بات واضحاً أن الاقتصاد العالمى يعانى من الهزات الارتدادية وحقول الألغام الاقتصادية التى فرضتها الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية لتترك إرثا ثقيلاً لصناع القرار وكان الاختيار إما البقاء فى حقول الألغام الاقتصادية أو الفرار منها إلى التنمية المستدامة وصناعات القيمة المضافة الحقيقية وبات هناك انفكاك لهذه الصناعة بفعل القيود الحمائية التجارية ومشكلات الصراع على الطاقة ومناطق النفوذ ومع السردية الفنية للملفات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى بعدما تحدثنا عن الذهب والتعدين تأخذنا السردية مرة أخرى لواحد من أهم الملفات الاقتصادية المصرية التى مزجت فيه مصر بين الواقع والمنطق والممكن فى تطور لافت ودعم محورى لتعزيز قدرة مصر على بناء اقتصاد تنافسى متوازن فى إطار التنمية المستدامة تلعب فيه صناعة البتروكيماويات دورا محوريا فى الوصول إلى استراتيجية متكاملة لخلق القيمة المضافة لندخل فصلاً جديداً من صناعة العصر.
تعد صناعة البتروكيماويات صناعة العصر فعلاً لأنها تقوم عليها العديد من الصناعات التحويلية والتكميلية الأخرى وينتج عنها صناعات هامة ومئات من المنتجات التى تكون نهائية أو مدخلا لصناعات وسيطة كما أنها تمثل الاستغلال الأمثل لاحتياطى مصر من الغاز الطبيعى وتحقيق قيمة مضافة تساهم فى دعم الاقتصاد القومى كما تتميز بالتنوع الكبير فى منتجاتها التى تحل مكان المنتجات الطبيعية مثال الخشب والحديد بالإضافة إلى المنتجات التى تستخدم فى الحياة اليومية ويمكن من خلال إقامة تلك المشروعات أن تكون هناك مشروعات صغيرة ومتوسطة تعتمد على المواد الخام التى تنتج من المواد البتروكيماوية لتصنيع العديد من المنتجات المستخدمة فى مختلف مناحى الحياة وكافة المجالات الصناعية مثال صناعة التعبئة والتغليف والصناعات المغذية للسيارات والتشييد وعدد من الصناعات التحويلية والتكميلية الأخرى كصناعة الصوب الزراعية والسجاد كما أنها تمثل كافة المنتجات البترولية والبتروكيماوية اعتماداً على النفط الخام أو الغاز الطبيعى وهى القاعدة الأساسية للصناعات الكيماوية العضوية الثقيلة والتى تتكون من عدة مركبات سنتحدث عنها تفصيلا.
كان السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى قد أصدر توجيهاته عام 2022 بإنشاء أكبر مجمع بافريقيا والشرق الأوسط للبولى إيثلين بمشاركة القطاع الخاص فى صعيد مصر يتكون من 6خطوط إنتاج أو مصانع رئيسية لإنتاج 1000منتج مختلف فى هذه الصناعة العصرية ضمن الاستراتيجية التى وضعتها الدولة المصرية لتحديث الخطة القومية لصناعة البتروكيماويات ليأتى هذا المشروع ضمن 11 مشروعًا جديدًا لإنتاج البتروكيماويات باستثمارات تصل إلى أكثر من 19 مليار دولار لتنفيذها خلال الفترة 2020/ 2035 فى إطار ماتم تنفيذه وما هو جار تنفيذه لدعم الصناعات التحويلية والتكميلية وجعلها ملائمة للتطورات العالمية ومتغيراتها على المستوى الدولى فى السنوات المقبلة.
وتسعى إستراتيجية ورؤية الدولة فى هذه الصناعة العصرية إلى: الاستمرار فى زيادة القيمة المضافة لأنشطة ومشروعات إنتاج البتروكيماويات فى مصر والمنتجات التى توفرها بهدف توفير احتياجات السوق المحلى من المنتجات الوسيطة والنهائية التى تعد مدخلات انتاج رئيسية لصناعات عديدة وتقليل ما يتم استيراده ورفع العبء عن كاهل الاحتياطى النقدى وفتح آفاق جديدة للتصدير الأمر الذى يسهم فى تحسين الميزان التجارى للدولة وتعزيز موارد النقد الأجنبى وكذلك تعزيز اتفاقيات التجارة الحرة خصوصا مع دول الكوميسا بالاضافة توفير حوالى 35 ٪ من مستلزمات مشروع حياة كريمة اعتماداً على المنتج المحلى وتوطين الصناعة الوطنية آخذين فى الاعتبار أن المواقع التى تم اختيارها لإقامة المشروعات تم اختيارها بناء على دراسة دقيقة يراعى فيها الاستفادة من كافة المقومات المتاحة بالقرب من مصادر التغذية والمشروبات والتسهيلات اللوجستية التى تم إقامتها بالمحافظات لتييسير حركة الشحن والتداول والتصدير للمنتجات بما يؤدى إلى تقليل التكاليف وتعظيم اقتصادات المشروعات دعما لتحقيق هدفها النهائى بزيادة القيمة المضافة.
