توقفت كما قلت وأنا احتفل مع الأصدقاء فى إذاعة صــوت العرب الجمعـــة قبل الماضيــة بعيد ميــلادها الــ 72، أه والله 72 عامًا وهو أكبر من عمر دول وكيانات.. المهم توقفت بالتفكيرعند مغزى إنشاء إذاعة صوت العرب فى 4 يوليو 1953 بعد ما يقرب من عام على قيام ثورة 23 يوليو 1952، وازداد تعجبى حين قفز إلى ذهنى تاريخ وأسباب إنشاء جريدة الجمهورية وعددها الأول فى 7 ديسمبر 1953 وتناولت بعضا من تاريخ صوت العرب النضالى وجاء الدور عند المقارنة بدور جريدة الجمهورية وتوقفت عند رحلة العم طوغان فنان الكاريكاتير الشهير إلى الجزائر ليترجم على أرض الواقع دور جريدة الجمهورية القومى والعروبى والتى عبرت خير تعبير بمبادئ ثورة يوليو.
– يحكى عم طوغان لى وكما وثقه فى كتاب له قائلاً: الرحلة بدأت بحيلة ذكية لتجاوز الرقابة الفرنسية.. حصلت على تأشيرة دخول إلى فرنسا بحجة زيارة معارض فنية فى باريس.. ومن هناك، لم أتوجه مباشرة إلى الجزائر حتى لا ينكشف أمرى، بل سافرت إلى المغرب، وكانت المغرب أنذاك نقطة عبور حيوية للمقاتلين والإمدادات المتجهة إلى الثورة الجزائرية.
وبدأت المغامرة بالتسلل إلى الأراضى الجزائرية من الرباط، وكان الجزء الأصعب من الرحلة عدم وجود عبور مباشر وآمن إلى الجزائر بسبب الحرب الدائرة والسيطرة الفرنسية المشددة على الحدود، لذلك أعتمدت على المنسقين وأعضاء الشبكات السرية لجبهة التحرير الوطنى الجزائرية، وتسللت إلى الأراضى الجزائرية سيرًا على الأقدام عبر الحدود الوعرة» طبعا هذه العملية كانت تتطلب شجاعة كبيرة فقد كانت المنطقة مليئة بدوريات الجيش الفرنسى والمخاطر.
وفى داخل الجزائر دخل عم طوغان إلى معاقل الثوار وقلب الثورة، لم يكتفِ بمشاهدة الأحداث من بعيد، لكنه عايش معاناة الشعب الجزائرى بشكل مباشر تحت نيران الاحتلال الفرنسى وفى مذكراته وكتابه «سيرة فنان صنعته الآلام»، يصف الأوضاع الصعبة التى واجهها الجزائريون، ويكشف عن تفاصيل الحياة اليومية فى ظل الثورة، ولقاءاته مع قادة الثورة ورموز المقاومة، فقد التقى شخصيات تاريخية مثل أحمد بن بيلا، الذى أصبح فيما بعد أول رئيس للجزائر المستقلة، .
باختصار وثق طوغان ما شاهده وصوره والتى مثلت دليلاً حيًا على حجم التضحيات والمعاناة، وكانت هذه المواد الصحفية والفنية ذات قيمة كبيرة فى نقل صورة حقيقية عن الثورة الجزائرية إلى العالم الخارجى، وكشف وحشية الاحتلال الفرنسى، وبعد انجاز مهمته، عاد طوغان بنفس الطريقة الصعبة التى دخل بها، حاملاً معه كنوزًا من المعلومات والصور التى شكلت أساسًا لعمله الصحفى والفنى اللاحق فى دعم القضية الجزائرية، ونشر بعضها فى كتابه عن تجربته فى الجزائر بعنوان «أيام فى الجزائر».
جريدة المساء
ويمتد حبل الذكريات عند جريدة «المساء» التى ولدت فى عام 1956 أيضًا على يد الزعيم جمال عبد الناصر بعد ميلاد صوت العرب والجمهورية لتكون أول جريدة مسائية فى العالم العربى من جهة ولتحدث ثورة عبر تاريخها فى عالم الصحافة المسائية، لكن ما يهمنى هنا هو الميلاد ونحن نحتفل طوال هذا الشهر بثورة يوليو، ويحكى الأستاذ خالد محيى الدين عضو الضباط الاحرار مؤسس جريدة المساء وأول رئيس تحرير لها قصة الميلاد فى مذاكراته «الآن أتكلم».
يقول- إنه عقب عودته من المنفي- سويسرا- طلب عبدالناصر مقابلته أكثر من مرة، وفى المرة الأخيرة سأله ناوى تعمل إيه يا خالد؟! فقال خالد: أنوى أن أرشح نفسى لمجلس الأمة وأن أعمل فى الحياة العامة، فقال: موافق!
وأضاف عبدالناصر قائلاً: هناك اقتراح آخر أن تعمل سفيرًا فى تشيكوسلو فاكيا فهو بلد مهم بالنسبة لصفقات الأسلحة أو هناك اقتراح بأن تصدر جريدة يسارية مسائية! ويكمل خالد قائلا: ولما أبديت دهشتى، قال: كل البلاد العربية فيها جرائد يسارية وعيب أن مصر لا تكون فيها جريدة يسارية وأنت أفضل من يصدر مثل هذه الجريدة، بس ما تكونش يسارية زى خالد بكداش.. «حزب البعث» عايزين حاجة يسارية معتدلة.. وعندما سأل محيى الدين الرئيس عبدالناصر: ولماذا مسائية؟! فقال بصراحة واضحة: لكى تكون محدودة الانتشار والتأثير!
وبدأت أستعد لإصدار جريدة المساء.. ويضيف «خالد محيى الدين»: وفى حدود تجربتى الشخصية سواء خلال عملى فى جريدة «المساء» «1956 – 1959» أو «أخبار اليوم» «1964- 1965» كان عبدالناصر يتصل بى عدة مرات كل يوم أو مرة على الأقل فى اليوم ليعرف أهم الأخبار والتوجهات، وليبدى رأيه وتعليماته فى كل ما هو مهم.. وعندما توليت مسئولية دار أخبار اليوم كان هناك موتسيكل مخصص لإرسال أول خمس نسخ تصدر من الطبعة الأولى ليسرع بها إلى بيت عبدالناصر.. وكان عبدالناصر يتوجه كل مساء إلى دار الجمهورية ليراجع بنفسه المانشيتات والعناوين الرئيسية.
وقد ظل « عبدالناصر» طوال فترة حكمه حريصًا على أن يقرأ الطبعة الأولى من كل الصحف اليومية وقراءة ملخصات مترجمة ومعدة بعناية من الصحف العالمية والمهمة، كما كان يتابع باهتمام بالغ الصحف العربية وخاصة الصادرة فى بيروت وكان يؤكد أنه يلمح من خلالها اتجاهات السياسة للدول العربية المختلفة خاصة من الصحف التى كانت تمول سرًا من بعض الدول العربية.
> ألم أقل لكم إن هناك تشابهًا كبيرًا فى الجمهورية وصوت العرب ثم المساء، أبناء ثورة يوليو البكر، وأمتدت الرحلة، جاءت أجيال ورحلت أجيال، لكن الذى لم ينقطع هو حب الجمهورية وصوت العرب والمساء للوطن من المحيط إلى الخليج لأنهم صوت ثورة يوليو النقى ولو خفت فى بعض الأحيان !!