لقد ارتبطت مصر بالقضية الفلسطينية ارتباطًا عضويًا، ليس فقط بحكم الجغرافيا والتاريخ المشترك، بل بحكم الروابط الحضارية والثقافية التى تتجاوز حدود الدول وتوحد مصائر الشعوب. لم تكن القضية الفلسطينية يومًا مجرد ملف دبلوماسى على طاولة المفاوضات بالنسبة لمصر، بل كانت وما زالت قضية وجودية وجزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى المصري، وضميرًا حيًا ينبض فى وجدان كل مصري. منذ فجر الصراع العربى الإسرائيلي، تبنت مصر القضية الفلسطينية كقضيتها الأولي، وقدمت فى سبيلها التضحيات الجسام على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والدبلوماسية والإنسانية. تجسد هذا الالتزام فى مشاركة مصر الفاعلة فى الحروب العربية الإسرائيلية، دفاعًا عن حقوق الشعب الفلسطينى وأرضه، وتحملت فى سبيل ذلك عبئًا ثقيلًا من الخسائر البشرية والاقتصادية، إيمانًا منها بأن تحرير فلسطين هو مفتاح الاستقرار والسلام فى المنطقة برمتها.
لم يقتصر دور مصر على أى دعم، بل امتد ليشمل الدعم السياسى والدبلوماسى الثابت والقوى للقضية الفلسطينية فى كافة المحافل الدولية. فمنذ تأسيس جامعة الدول العربية، كانت مصر الرائدة فى تبنى القرارات الداعمة للحقوق الفلسطينية، والداعية إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. وقد سخرت مصر إمكانياتها الدبلوماسية الهائلة للدفاع عن القضية الفلسطينية فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخري، رافضة أى محاولات لتصفية القضية أو الانتقاص من حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة. كما لعبت مصر دورًا محوريًا فى الوساطة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، سعيًا لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، إيمانًا منها بأن الوحدة هى السبيل الوحيد لمواجهة التحديات وتحقيق الأهداف الوطنية. لقد استضافت مصر العديد من جولات الحوار بين الفصائل، وقدمت الرعاية والدعم اللازم لتحقيق المصالحة، حرصًا منها على تماسك الجبهة الفلسطينية الداخلية.
وعلى الصعيد الإنساني، لم تتوان مصر عن تقديم الدعم الإغاثى والطبى لأبناء الشعب الفلسطيني، خاصة فى قطاع غزة الذى يواجه ظروفًا إنسانية صعبة جراء الحصار المتواصل. فمنذ عقود، ظل معبر رفح البرى شريان الحياة الرئيسى لغزة، لم تغلقه مصر فى وجه المساعدات الإنسانية أو الحالات المرضية الحرجة، بل سارعت لفتحه وتسهيل عبور القوافل الإغاثية والأطباء والمتطوعين، فى أوقات الأزمات والحروب. كما استقبلت المستشفيات المصرية آلاف الجرحى والمصابين الفلسطينيين لتلقى العلاج، وقدمت لهم الرعاية الكاملة، مما يؤكد عمق التزام مصر الإنسانى تجاه القضية. هذا الدعم لم يقتصر على المساعدات المادية، بل شمل الجانب التعليمى والثقافي، حيث استقبلت الجامعات المصرية آلاف الطلاب الفلسطينيين، وقدمت لهم المنح الدراسية والتسهيلات اللازمة لاستكمال تعليمهم، إيمانًا بأهمية بناء الأجيال القادمة القادرة على قيادة مسيرة النضال الفلسطيني.
وفى العقود الأخيرة، واصلت مصر دورها كحامية للقضية الفلسطينية فى ظل المتغيرات الإقليمية والدولية المعقدة. فقد ظلت مصر صوتًا قويًا ومدافعًا صريحًا عن حقوق الشعب الفلسطينى فى وجه محاولات التطبيع التى تتجاهل جوهر الصراع وتتجاوز حقوق الفلسطينيين. وقد أكدت القيادة المصرية متمثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى مرارًا على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل، وأن أى حلول أحادية الجانب لن تؤدى إلا إلى تفاقم الأوضاع وزعزعة الاستقرار فى المنطقة. كما تواصل مصر جهودها الحثيثة فى وقف التصعيد والعدوان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية، وساهمت بفاعلية فى التوصل إلى العديد من اتفاقيات وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين الفلسطينيين. وفى كل أزمة، كانت القاهرة هى الملاذ الأول الذى يتجه إليه الأشقاء الفلسطينيون، والثقة فى قدرتها على احتواء الموقف وتخفيف المعاناة. إن دور مصر كحامية للقضية الفلسطينية ليس مجرد شعارات أو مواقف دبلوماسية، بل هو تاريخ طويل من التضحيات والالتزام الصادق والثابت. لقد ظلت مصر ولا تزال القلب النابض للقضية الفلسطينية، والملاذ الآمن لأبنائها، والصوت المدافع عن حقوقهم المشروعة فى كافة المحافل. ورغم كل التحديات فإن القضية الفلسطينية ستظل فى صدارة أولويات السياسة الخارجية المصرية، حتى ينال الشعب الفلسطينى حقوقه كاملة ويقيم دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.