لقد حققت الاكتشافات الغازية المتتالية خصوصاً بعد حقل ظهر العملاق وحتى بعد حالة التناقص فى إنتاج الغاز الطبيعى الحالى بفعل التوترات الجيوسياسية وارتفاع ضغط المخاطر وعوامل كثيرة أحاطت بملف الغاز المصرى إلا أننا نسعى لتحقيق الخطط المعتمدة والعودة مرة أخرى إلى مستويات قياسية جديدة بمناطق التصحيح فى هذا الملف.
وتعطى المؤشرات الاستثمارية لهذا القطاع أن حجم المنتجات من البتروكيماويات ستصل إلى أكثر 4.5 مليون طن سنوياً وبمعدلات ترتفع إلى تدريجيا حيث بلغ الإنتاج عام 20/ 21 إلى ما يقدر 4 ملايين طن نمو فى الإيرادات بنسبة أكثر من 50 ٪ على أساس سنوى لتبلغ نحو 6.7 مليار دولار وجعلها من أكثر العوامل فى الطفرة التى حققها إجمالى صادرات مصر خلال الفترة الماضية ولا شك أن هناك فرصاً استثمارية تتيحها هذه المشروعات من صناعة البتروكيماويات للقطاع الخاص لاستغلالها وتكوين شراكات تستفيد من السوق المحلية الكبيرة وظهير مصر الافريقى والإقليمى والطلب المتزايد على منتجات صناعة البتروكيماويات..
وقد قام السيد الرئيس فى العام 2020 فى شهر أكتوبر بافتتاح «مجمع مسطرد» العملاق أكبر مصفاة بترول فى مصر وأفريقيا والشرق الأوسط لإنتاج المنتجات البترولية وهو من أكبر المصافى تقدما على المستوى التكنولوجى فى مصر وأفريقيا بلغت قيمة الاستثمارات فى هذا المشروع 4.3 مليار دولار بطاقة إنتاجية تصل إلى 4.7 مليون طن سنوياً وهو يوفر أكثر من 15 ٪ من إجمالى احتياجات السوق المحلية وتوفير نصف ما تستورده مصر من منتجات الديزل وتوفير نصف استيراد مصر من السولار و وقود النفاثات وهو بذلك يوفر 2.9 مليار دولار قيمة 4.8 مليون طن وقود تقوم مصر باستيراد ها من الخارج فيما مضى .
وهذا المشروع مثال حى وواضح لنجاح الشراكة بين القطاع الخاص والعام وبدون المجهود الكبير الذى بذلته الدولة والمؤازرة الحكومية وتسهيلات التمويل ما كان من الممكن أن يرى المشروع النور والنجاح رؤية مصر نحو التحول إلى مركز إقليمى للطاقة.
إنشاء مجمع البحر الاحمر للبتروكيماويات المقام بمحور قناة السويس بالمنطقة الاقتصادية باستثمارات تصل إلى 7.5 مليار دولار بطاقة إنتاجية تصل إلى 2.2 مليون طن سنوياً من منتجات البتروكيماويات و650 ألف طن من المنتجات البترولية الأخرى وهو يتم بالشراكة مع شركة بكتل الأمريكية.
وكذلك مجمع العلمين العملاق للبتروكيماويات
باستثمارات تصل إلى أكثر من 8.5 مليار دولار لإنتاج مليون طن سنوياً من منتجات البتروكيماويات و850 ألف طن سنوياً من المنتجات البترولية الاخرى ويتم بشراكة إنجليزية وصينية للاستثمار فى إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة تعمل على ما ينتجه مجمع العلمين.
وهنا أيضاً مشروع انتاج المطاط الصناعى بمجمع ايثدكو بالإسكندرية مع خبرات إيطالية وتمويل البنوك المصرية باستثمارات تصل إلى 183 مليون دولار بطاقة إنتاجية تصل إلى 36 ألف طن سنوياً
مشروع الايثانول الحيوى بدمياط بطاقة إنتاجية تصل إلى 110 آلاف طن سنوياً يوريا فورمالدهيد والنفتالين فورمالدهيد للسفن والراتنجات المتخصصة والتى تدخل فى صناعة الأسمدة والمواد اللاصقة والخرسانة الجاهزة بتكلفة استثمارية تصل إلى 117 مليون طن.
