مخاوف من استئناف المفاوضات.. والبعض يعتبرها محاولة تضليل
فى الذكرى العاشرة لتوقيع الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة 5+1 تحول الملف إلى صراع جيوسياسى معقد تتقاطع فيه تهديدات إسرائيلية بضرب منشآت نووية، وتلويحات أوروبية بتفعيل «آلية إعادة فرض العقوبات»، فى مقابل تهديدات إيرانية بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
ويثير ذلك التقاطع فى المواقف تساؤلات بشأن فرص التوصل إلى اتفاق جديد بين إيران الولايات المتحدة، والسيناريوهات المحتملة لمستقبل البرنامج النووى الإيرانى الذى يواجه إحدى أسوأ أزماته.
تقليديا، تنقسم التيارات السياسية فى إيران بشأن كيفية التعامل مع الولايات المتحدة، فبينما يصنفها المحافظون «الشيطان الأكبر» لا يرى الإصلاحيون غضاضة فى استخدام الدبلوماسية لحلحلة القضايا الشائكة بين طهران والعواصم الغربية، باستثناء إسرائيل التى لا تعترف بها الجمهورية الإسلامية.
أما المرشد الأعلى على خامنئى فلم يغير موقفه من خيار التفاوض مع واشنطن، إذ قال قبل توقيع اتفاق 2015 إنه «لا يثق بالإدارة الأمريكية»، وجدد موقفه هذا قبيل مفاوضات مسقط الأخيرة حين وصف التفاوض مع أمريكا بأنه «خطوة غير ذكية ولا حكيمة ولا مشرّفة»، ولا يمكن أن تحل مشاكل إيران.
انقسام متجدد
يرى السفير الإيرانى السابق فى النرويج وسريلانكا والمجر عبد الرضا فرجى راد أن الاتفاق النووى أرسى فى عام 2015 معادلة «رابح-رابح» لجميع الأطراف الموقعة عليه، وقد أسهم فعلا فى تبديد مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معبرا عن أسفه لما وصفه بـ«السلوك الهدام» لإدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى انسحب من الاتفاق وتسبب فى أزمات كان يمكن تجنبها.
وأوضح فرجى راد فى تصريحات صحفية أن إيران بذلت جهودا كبيرة للحفاظ على الاتفاق، ودعت الترويكا الأوروبية إلى الوفاء بالتزاماتها، وعدم الرد بالمثل على انسحاب واشنطن وإعادة فرض العقوبات، لكنه استدرك بأن «آلية دعم التبادل التجارى» التى أطلقتها أوروبا لم تحل مشكلة المبادلات المالية الإيرانية بعد أن تأثرت بشدة بتلك العقوبات.
واعتبر أن قرار طهران تقليص التزاماتها تدريجيا فى الاتفاق كان يهدف إلى دفع الأطراف المتبقية للضغط على واشنطن لضمان مصالح إيران، لكن «عناد الإدارة الجمهورية وقتها وتقاعس الإدارة الديمقراطية من بعدها أجهضا الاتفاق وأوصلا الملف النووى الإيرانى إلى نقطة حرجة فى الشهر الماضي».
وبرأيه، فإن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية المتكررة على منشآت إيران النووية أفرغت اتفاق 2015 من مضمونه، وزادت تعقيد المشهد وقلصت فرص إحياء اتفاق جديد، لكنه فى الوقت ذاته يعتقد أن طهران لم تغلق باب الدبلوماسية، مرجحا خوضها جولة جديدة من المفاوضات النووية قريبا.
ويخلص إلى أن الاتفاق النووى الموقع قبل 10 سنوات لم يعد قابلا للإحياء، داعيا واشنطن إلى استغلال الفرصة المتاحة للتفاوض حتى لا تتفاقم الأزمة بشكل أكبر، مؤكدا أن ذلك «لن يكون ممكنا إذا انساق ترامب مجددا وراء مغامرات وسياسات تل أبيب».
ضرر جسيم
فى المقابل، يصف السفير الإيرانى السابق فى أستراليا والمكسيك محمد حسن قديرى أبيانه الاتفاق النووى بأنه «سم زعاف تجرعته إيران عام 2015»، مؤكدا أن بلاده لم تجن منه إلا «أضرارا جسيمة وخسائر فادحة»، وأنها لن تستفيد من أى مفاوضات محتملة بسبب «عقلية» المسئولين الأمريكيين.
وأضاف أبيانه فى تصريحات صحفية أن واشنطن تدخل المفاوضات «بهدف الحفاظ على نظام عالمى أحادى القطب واستعادة هيمنتها المفقودة»، معتبرا أن الولايات المتحدة لا تعترف بحقوق الأطراف الأخري، لأن ذلك «يتعارض مع سياساتها العليا الرافضة للعالم المتعدد الأقطاب».
وبرأيه، تسعى الولايات المتحدة إلى «تفكيك إيران والسيطرة على ثرواتها، مستغلة ملفها النووى كمدخل مرحلي، يليه تفكيك قدراتها العسكرية، وصولا إلى تقويض جغرافيتها»، محذرا من «الانخداع بوعود واشنطن التى ألقت قنابلها الشهر الماضى على طاولة التفاوض».
وأكد أبيانه أن انسحاب واشنطن عام 2018 من الاتفاق، والتنسيق الأمريكى الإسرائيلى لمهاجمة إيران عشية الجولة السادسة من المفاوضات يثبتان -برأيه- صحة موقف المعارضين للتفاوض مع الولايات المتحدة، و»عدم جدوى الثقة بوعودها».
سيناريوهات محتملة
ورغم تصاعد التشاؤم داخل إيران بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة بعد مشاركتها فى قصف منشآت نووية إيرانية مؤخرا فإن المصلحة الوطنية -وفقا لعدد من المراقبين- قد تدفع طهران إلى العودة لطاولة الحوار، وإن كان من غير المرجح أن يفضى ذلك إلى اتفاق مستقر، بحسب الباحث فى مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني.
وأشار أصلانى فى تصريحات صحفية إلى أن إيران تنظر إلى الدعوات الأميركية لاستئناف التفاوض بوصفها «محاولة تضليل جديدة الهدف منها مباغتة طهران وشن هجمات جديدة ضدها»، مضيفا أن المشهد الراهن يحتمل أن يتطور وفق أحد السيناريوهات التالية:
انهيار المسار الدبلوماسى وتفاقم الأزمة النووية إلى أقصى درجات التوتر.
استئناف المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق، مما يؤدى إلى توترات دورية دون تصعيد حاد.
التوصل إلى اتفاق مؤقت هش، وهو السيناريو الذى لا يُستبعد فى المرحلة الراهنة.
استمرار حالة «لا حرب ولا سلام»، مع تشديد العقوبات الأميركية، ودفع طهران نحو توسيع تحالفاتها مع قوى شرق آسيا وروسيا والصين.
ويرى أصلانى أن فرص التوصل إلى اتفاق جديد بين واشنطن وطهران «ضئيلة جدا، لكنها ليست معدومة»، مشيرا إلى أن الجانب الأميركى يصر على إدراج ملفات غير نووية فى المفاوضات، ويبدل مواقفه باستمرار، وهو ما يعرقل المسار الدبلوماسي.