> مع تطور الاحداث وتداعيات الحرب الايرانية الاسرائيلية ودك الصواريخ الايرانية لاغلب المدن الاسرائيلية بما فيها مدينة بئر سبع التى تبعد 30 كم فقط عن مفاعل ديمونة وفى أجواء حرب الابادة الاسرائيلية فى فلسطين وإستمرارية حرب الذبح فى غزة المستمرة من 2023 وحتى اليوم هاهى (النكبة الثالثة) تقع وهاهو المخطط الاسرائيلى الامريكى ينفذ وسط صمت وتواطئ إقليمى وعالمى وكأن فعل (الابادة) لقرابة ربع مليون فلسطينى أمر طبيعي! فى هذه الاجواء نتذكر (النكبة الاولى 1948) بحقائقها وأحداثها والتى لم يسجلها التاريخ فحسب بل سجلتها أقلام الرواة وبخاصة العالمين وهاهى رواية (الطريق الى بئر سبع) للروائية الإنجليزية إيثيل مانين وبترجمة د. نظمى لوقا، طبعة عام 1967 صادرة عن سلسلة روايات عالمية، دار الكاتب العربى للطباعة والنشر- بالقاهرة، تورد لنا أسرارا وحقائق مرة عن تلك النكبة وكأنها تتكرر أمام أعيننا ثانية عام 2025 ولقد سبق الاسبوع الماضى وقدمنا جزءا مما تقوله الروائية العالمية فى مقدمة روايتها الفذة وهاهى اليوم تستكمل.
>> تقول المؤلفة فى موضع آخر من المقدمة السياسية لروايتها: وفى 29 نوفمبر سنة 1947 قامت الجمعية العمومية بمنظمة الأمم المتحدة المنعقدة فى واشنطن بإقرار تقسيم فلسطين، بأغلبية 33 صوتاً ضد 13 وامتناع 10 عن التصويت وكانت بريطانيا من الدول الممتنعة عن التصويت، ونجد فى مذكرة ترومان كلاماً عن الضغط الصهيونى وعن «التكتيك» الذى استخدم للحصول على هذه الأغلبية الساحقة، إذ كتب يقول: «لم تكن ثمة حركات للضغط على الولايات المتحدة لم يسبق لها مثيل من قبل فحسب، بل إن البيت الأبيض أيضاً كان هدفاً لنيران متصلة من الضغط، فلست أعتقد أن البيت الأبيض تعرض لقدر من الضغط والدعاية كالذى تعرض له فى هذه المناسبة، وقد أزعجنى وضايقنى إلحاح بضعة من زعماء الصهيونية المتطرفين، مدفوعين بعوامل سياسية ومستخدمين تهديدات سياسية، بل إن بعضهم قد وصل به الأمر إلى أن اقترح علينا الضغط على الدول الكبرى كى تصوت فى صالحهم عند انعقاد الجمعية العامة».
وكذلك صرح «روبرت لوفيت» نائب وزير الخارجية بأنه لم يتعرض فى حياته إطلاقاً لكل ذلك الضغط الذى وجه إليه أثناء المراحل النهائية للتصويت.
ثم تذهب المؤلفة إلى القول: وخطة التقسيم التى أقرتها منظمة الأمم المتحدة أعطت 60 ٪ من فلسطين ـ بما فى ذلك أخصب المناطق ـ لثلث السكان وهم اليهود، أما المليون فلسطينى وهم كل سكانها تقريباً فقد انتزعوا من مواطنهم وجردوا من أملاكهم خلال الحرب التى نشبت بين العرب واليهود على إثر ذلك القرار، وكل ما تبقى من أرض فلسطين العربية على الضفة الغربية لنهر الأردن ضم إلى شرق الأردن على الضفة الشرقية من ذلك النهر.
وبذلك قامت المملكة الهاشمية الأردنية، والشريط الضيق المتاخم لسواحل البحر الأبيض والبالغ طوله 25 ميلاً وعرضه 5 أميال، (وهو كل ما تبقى من ولاية غزة، إحدى ولايات فلسطين الحرة)، قامت مصر بإدارته، وقد منح الرئيس ناصر فى سنة 1962 تلك المنطقة دستوراً للحكم، ولا تزيد هذه المنطقة على أن تكون معسكراً فسيحاً للاجئين.
