مع اقتراب افتتاح المتحف المصرى الكبير، الذى يُعد حدثاً تاريخياً سيضع مصر فى صدارة خريطة السياحة العالمية، تبذل جهود كبيرة من قبل الدولة لتطوير المنطقة المحيطة بالأهرامات لا يمكن إنكار حرص وزارة التنمية المحلية، ومحافظة الجيزة على تنفيذ خطة تطوير شاملة تليق باسم مصر ومكانتها الحضارية إلا أن هذه الجهود رغم أهميتها لن تكتمل ما لم تمتد لتشمل التفاصيل الصغيرة التى قد تكون فى نظر بعض المسئولين «هامشية» لكنها فى الواقع تشكل الواجهة الحقيقية التى يراها السائح يومياً.
من بين تلك التفاصيل المهملة، يبرز شارع السمان القريب من الاهرامات الثلاث وتمثال أبو الهول كنموذج صارخ للإهمال الإدارى والخدمي، رغم أنه من أكثر الشوارع ارتياداً من قبل السياح الأجانب فالمنطقة باتت تضم عدداً متزايداً من الشقق والغرف الفندقية، ويشهد الشارع حركة يومية من الزوار الذين يتجولون سيراً على الأقدام لرؤية الأهرامات أو التفاعل مع الحياة المحلية لكن وبكل أسف يصطدم الزائر منذ اللحظة الأولى بمشهد القمامة المنتشرة، وانعدام الإنارة، والطرق المتهالكة، وكأننا نوجه دعوة صريحة له بأن ينقل عن مصر صورة لا تليق بها ولا بتاريخها.
بل إن الأمر يتعدى المرافق، ليصل إلى انعدام المراقبة الحقيقية للأسواق العشوائية أو لممارسات بعض «الخيالة» الذين يستغلون السياح بفرض أسعار مبالغ فيها ويعاملونهم بأساليب تفتقر لأدنى درجات الاحترام الأسوأ من ذلك أن تجارة المخدرات باتت تمارس علنا فى بعض الأركان دون رقيب أو حسيب، مما يحول المنطقة إلى بيئة طاردة لا جاذبة.
ما يزيد من حساسية هذه المشكلات أن العديد من السياح يوثقون هذه المشاهد بكاميراتهم وينقلونها إلى منصات التواصل، فتصبح الصورة التى نريد تصديرها عن مصر ملوثة بمشاهد الإهمال والفوضى فكيف نروج لمتحف يُقال إنه «الأعظم فى العالم» بينما يعانى الشارع المجاور له من أبسط مظاهر التخلف الخدمى والأمني؟
لسنا بحاجة لمشاريع ضخمة جديدة بقدر حاجتنا إلى إرادة حقيقية لتحسين الواقع فرفع القمامة، وتمهيد الطرق، وإنارة الشوارع، وتكثيف الوجود الأمني، ومراقبة ممارسات مقدمى الخدمات للسياح، كلها خطوات بسيطة ولكنها حاسمة فى رسم الانطباع الأول الذى لا يُنسي.
إني، ومن منطلق الحرص لا النقد، أناشد محافظ الجيزة المهندس عادل النجار بأن يولى هذا الشارع تحديداً اهتماماً مباشراً لا يكتفى فيه بتقارير مكتبية أو صور من المسئولين المحليين المطلوب جولة ميدانية، رؤية بعين القائد، ومتابعة لا تنقطع كما أدعو إلى إشراك سكان المنطقة أنفسهم فى عملية التجميل والتنظيم، فهم الأقدر على حماية بيئتهم عندما يشعرون أنهم شركاء لا مهمشون.
إن معالجة هذه السلبيات ليس قضية خدمية فحسب، بل قضية وطنية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصورة مصر فى عيون العالم وإذا أردنا للسائح أن يخرج بانطباع يُشيد بالحضارة المصرية لا أن يتحسر على حاضرها، فإننا بحاجة إلى أن نُظهر الاحترام الكامل لكل زاوية من زوايا محيط الأهرامات.
فى النهاية، ليست دعوة التطوير هذه موجهة فقط إلى المسئولين، بل هى نداء لكل الأطراف المعنية من مؤسسات حكومية، ومجتمع مدني، وسكان محليين، بأن يتكاتفوا لتحويل المنطقة المحيطة بالأهرامات إلى مرآة مشرقة للحضارة المصرية، لا إلى مشهد يؤلم كل من يعرف قيمة هذا الوطن وتاريخه.