مشروع انتاج الالواح الخشبية متوسطة الكثافة MDF بمحافظة البحيرة باستثمارات تصل إلى 217 مليون يورو لإنتاج 25 ألف متر مكعب ألواح خشبية بخبرة ألمانية وشراكة مصرية.
بجانب مشروع شركة السويس لإنتاج مشتقات الميثانول باستثمارات تصل إلى 119 مليون دولار ومشروع المصرية لإنتاج الايثانول الحيوى باستثمارات تصل إلى 112 مليون دولار كما وضعت الدولة المصرية فى إطار برنامج تحديث صناعة البتروكيماويات أيضا صناعة الصودا باستثمارات تصل إلى 420 مليون دولار ومشروع انتاج السيلكون المعدنى ومشتقاته ومشروع التيتانيوم داى أوكسيد باستثمارات تصل إلى 300 مليون دولار بالإضافة إلى مشروعات انتاج البلاستيك الحيوى القابل للتحلل بشركة سيديك إنتاج النافتا الخضراء ومشروع البوليمرات فائقة الامتصاص.
عندما نراجع منتجات مشروعات البتروكيماويات المصرية سنجد هنا تقدم عدة منتجات أهمها:
الايثلين ومشتقاته -البولى ڤنيل كلوريد والبروبلين ومشتقاته البيوتادين ومشتقاته البولى استر والعطريات الفورمالدهيد ومشتقاته والمنظفات الصناعية.
لقد اعتمدت خطة الدولة المصرية كأحد المرتكزات الاستراتيجية فى تنفيذ مشروعاتها التنموية للتحول إلى مركز إقليمى وعالمى لتداول الطاقة والوقود والبتروكيماويات لتتبوأ مصر مكانتها المرموقة والمميزة فى إنتاج العديد من المنتجات البترولية ومنتجات البتروكيماويات اعتمادا على الخبرات والامكانيات المتاحة وموقع مصر المتميز استمرارا لجهود الدولة ليس فقط فى سد احتياجات السوق المحلية وانما لتقليل تكاليف الاستيراد وتصدير الفائض مما يحقق العملة الأجنبية وتعزيز مكانة مصر الاقتصادية إقليميا ودوليا وتقوم الدولة أيضا بعمل مشروعات الخدمات اللوجستية بالإسكندرية وانشاء رصيف بحرى لاستغلال منصة البتروكيماويات لتداول المنتجات على مساحة 420 ألف متر مربع بتكلفة وصلت إلى 350 مليون دولار وكذلك مشروع جونة البترول بميناء الإسكندرية لتداول 18 منتجاً بترولياً بأحدث التقنيات العالمية الحديثة.
إن الجمهورية الجديدة عملت على تنمية واستغلال ما لديها من ثروات وموارد طبيعية وسعت للتحول من بلد يكافح لتدبير نفقات استيراد الغاز الطبيعى إلى بلد مصدر ولاعب أساسى مؤثر فى سوق الغاز العالمى ومكنت العوامل والثروات الطبيعية مصر من المضى قدما فى خطتها نحو التحول إلى مركز إقليمى للطاقة وبصفة خاصة صناعة العصر ألا وهى صناعة البتروكيماويات التى اولتها مصر اهتماماً خاصاً لأنها تشكل المستقبل فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من صناعات تكميلية مهمة تدفع عجلة الإنتاج وتحسن من وتيرة الاقتصاد المصرى محليا وخارجيا.
ونعود مرة أخرى لنتحدث عن نهضة الدول بتعافى اقتصادها وازدهار صناعات القيمة المضافة وتنوع الإنتاج المحلى والذى يشكل قوة للاقتصاد القومى لذلك كان هنا التشابك والارتباط بين طموح مصر للتنمية وصناعة البتروكيماويات التى تشكل واحدة من صناعات الطاقة المصرى والتى يتم التعويل عليها فى تحولنا لمركز اقليمى وعالمى فى المنطقة ومن هنا سوف نتحدث عن مكون هام وبسيط من مكونات البتروكيماويات وهو «مركب الصودا آش» وقد كانت خطوة هامة لمصر فى توطين هذه الصناعة والتى أهملت كثيراً إلى أن جاء الرئيس السيسى ليفتح الباب لصناعة القيمة المضافة ففى عام 2001 كانت الصودا آش ضمن قائمة المنتجات التى تصنعها شركة مصر لصناعة الكيماويات القابضة ومرت الشركة بظروف استثنائية لتكون بفعل الخصخصة فى 2008 فى يد شركة بلجيكية وسميت سولفاى بقيمة خصخصة قدرت وقتها بـ 760 مليون جنيه لتسمى شركة سولفاى الإسكندرية لكربونات الصوديوم وحدثت عملية البيع رغم تحقيق الشركة لايرادات ومع عملية تراجع إنتاج البلاد وقتها من الغاز والذى قاد فى 2014 إلى زيادة سعر الغاز للصناعات كثيفة الاستهلاك.