ومن بين المليون من الفلسطينيين على وجه التقريب الذين فروا من بلادهم نتيجة للإرهاب الإسرائيلى الذى من أمثلته مذبحة (دير ياسين) فى أبريل سنة 1948 ـ أو الذين طردوا من بيوتهم ـ (الأمر الذى ينكره الصهيونيون رغم الأدلة الدامغة) ـ من هؤلاء المليون يعيش أكثر من نصف مليون فى أسوأ حال بتلك المعسكرات التى تمدها الأمم المتحدة بالمعونة منذ أواخر سنة 1949 ، أما الباقون فقد استوعبتهم بلاد مضيافة، ولكن هؤلاء وهؤلاء جميعاً يطالبون باستعادة وطنهم لإعادة إسكانهم، وما من واحد منهم، سواء فى المعسكرات أو فى خارجها، تلقى «بنساً» واحداً على سبيل التعويض عن بيوتهم وأراضيهم وأموالهم التى استولى عليها الإسرائيليون!.
وفى كل عام تعيد الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة تأكيداتها لحقوق عرب فلسطين اللاجئين فى العودة إلى بلادهم، أو فى التعويض الكامل إذا لم يرغب أحد منهم فى العودة إلى حيث سيكون مواطناً من الدرجة الثانية فى دولة يهودية، ولكن هذه القرارات لا توضع قط موضع التنفيذ (ويلاحظ القارئ الكريم أن هذا القول صدر من المؤلفة فى ستينات القرن الماضى ولا يزال يصدق على واقعنا اليوم (2025) ولنتأمل أحدث فصوله؛ ما يجرى فى غزة اليوم من مجازر أمام أعين العالم المتحضر !، ثم تعود المؤلفة لتقول: بل إن جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها ـ وفقاً للمؤلفة ـ أعلنت على النقيض من ذلك بصورة قاطعة أن «سياستنا لم تتغير، فنحن لن نقبل لاجئاً واحداً»..وتقول المؤلفة بألم وحسرة: ولقد قسمت بلاد أخرى ولكنها بقيت بعد التقسيم محتفظة بكيانها ولها وجودها ومسمياتها على الخرائط ويسكنها أهاليها، أما فلسطين فقد انقطع وجودها من حيث هى اسم ومن حيث هى بلد، وانقطع كذلك وجود الفلسطينيين من حيث هم أمة.
> إنه عصر التشتت الفلسطينى .. هكذا ختمت الكاتبة والروائية الإنجليزية المبدعة/ ايثيل مانين، المقدمة السياسية لروايتها الرائعة «الطريق إلى بئر سبع» وهو اسم بليغ لعمل روائى بديع، حاول البعض فى أيامنا هذه أن يستخدمه ويضعه عنواناً لأعمال درامية دون مجرد الإشارة لصاحبة الرواية وللرؤية الأصلية التى حملت هذا الاسم ذو الدلالة، وفى ظنى أن هذه الرواية بأحداثها المتلاحقة والمؤثرة، تحتاج إلى إعادة طبع ونشر على نطاق واسع، وإلى تناول درامى جديد من قِبل مخرجين ومنتجين دراما أصحاب رسالة وليسوا تجاراً كما هو حال أغلبهم فى عالمنا العربى اليوم، وأحسب أن وقائع الرواية وأحداثها المركبة، وشديدة الإنسانية ستقدم (قماشة) فنية شديدة الثراء لمن يريد من رجال الإبداع والفن المحترم.
> تحية إلى الكاتبة (التى أظنها قد رحلت عن دنيانا) ولمترجم الرواية وتحية إلى هذا الشعب الفلسطينى المعلم فى شتاته وجهاده، والى أهل غزة فى حربهم الضروس التى زادت على العشرين شهرا وقد تصل الى عامين منذ 2023 (وأكثر من 13 الف مجزرة !) وحتما سيصل هذا الشعب العنيد والصلب رغم هذه المعاناة الرهيبة.. إلى النصر بإذن الله وتلك سنن التاريخ التى لاتكذب!