أشعر بأن مصر على أبواب مرحلة جديدة.. ليست من نوعية المراحل «الإنشائية» الحماسية، التى اعتدنا أن نردد فيها هذه الكلمة حتى استهلكناها فتعدت معناها، وتندر عليها ممثلو الكوميديا فى أفلامهم ومسرحياتهم.. ولكن نحن بحق أمام مرحلة جديدة اقتصادية واجتماعية.. أظنها ترتبط بالجمهورية الجديدة التى تتشكل الآن بقوة على أرض الواقع.. تغير حال الدولة والمواطنين إلى أسس راسخة تقوم على العدل والمسئولية الاجتماعية والحوكمة، التى لا تسمح لعودتنا مرة أخرى إلى ما يعرف بشبه الدولة.
بموافقة البرلمان على قانون العلاقة بين المؤجر والمستأجر على أسس جديدة تضمن العدالة لطرفى العلاقة وإعادة الحياة مرة أخرى إلى الثروة العقارية، التى ظلت مهدرة لأكثر من 60 عاماً، منذ كانت تصدر القرارات الاشتراكية التى تستهدف إرضاء فئة مجتمعية على حساب أخرى، ما أدى لمشكلات كثيرة حولت نظام السكن من التأجير إلى التمليك على غير الواقع فى العالم بأسره، حتى تفاقمت أزمة الإسكان وفرض على المواطن أن يغترب فى الخارج سنوات طويلة حتى يستطيع أن يجمع ثمن الوحدة السكنية التى يتخطى ثمنها الآن أكثر من مليونى جنيه على الأقل.
وعلى نفس المنوال، صار هناك نوعان من السكن.. أحدهما قديم لا يتجاوز ثمن الوحدة فيه ثمن كيس «شيبسى»، وأخرى مجاورة إيجار جديد يتجاوز إيجارها عدة آلاف من الجنيهات.
أتصور أن قانون العلاقة الإيجارية الجديد بعد سريانه، سوف يحل مشكلات كثيرة، وإن كان من المهم أن تظل الحكومة طرفاً ثالثاً فى العلاقة بين المالك والمستأجر، كما أوصى بذلك المفكر المصرى الراحل ميلاد حنا خبير الإسكان والبرلمانى المخضرم بضبط هذه العلاقة فى إطارها الذى يحافظ على الثروة العقارية وينهى مشكلة انهيار العقارات القديمة التى ظلت فى مهب الريح، لأن صاحبها يتمنى ذلك من فرط إحساسه بالظلم الذى وقع عليه.
>>>
المطلوب فى المرحلة القادمة لتطبيق القانون، عدم ترك الأوضاع الإسكانية للزمن والظروف.
غير مبرر على الإطلاق محاولة بعض المستأجرين توريث الأحفاد لهذه الوحدات، بعد أن يغيب المالك الأصلى عن العين المؤجرة لأسباب قدرية.
وفى نفس الوقت غير مبرر على الإطلاق أن يحاول أحفاد أصحاب العقارات خاصة القديمة منها، هدمها لإنشاء أبراج تناطح السماء ترهق مرافق الحى من مياه وصرف صحى واختناقات مرورية.. وذلك على أمل أن تتحول العمارة الصغيرة إلى كنز «على بابا» لهؤلاء الأحفاد الوارثين الذين يظنون أن الأمر مفتوح أمامهم على مصراعيه، يبيع بالملايين ويؤجر بعشرات الآلاف، وكأن المجتمع ليس له من يكفل مصالحه الاجتماعية والاقتصادية التى تضمن الأمن والاستقرار والتنمية، أهم أهداف حققتها دولة 30 يونيو على مدى السنوات العشر الماضية.
أتصور أن القيم الإيجارية العادلة التى تضمنها القانون الجديد، يجب أن يسرى على كل الإيجار القديم والجديد معاً.. لاسيما بعد أن تعدت أسعار الإيجار الجديد أرقاماً فلكية بسبب العرض والطلب.
>>>
باختصار، إن الحوار المجتمعى المنطقى الذى يقوم على تحقيق المصلحة العامة لكل الأطراف، لابد أن يظل سارياً فى التفاصيل الصغيرة التى سيتولاها محافظ كل محافظة على حدة بمراكزها وأحيائها، مع دور فاعل مجتمعى وأرقام قومية للعقارات ككل، يسهم فيها التطور الرقمى وتكنولوجيا المعلومات، بحيث لا تترك شيئاً للشيطان الذى يكمن عادة فى التفاصيل.