بحق السماء.. ما كل هذا العبث الذى يرتع فى وادينا الطيب؟ كيف ترعرع فى وادينا الطيب هذا القدر من السفلة والأوغاد؟ كيف علا وارتفع صوت المرتزقة والمنافقين وأصحاب الهوى وخفت صوت أهل الحق؟ كيف نجح المرجفون والمذبذبون فى تعكير المزاج العام وخفض منسوب الرضا وتآكل جدران الثقة؟ بحق السماء.. كيف لشعب عريق صاحب حضارة ولديه جيش صاحب عقيدة ومؤسسات دستورية راسخة تحت قيادة رشيدة حكيمة تهتز ثقته فى نفسه؟ كيف يمكن لشرذمة قليلين ان يتحكموا فى مزاج الناس بأكاذيبهم المفضوحة تحت رايات سوداء؟ هناك حالة من الاستهداف الواضحة لمزاج المصريين تبدأ بنشر الشائعات وتعميقها وتوطينها، وتنتهى بفقدان الثقة فى أنفسهم، كيف نسلم عقولنا إلى الأوغاد؟ كيف نستمع ونتابع العابثين ولا نرد عليهم؟ هل وصل بنا الأمر إلى ان نخشى قولة حق؟ هل وصل بنا الحال إلى خوف أهل الحق من الدفاع عنه ببسالة وجسارة؟ المشهد واضح وبسيط، مجموعة أصحاب المصالح والذين يمثلون نهايات طرفية لآخرين يبتزّون كل من يدافع عن الدولة، يزايدون ويسخرون ويلمزون فى حب كل من يقف فى صف الدولة، لكن هيهات هيهات.
عندما يعانى أحدنا من حالة اضطراب مزاجى يظهر ذلك جليا فى سلوكه، فإذا سألته سيقول ببساطة «مزاجى مش رايق» وعندما تناقشه فى الأسباب التى أدت إلى «تعكير مزاجه» قد تجدها أسباباً منطقية ومعقولة أو أسباباً تافهة ومجنونة وهذا مفهوم.. لكن غير المفهوم ولا المستساغ ألا يكون هناك سبب لهذا «الاعتلال المزاجى» وكأن الشخص قرر أن يكشر ويستدعى كل المواقف السلبية فى حياته حتى يصل إلى هذه الحالة من الاضطراب! وحاصل جمع الحالات المزاجية هى حالة المزاج العام لأى أمة من الأمم فى وقت محدد والسؤال الذى طرحته من قبل وأعيد طرحه اليوم – عسى ان أجد له إجابة – من يدير المزاج العام فى مصر؟ سؤال يبدو بسيطا لكن الإجابة عنه ستكون شديدة التعقيد، أولاً لابد من تعريف منضبط لمفهوم «المزاج العام» وهناك العديد من التعريفات أبسطها «هو حالة نزوع جمعى نحو تصورات» ما سواء كانت سلبية أو إيجابية بفعل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية محيطة بمجتمع ما خلال فترة زمنية معينة بصرف النظر عن صحة أو خطأ هذه التصورات أو كونها مرضية أو غير مرضية «وهنا يجب التفرقة بين مفهومى «المزاج العام» و«الرأى العام» فالأول يعبر عن حالة عامة كما أوضحناها أعلاه، والثانى هو يعبر عن فكرة وحكم معين تجاه قضية محددة من قبل مجموعة من أفراد المجتمع، العالم بات مهموما بدراسات قياس المزاج العام للشعوب وذلك من أجل دراسة أسباب ومسببات الحالة المزاجية أياً كانت سلبية أو إيجابية للوصول إلى آليات التحكم فى هذه الحالة ومن ثم صناعة «المزاج العام»، ويعتبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى والشائعات من أهم أدوات صناعة هذه الحالة، وتبقى الأحوال الاقتصادية والظروف السياسية هى الموضوعات الأساسية التى يؤخذ منها سر هذه «الحالة المزاجية»، ومصر الآن وفى هذه الظروف العصيبة تتعرض لعاصفة من الأزمات خلقت حالة مزاجية سلبية تجاه المستقبل، ولا يمكن أن نقف فى حالة انكار لوجود ما يسمى القلق الجمعى والإحباط واليأس والصورة القاتمة تجاه الأوضاع الاقتصادية تحديدا، لذلك نحن فى حاجة ماسة وحتمية وضرورية وعاجلة لإعادة بناء وترميم «المزاج العام» ونفض غبار مشاعر القلق والإحباط واليأس من المشهد واستبدالها بمشاعر التحدى والعزيمة والتفاؤل لبناء جدران الأمل على أنقاض وسراديب الإحباط، لابد من وضع خطة واضحة ومفهومة وعملية لتغيير المزاج العام ليصبح معتدلا تجاه القضايا العامة، تبدأ هذه الخطة بوقف التصريحات غير المنضبطة للمسئولين الحكوميين على كل المستويات وقصرها على المتخصصين البارعين فى مخاطبة الرأى العام، ثم تبدأ الحكومة فى وضع خطط وتصورات الإصلاح وتوقيتاتها بشكل دقيق فى كل القطاعات خاصة الاقتصادية، وما يرتبط بحياة الناس اليومية، البدء فى مواجهة كل الشائعات الموجهة من خلال غزارة المعلومات الرسمية وسرعة تغذية وسائل الإعلام بمتطلبات البيانات والمعلومات والأخبار، فى نفس الوقت يجب ألا نغفل الاستمرار فى تقديم الإنجازات المحققة على الأرض فى صورة مغايرة للأرقام والإحصاءات واستبدالها بمسارات استفادة المواطن مما جرى وتحقق وهنا يجب ان تسارع الدراما فى صناعة ذلك الهدف، كما ان تقديم مقارنات مع الدول الشبيهة وأحوالها مطلوب توضيحها بشكل غير مستفز، الخلاصة أننا إزاء حالة مزاجية مضطربة وقلقة وتحتاج إلى قراءة وقياس وإعادة ضبط وتوجيه مع الوضع فى الاعتبار ان الإعلام المصرى بات قادرا على الاضطلاع بهذه المهام وتحقيق النجاح فيها بسهولة لكن لن يصنع الإعلام وحده الحالة المزاجية وعلى الآخرين التحرك وبسرعة فى هذا الاتجاه.