كان حلم بيسان دحبور الباحثة الفلسطينية البالغة 32 عاما أن تطرق أبواب الكون انطلاقا من مبدأ «العدالة الفضائية» وأن اكتشاف الأسرار ليس حكرا على الأغنياء، بل إنها متاحة للجميع بشرط توفر «الطموح».
فى يونيو الماضي، كانت اللحظة الفارقة، التى قلبت حياة بيسان رأسا على عقب، بعد أن وصلتها رسالة بريد إلكتروني: «تم قبولك فى برنامج تيتانز سبيس 2029».. لحظة خالدة، ولادة حلم جديد، سيرسم لها خط اتصالها مع الفضاء.
قالت بيسان دحبور فى حديث لوسائل الاعلام إن تلك اللحظة لم تكن شخصية فحسب، بل طموح كل فتاة عربية حلمت ذات يوم أن تطأ النجوم.
الباحثة الفلسطينية تنحدر أسرتها من رام الله بالضفة الغربية، وطالما ردّدت بثقة: «سأذهب إلى الفضاء»، لم يكن كثيرون يصدّقونها. باستثناء شخص واحد آمن بحلمها منذ البداية، زوجها ماتياس انيجل. تروى مبتسمةً: «عندما وصلنى رابط التقديم، شعرت أن الباب قد فُتح أخيرًا. كتبت طلبى من قلبي، من حلمٍ لم يكن مرئيًا بعد، لكنه حيّ فى داخلي.»
تعمل دحبور فى مدينة فيتن فى ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، فى مجال تطوير الأعمال العلمية، واعتادت على تحويل أعقد الأبحاث إلى تطبيقات ملموسة. خلفيتها العلمية ومقالاتها فى مجال الفضاء والتصنيع المدارى والأنظمة الفضائية، شكّلت جسرها نحو هذا البرنامج الطموح.
أما شركة «تيتانز سبيس» التى ستطلق رحلة بيسان إلى الفضاء فتتميز أنها ستحضر رحلات باستخدام مركبات فضائية، لا تعتمد على الصواريخ التقليدية، بل على طائرات فضائية تقلع أفقيًا من على مدرج ارضي، وتستخدم محركات صاروخية خاصة عند بلوغها ارتفاعًا معينًا، ما يتيح للركاب اختبار بيئة تلامس انعدام الجاذبية.
قالت مصادر فى الشركة إن الرحلة المتوقعة ستكون على متن أول طائرة فضائية تنطلق وتهبط أفقيًا، يمكنها أن تحمل على متنها 350 شخصًا فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الرحلات الفضائية البشرية. هذه الخطوة الجريئة لا تُكسر الأرقام القياسية فحسب، بل تُرسّخ مفهوم السفر الفضائى الجماعى كجزء من الحياة البشرية المقبلة.
تتراوح تكلفة الرحلة بين 350 ألفا و25 مليون دولار، وتفتح آفاقًا لإجراء تجارب علمية متقدّمة فى مجالات الأحياء الدقيقة، علم المواد، والزراعة الفضائية.
يذكر أنه ابتداءً من عام 2026، ستبدأ بيسان تدريبات بدنية ونفسية مكثفة، إلى جانب مرشّح ألمانى يُشاركها الرحلة. وتقول إن ما جذبها إلى «تيتانز سبيس» لم يكن الطموح العلمى وحده، بل الفلسفة التى تنطلق منها الشركة «أن يكون الفضاء متاحًا للجميع، لا حكرًا على أصحاب الملايين». بتمويل يعتمد على شبكة من أثرياء يؤمنون برسالة إنسانية بعيدة عن الاستثمار التقليدي، تُرافق فى كل رحلة شخصية شغوفة بالفضاء، ولكنها تفتقر إلى الإمكانات المالية، شخصًا آخر موّل الرحلة. تصف بيسان هذه السياسة بأنها «عدالة فضائية» تُعيد تشكيل مفهوم الوصول العلمي.
لكن مهمة بيسان تتجاوز المقعد الفضائي. فهى تنضم إلى الرحلة كباحثة، تحمل مشروعًا يدرس نمو النباتات فى بيئة منعدمة الجاذبية- ما يعرف بـ»الماكرو جرافيتي». وتوضح ذلك بالقول: «الهدف ليس الزراعة فى الفضاء فقط، بل تطوير حلول بديلة لكوكب الأرض، خاصة للمناطق المهددة بالتصحر.»
أبحاث المشروع لا تزال تجرى داخل أروقة مختبرات ألمانية وبلدان أخري، وتواظب بيسان على متابعة أحدث الدراسات والأبحاث فى هذا الاطار. ولا تكل من العمل مع مؤسسات ألمانية وغيرها من أجل تطوير الزراعة المائية وإمكانات النمو على أسطح قاسية كالقمر. تقول بيسان «لسنا هنا بدافع الفضول فقط، بل لفهم كيف نحيا خارج الأرض، وكيف نعيد هذه المعرفة لمواجهة تحديات المناخ والأمن الغذائي.»
فى ختام تصريحاتها الإعلامية وجهت بيسان رسالتها للأجيال القادمة قائلة: «الفضاء لم يعد خيالاً. كما غيّر الإنترنت شكل العالم، ستغيّرنا رحلات الفضاء. فلنكن مستعدّين، واعين، ومشاركين.»
ومن شرفة منزلها فى شمال الراين إلى منصة الإقلاع، تمضى بيسان ثابتة. لا تحمل سوى العلم، ولا تسكنها إلا فلسطين كما تقول. وبين يديها نبتة صغيرة قد تنمو يومًا، فوق سطح القمر.