وهنا رأت المجموعة البلجيكية أن هذه الصناعة لم تعد مجدية وأن هناك تهالكاً للالات والمعدات وان الكفاءة التشغيلية قد قلت ولكن كان هناك تقرير فنى مهم تركته المجموعة البلجيكية أن المادة لا تعوض لانها المنتج الوحيد فى المنطقة وتتوفر المواد الخام بالقرب من مقر المصنع بالإسكندرية.
هنا قالت الدولة المصرية كلمتها فالرئيس يدرك أهمية صناعة القيمة المضافة وعادت الشركة إلى الدولة واستحوذت شركة سيدى كرير للبتروكيماويات والشركة القابضة للبتروكيماويات وشركة الايثيلين المصرية على أسهم سولفاى 100 ٪ وعادت الحياة لصناعة الصودا آش مجدداً بالإسكندرية.
وعندما تحدث السيد الرئيس فى الملتقى الدولى الاول للصناعة عام 2023 فى شهر أكتوبر بأنه تم الانتهاء من تصنيع الصودا آش التى تحدث عنها قبل 5 سنوات ومن هنا كانت شركة إيكم ودراسة الاحتياجات لتحقيق التنمية المستدامة ضمن مجمع العلمين على مساحة 185 فداناً وتسعى الدولة إلى وصول كمية الصودا آش الى حوالى من 500 ألف إلى مليون طن سنويا كى يصبح المشروع اقتصاديا فى إطار توجه الدولة إلى كيانات كبرى لصناعة العصر ومن هنا وضعت الدولة رؤيتها لمجمع العلمين للبتروكيماويات باستثمارات إجمالية تقدر بحوالى 10 مليارات دولار.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد بالمنطقة مصنع واحد لإنتاج الصودا آش الا فى مصر مما يعنى حاجة المنطقة إلى هذه المادة فى ظل توافر المادة الخام لتلك الصناعة وهى ملح الطعام والحجر الجيرى والسوق المصرى وحده يحتاج إلى نصف مليون طن سنويا والدول العربية تحتاج إلى مليون طن سنويا ويزداد الطلب بحوالى 3 % سنويا وتتقاسم كل من بلغاريا وتركيا الصدارة فى الاستيراد من مصر بجانب روسيا والصين وجمهورية البوسنة والهرسك ومن هنا توجد فجوة تسويقية بالعديد من دول العالم لهذه المادة فالامارات العربية والمملكة العربية السعودية تستورد رماد الصودا من أمريكا لان استعمالات المادة كثير منها صناعة الزجاج وإنتاج الورق ومتظم للحموضة وإزالة الالوان وصناعة الصابون والمنظفات واختبارات المعايرة الكيماوية معجون الاسنان وصناعة الطوب والنسيج وتصفية النفط الخام من الشوائب وإزالة الكبريت.
وقياسا على ماتقدم نقدم رؤيتنا فى هذا الملف الهام والاستراتيجى لصناعة القيمة المضافة وعلينا:
1- اعتبارها مشروعاً استراتيجياً .
وليـــس مشروعاً تجارياً كما يأكد على ذلك السيد الرئيس.
2 – تقديم مزيد من الحوافز لهذه الصناعة تحديداً.
3 – زيادة أطر البحث العلمى لسد الفجوة بين الاستيراد والتصدير.
4 – سرعة الاندماج فى كيانات كبرى لهذه الصناعة.
5 – تأهيل مزيد من الايدى العاملة ونقل الخبرات.
6 – دعوة القطاع الخاص سريعا لحل المعادلة فى ظل هروب الصناعات من أوروبا وأمامنا فرصة للاستفادة من الظروف الاستثنائية العالمية لرفع مستوى صناعة العصر ألا وهى صناعة البتروكيماويات فلنكمل المشوار بوجود البنية التحتية والمناطق اللوجستية فالقادم لا ينتظر أحد.
