة من الخارج، وتنفذ بأيدٍ داخلية دون إدراك لخطورة ما يحدث.
اليوم، لا نملك ترف الاختلاف ولا رفاهية التأجيل.. المصير العربى المشترك لم يعد مجرد شعار يُرفع فى القمم أو خطبة تُلقى فى المؤتمرات، بل هو واقع تفرضه التحديات على الأرض.. إما أن نتوحد ونتكاتف ونتكامل، أو نترك المجال مفتوحًا لمن يريد تفكيك هذه الأمة وتحويلها إلى دويلات عاجزة ومتصارعة.
لم تعد المؤامرات تدار خلف الستار،من سايكس بيكو فى القرن الماضى إلى خرائط «الشرق الأوسط الجديد» فى الألفية الجديدة، والهدف واحد: تقسيم ما تبقى من وحدة، وإشغال الشعوب فى صراعات طائفية وعرقية تستهلك طاقاتها وتبدد ثرواتها.
ما نشهده من تهجير قسرى فى فلسطين وسوريا والعراق واليمن، ومن محاولات مستمرة لزرع الفتن الطائفية والعرقية فى مجتمعات متماسكة بطبعها، ليس سوى فصول متكررة من مخطط كبير يُراد به أن يفقد العرب إحساسهم بهويتهم، وأن يفقدوا ثقتهم فى بعضهم البعض.
أين الدور العربي؟
الرد الحقيقى لا يكون فقط بإصدار بيانات شجب وإدانة.. الرد يبدأ من الإيمان العميق بأن مصيرنا مشترك بالفعل، وأن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ.. لا يمكن لأى دولة عربية أن تشعر بالأمان إذا كانت جارتها تحترق، ولا يمكن لأى نهضة أن تكتمل بينما النزيف مستمر فى أطراف الأمة.
المطلوب الآن هو تجاوز الحسابات الضيقة، والانطلاق نحو مشروع عربى شامل يقوم على أسس التكامل السياسى والاقتصادى والثقافى والإعلامى.. فكما أن التحديات عابرة للحدود، يجب أن تكون المواجهة عربية موحّدة، بعقلية استراتيجية ورؤية بعيدة المدى.
وهنا يأتى دورنا كإعلاميين.. لسنا على هامش الأحداث، بل نحن فى صُلبها.. الإعلام العربى لا بد أن يتحول من وسيلة استهلاكية إلى أداة نهضوية، من الترفيه الفارغ إلى التوعية البناءة.. لدينا القدرة على صناعة الوعى، على كشف الحقائق، على فضح المخططات، وعلى ترسيخ فكرة المصير المشترك فى عقول الأجيال الجديدة.
الإعلام، إذا أُحسن توظيفه، قادر على أن يكون جسرا للتقريب لا للفرقة، وسلاحًا للمقاومة لا أداة للتطبيع.. نحتاج لإعلام يزرع الأمل بالوحدة، لا الإحباط من الواقع، يحيى الإحساس بالعروبة، لا يطمسه تحت مسميات ضيقة.
ومن وجهة نظرى، رغم كل شىء، لا يزال الأمل قائمًا.. هناك قوى واعية فى كل قطر عربى، وهناك نماذج مضيئة تثبت أن ما يجمعنا أكبر مما يفرقنا.. القضية الفلسطينية، مثلًا، رغم محاولات طمسها، ما زالت حاضرة فى الضمير العربى، والمواقف الشعبية العربية من العدوان الإسرائيلى تكشف أن جذوة الوحدة لم تنطفئ بعد.
علينا أن نبنى على هذا الوعى، وأن نرسخه فى المؤسسات والمناهج والمجتمعات، لا أن نتركه رهينة لردود الفعل المؤقتة.
الوطن العربى ليس مجرد مساحة جغرافية،هو وحدة حضارية، تاريخية، وإنسانية، تتعرض اليوم لاختبارات وجودية.. والاستحقاق اليوم ليس فقط أن نحافظ على ما تبقى، بل أن ننهض من جديد.
الوحدة لم تعد أمنية رومانسية، بل شرط للبقاء.
إما أن نتوحد.. أو نُستبدل.