أتابع جيداً – منذ زمن – ما يبثه الإعلام الإسرائيلى عن مصر.. أعلم وأدرك وأنا أتابع أن المواد الإعلامية الإسرائيلية إنما هى «رسائل موجهة» تكشف وتعبر عن التوجه الرسمى الحقيقى «غير الصريح» لإسرائيل تجاه مصر.. فى الآونة الأخيرة وبالتحديد مع بدء «حرب الإبادة» على غزة أخذ الإعلام الإسرائيلى يصعد من «لغته الخشنة» ضد مصر.. ومع وقوف مصر بقوة وثبات ضد مشروع تهجير الشعب الفلسطينى وتصفية «قضية العرب الأولي» بدأنا نرى هجوما إعلاميا إسرائيليا على مصر.. هجوما متواصلا فى مختلف وسائل الإعلام.. تصريحات وتلميحات وندوات ودراسات كلها تحذر من «الخطر المصري» الذى يمكن أن يفاجئ «تل أبيب».. الهجوم الإعلامى الإسرائيلى على مصر وإن كان له أسبابه الأخرى التاريخية والنفسية والتقليدية إلا أن رفض مصر القاطع لمشروع «تصفية القضية وتهجير الشعب» يبرز الآن وكأنه هو السبب الرئيسى والمحورى لهذا «الهجوم».. هم يعرفوننا جيداً.. ونحن أيضا نعرفهم جيداً!!
قبل أيام روجت إسرائيل «عبر وسائل إعلامها» لما اسمته «المدينة الإنسانية» فى رفح الفلسطينية.. مشروع يعيد التأكيد مجددا على أن إسرائيل لا تؤمن أبدا بأى نوع من أنواع «السلام» وأنها لا تعرف سوى تحقيق مشاريعها ومخططاتها القديمة وأن كل ما تدعيه من انخراطها فى مفاوضات وقف إطلاق النار ثم إطلاق عملية «سلام شامل».. كل هذا تأخذه إسرائيل أو تتعامل معه باعتبار أنه استراحة أو مناورة أو هدنة «تتطلبها ظروف المرحلة».. حتى إذا انتهت فترة الاستراحة وزالت مبررات الهدنة وتغيرت الظروف عادت إسرائيل لسابق عهدها فى القتل والإبادة والتهجير.. لا شيء تراه إسرائيل على الخريطة سوى حدود «إسرائيل الكبري»!
«المدينة الإنسانية» التى تريد إسرائيل إقامتها من «الخيام» فى رفح الفلسطينية «بالقرب من الحدود المصرية» هى «نسخة» أكثر إجراما لمشروع الإبادة والتهجير والذى تنفذه إسرائيل بدعم أمريكى وأوروبى وصمت «أممي» واضح.. مدينة إسرائيل «اللاإنسانية» فى رفح الفلسطينية تريد إسرائيل إقامتها فى أسرع وقت ممكن وإجبار ستمائة ألف فلسطينى على الإقامة بها «كمرحلة أولي» على أن يتم إجبار ما تبقى من فلسطينيين آخرين فى غزة إلى هذه المدينة فى مراحل لاحقة.. «المدينة اللاإنسانية» فى رفح تريد إسرائيل أن تسجن فيها أكثر من مليونى فلسطيني.. فمن يدخل هذه المدينة غير مسموح له بالعودة إلى أى مكان آخر فى القطاع.. مسموح له فقط بالمغادرة خارج الأراضى الفلسطينية!!.. إما الإبادة وإما التهجير.. هذه هى إسرائيل!!
المتابع الجيد للشأن والتاريخ الإسرائيلى لا يجد «غرابة» فى كل ما تفعله إسرائيل فى «المنطقة».. وخارج المنطقة.. إسرائيل لم تتغير منذ أن وطأت العصابات الصهيونية أقدامها فى فلسطين «فى فترة ماقبل حرب 1948».. مروراً بمرحلة «إقامة دولة الإحتلال».. وحتى الآن.. الذى تغير فقط «وجوه الأشخاص» من مسئولين وسياسيين وعسكريين.. هدف إسرائيل واحد.. عقيدتها السياسية والعسكرية «والأخلاقية» واحدة.. ومشروعها واحد.. «مشروع استعمارى بامتياز».. يريد السيطرة على كامل منطقة الشرق الأوسط ويفرض عليها سياسته وإرادته «وخرائطه».. وهذا لن يكون بإذن الله.
