لا شك أن قطاع التعدين المصرى قد شهد طفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة بفضل الإصلاحات التشريعية التى سهلت جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، حيث شهد القطاع زيادة فى حجم الاستثمارات سواء من الشركات العالمية التى شاركت فى المزايدات التى طرحتها الدولة مؤخرًا أو من خلال التوسع فى المشروعات القائمة، وعلى الـ cnn الاقتصادية قرأت مؤخرا ملفاً عن الرمال السوداء والمعادن النادرة فى مصر والتى أصبحت فجأة من أهم ملفات الأمن القومى فى العالم، وهذه الرمال السوداء ليست مجرد رمل غامق اللون فقط بل هى كنز من المعادن النــادرة والاســتراتيجية وتحتوى على 41 عنصراً معدنياً يدخل فى 49 صناعة استراتيجية منها الطائرات والصواريخ والغواصات والمركبات الفضائية والهواتف والسيارات الكهربائية من أبرز المعادن.
والسؤال الذى يطرح نفسه بقوة على المشهد العالمى.. هو لماذا اشتعل الصراع فجاة بين أمريكا والصين على المعادن النادرة فى الوقت الحالى؟! والإجابة تتلخص فى أن الصين حالياً تنتج حوال 70-60٪ من المعادن النادرة فى العالم، وأدركت أمريكا وأوروبا أن اعتمادها الكامل على الصين فى تلك المعادن يشكل خطراً على أمنها القومى خاصة أن الصين بدأت تستخدم المعادن النادرة كسلاح اقتصادى وسياسى ضد أمريكا والغرب، وبالتالى بدأ السباق العالمى لتأمين بدائل ومصادر جديدة خارج الصين، ومن هنا تبرز أهمية مصر كلاعب جديد فى شمال افريقيا بفضل امتلاكها كميات ضخمة من هذه المعادن والعنصر الأساسى فى هذه المعادلة هو الرمال السوداء التى تمتلك مصر منها أكبر احتياطى فى العالم وفقا لمركز دعم واتخاذ القرار.
والواقع يؤكد أن دولة 30 يوليو كانت صاحبة رؤية استراتيجية واســتبقت الأحداث و أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عام 2020 البدء فى إنشاء مجمع مصانع لاستخلاص المعادن من الرمال السوداء فى محافظة كفر الشيخ وتم افتتاح المصنع فى عام 2023 كأكبر المشروعات القومية فى الشرق الأوسط ولأول مرة فى تاريخ مصرتكنولوجيا محلية وأجنبية مشتركة ومنع تصدير الرمال خام والاستثمار فى التصنيع المحلى، وذلك مع البدء فى استخلاص المواد النادرة بدلا من تهريبها وبيعها بأبخس الأسعار، وبالتالى أوقفت مصر نزيف الثروات الذى استمر عقوداً فى تصديرالرمال خام بأقل من دولار للطن .
الخلاصة انه فى ظل حرب من نوع خاص بين الصين وامريكا من أجل السيطرة على سوق المعادن النادرة فى العالم فإن مصر من الممكن أن تصبح قوة مؤثرة فى هذه السوق خاصة وأنها تمتلك فرصاً واعدة لأنها تمتلك أحد أكبر احيتاطيات الرمال السوداء فى العالم خاصة فى ظل وجود مصنع حديث وإرادة سياسية فولاذية وتتمتع بالأمن والاستقرار الذى يمنحنها القدرة على المنافسة فى توقيت رائع ومناسب جدا بسبب الخوف العالمى من هيمنة دولة الصين، وكذلك فأن قطاع التعدين عموماً أمامه فرص هائلة للنمو ويؤكد أن مصر فيها حاجات حلوة كتير والتوسع فى الصناعات التحويلية والتكنولوجيا الحديثة سيساهم فى خلق المزيد من فرص العمل وتحقيق عائد اقتصادى كبير للدولة، ومصر تمتلك كافة المقومات التى تؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا لصناعات التعدين، بفضل مواردها الغنية، وإصلاحاتها التشريعية، وبيئتها الاستثمارية الجاذبة.
كلمة فاصلة:
ببساطة.. ما حدث فى ملف الرمال السوداء فى مصر ليس صدفة ويؤكد أن القيادة السياسية لديها رؤية مستقبلية للملفات الاستراتيجية، وعن العائد الاقتصادى المتوقع أكد الرئيس السيسى أن هذه الصناعة قادرة على تحقيق فوائد كبيرة للميزان التجارى من خلال توفير 50 مليون دولار من الواردات وزيادة الصادرات بنحو 100 مليون دولار سنوياً، ولذلك فإن الدعوات الهدامة لن تتوقف كالعادة مع أى مشروع ناجح خاصة ممن تتعارض مصالحهم مع مصالح مصر.. حفظ الله مصر وأهلها.