فى مذكرات «الإسرائيليين الأوائل».. تيودور هيرتزل ديفيد بن جوريون.. حاييم وايزمان.. مناحم بيجين.. جولدامائير.. موشى ديان.. أرائيل شارون.. وغيرهم.. تجد هناك ثوابت مشتركة لا خلاف فيها ولا اختلاف عليها.. «العقيدة الصهيونية» لاتعترف فى أى مرحلة من المراحل بفلسطين كدولة.. ولا كشعب.. كل الأراضى المحتلة تنظر إليها «الصهيونية» بإعتبارها جزءاً من إسرائيل.. حتى الضفة الغربية التى تضمنتها «اتفاقات سلام» فلسطينية – إسرائيلية.. يذكرها الإسرائيليون «قادة ومسئولين ومستوطنين».. يذكرها هؤلاء فى مذكراتهم وكتاباتهم وأدبياتهم بإسم إسرائيلى «تلمودي» هو «يهودا والسامرة».. وهذا يؤكد عدم إيمان «تل أبيب»بأى نوع أوشكل من أنواع أو أشكال «السلام».
فى الوثائق والكتابات والأدبيات الإسرائيلية.. تبرز طبيعة النظرة التى ترى بها إسرائيل «أعداءها».. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اللفظة أو الكلمة الأوسع استخداما والتى يطلقها الإسرائيليون عندما يتحدثون عن أعدائهم هى «العرب أو العربي».. حتى الفلسطينيون يطلق عليهم الإسرائيليون «العرب».. ومن النادر أو من القليل أن نجد إشارات فى الكتب والوثائق الإسرائيلية»القديمة والحديثة» تذكر كلمة «فلسطينيين أو فلسطيني».. وهذا يدل على أن العقيدة الصهيونية ترى أن جميع العرب لديها سواء.. كلهم أعداء سواء كانوا فلسطينيين أم من أى دولة عربية أخري.. هناك مبدأ تاريخي.
إسرائيلى تلخصه هذه العبارة «أنت عربي.. أنت عدو إسرائيل»!!
يلاحظ أيضا أنه منذ قبل حرب 1948ً وحتى الآن.. هناك قناعة إسرائيلية بأن جميع الحروب والمذابح والمجازر التى تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين وضد العرب بشكل عام.. هى حروب ومجازر «مقدسة».. ولعل الأسماء التى أطلقها بنيامين نتنياهو على حرب الإبادة فى غزة أكبر دليل على ذلك.. فالمجازر اليومية التى ينفذها جيش الاحتلال ضد الأطفال والنساء والمرضى والجوعى والعطشي.. هذه المجازر ينفذها جيش إسرائيل تحت مسمى «توراتي» مثل حرب القيامة.. العماليق.. وعربات جدعون.. فكل طفل أو امرأة أو مريض فلسطينى يتم قتله.. يعد ذلك عملاً مقدساً لدى نتنياهو ولدى جيش الاحتلال.. اقترب عدد الشهداء من ستين ألف شهيد.. دولة بهذه الصورة كيف يمكن أن تكون دولة سلام؟!!.. هم يهاجمون مصر لأن مصر تعرفهم وتعرف حقيقتهم ولن ترضى إلا بسلام حقيقي.. سلام عادل يمنح الشعب الفلسطينى جميع حقوقه المشروعة ودولته المستقلة.
تمتلك مصر «رؤية واضحة» لما يجرى الآن فى الإقليم والعالم.. وكذلك لديها رؤية مستقبلية لعالم جديد بدأت تتضح معالمه بشكل كبير.. عالم يمكن أن يساعد فى تعديل ميزان القوى «المعوج» منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قبل ثمانين عاماً.. «ازداد الاعوجاج مع بداية تسعينيات القرن الماضى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي».. استوقفنى تقرير اخبارى بثته شبكة روسيا اليوم الإخبارية قبل أيام يشير إلى تحرك مصرى من نوع جديد فوق «مسرح الأحداث الدولي».. هذا التقرير حمل عنوان «مصر توجه ضربة قوية للدولار باليوان والروبل».. يقول التقرير: إن مصر استطاعت توجيه ضربة قوية للدولار الأمريكى عبر تعزيز أدوات التعاون النقدى المباشر مع روسيا والصين بما يشمل توسيع استخدام اليوان والروبل والجنيه والاستغناء عن «الأخضر» الأمريكي، وأضاف التقرير ان محافظ البنك المركزى المصرى وقع مع نظيره الصينى بان قونج شنج فى مقر البنك بالقاهرة ثلاث مذكرات تفاهم وملفات نوعية تتصدرها اتفاقية مبادلة العملات وتسوية المدفوعات بالعملة المحلية إضافة إلى إصدار سندات الباندا الصينية فى السوق المصرية.
وذكر التقرير أن هناك جهوداً مصرية لتعزيز الشراكة مع ثانى أكبر اقتصاد فى العالم فى وقت تبحث فيه القاهرة عن تنويع مصادر التمويل وجذب استثمارات نوعية تُسهم فى سد فجوات الميزان التجارى ودعم احتياطاتها من النقد الأجنبي.. وأنه تمت مناقشة أدوات التعاون النقدى المباشر بما يشمل توسيع استخدام «اليوان» والجنيه فى التبادلات التجارية والربط بين أنظمة الدفع الإلكترونى فى البلدين وتسهيل وجود البنوك الصينية فى السوق المصرية فى مقابل فتح آفاق للبنوك المصرية للتوسع فى آسيا عبر السوق الصينية.. وجاء فى التقرير الاخبارى أنه تم توقيع مذكرة تفاهم ثلاثية بين بنك قناة السويس وشركة «تيدا» الصينية – الإفريقية وشركة «CIPS» المشغلة لنظام المدفوعات بين البنوك فى الصين بهدف تعزيز تسويات المدفوعات الثنائية باليوان كما وقعت شركة «UnionPay»الصينية بروتوكولين مع شركتى «بنوك مصر» و»باى موب»، لتوسيع منظومة الدفع الإلكترونى وقبول بطاقات «UnionPay» فى السوق المحلية.. نعم إنها بالفعل ضربة مصرية نوعية «متعددة الاتجاهات».
العالم الجديد الذى بدأت معالمه تتضح بشكل أكبر.. بعث فى الآونة الأخيرة بالعديد من الرسائل التى تؤكد أن هناك «قوة معادلة» بالفعل تقف على «الجانب الآخر».. هذه القوة تكبح جماح الخلل الدولى الذى رسمه «تحالف القوى المسيطرة» منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.. من بين هذه الرسائل.. تلك التى تكشفت خلال زيارة استغرقت ثلاثة أيام قام بها وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف إلى كوريا الشمالية أوائل هذا الأسبوع إلتقى خلالها بالزعيم كيم جونج أون.. خلال هذه الزيارة والتى شهدت حفاوة كورية شمالية كبيرة تم التأكيد على التحالف والشراكة الإستراتيجية بين «موسكو» و»بيونج يانج».. وخلال مباحثات أجراها لافروف مع وزيرة الخارجية الكورية الشمالية حذر وزير الخارجية الروسى من مساعى الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان لتشكيل «تحالفات أمنية موجهة»ضد كوريا الشمالية وروسيا وقال :»نحذر من استغلال هذه الشراكات لبناء تحالفات عسكرية ضد أى طرف بما فى ذلك كوريا الشمالية وبالطبع روسيا».. وأشاد لافروف بالبرنامج النووى لكوريا الشمالية.. وفيما يعد بأنه أول اعتراف روسى رسمى بمشاركة جنود كوريين شماليين إلى جانب القوات الروسية فى الحرب ضد أوكرانيا.. أشاد لافروف بالجنود الكوريين الشماليين وبما قاموا به فى الحرب ووصفهم بالأبطال.
الرسالة الثانية من قوى «العالم الجديد» قدمت «قبل أيام أيضا» من الصين.. فقد تناقلت وسائل الإعلام العالمية قيام «بكين» بالتوصل إلى إنجاز علمى جديد سيكون له انعكاساته الرهيبة فى مجال التسليح الصاروخفى ورحلات الفضاء.. فقدأطلقت الصين محركا صاروخيا جديدا عمليا لا يخضع لقوانين الفيزياء ويغير مساره بزاوية «180درجة» ويستطيع المحرك الصينى الوصول إلى سرعة تصل إلى «20 ألف كيلومتر فى الساعة»!!.
الرسالة الثالثة جاءت فى وقت متزامن مع رسائل كوريا الشمالية والصين.. من إيران.. فخلال رسائل التهديد العلنية المتبادلة ببن طهران وتل أبيب.. بعثت طهران بواحدة من أخطر الرسائل الصامتة.. فقد نشر مسئول إيرانى هو مهدى محمدى المستشار الإستراتيجى لرئيس البرلمان الإيرانى «صورة» على «انستجرام» تظهر «هجوما نوويا» على إسرائيل.. وتظهر فى الصورة خريطة لإسرائيل مع سحابتين على شكل فطر فوق أراضيها، وهى ترمز إلى «الانفجارات النووية»!!.
وسط هذا المشهد العالمي.. تواصل إسرائيل تنفيذ مخططاتها «القديمة والحديثة» مستندة إلى «حلف القوة القديم» الذى تتزعمه وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية.. ووسط هذا المشهد العالمى أيضا تتحرك دول أخرى لإجهاض مخططات ومشاريع إسرائيل.. تنظر هذه الدول إلى المستقبل وهى تتطلع الى ما يحمله من بشائر تغيير كبير فى قواعد «معادلات القوة» التى عرفها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الإتحاد السوفيتي.. فى هذا المناخ المتداخل والملتبس والمتشابك .. تعمل مصر من أجل تحقيق سلام عادل فى الشرق الأوسط.. سلام يحقق الأمن والاستقرار للجميع.. سلام يحافظ على حقوق الشعب الفلسطيني.. سلام يوقف المجازر والإبادة ويمنع «التصفية والتهجير».. سلام لايهدد ولايمس الأمن القومى العربي.. مصر كانت وستظل إن شاء الله بلد أمن وسلام .. لا تغير مبادئها ولا ثوابتها.. والتاريخ «خير شاهد».
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.