رسم ناصر ورفاقه صورة مصر فى أفريقيا، كانت الخطوط واضحة والألوان عاكسة لصدق استراتيجى فى علاقاتنا مع الجنوب، كانت الرؤية واضحة تماما وكانت الرسالة معبرة بجلاء عن التوجهات، واستطاع الإعلام ان يترجم كل شاردة وواردة حتى المشاعر التى تختلج القلوب، عندما كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يذهبون إلى الدول الأفريقية، كانوا يتعاملون كأشقاء نتقاسم الأمل والألم، كانت تلك الزيارات بمثابة جسور تربط بحق بين الشعوب.
>>>
كنت ارى صورا لصلاح سالم وجمال سالم وهما يرتديان الملابس الأفريقية ويرقصان رقصاتهم، وكان الفن الأفريقى حاضرا فى الوجدان المصري، كان لدينا صحافة متخصصة فى الشؤون الأفريقية وكان لدينا وزارة معنية بهذا الملف الاستراتيجي، بعد رحيل ناصر وانزواء أفكاره فى مربعات الناصرية وبعض اليسار، جاء من يقزم الدور المصرى فى أفريقيا – ربما عن غير قصد – وربما عن عدم فهم لطبيعة الدور المصرى فى المحيط الإقليمي.
>>>
فبعد رحيل ناصر جاء السادات ثم مبارك وتحولت العلاقات من المستوى الاستراتيجى إلى المستوى العادي، بردت العلاقات حتى تجمدت، ودخل على الخط آخرون من دول الجوار القريب والبعيد، وبعد وصول الرئيس السيسى إلى الحكم، وصل ما قُطِع من وصْل، واعاد ترميم الجسور القديمة وتشييد جسور جديدة، فكانت الإشارة ذات الدلالة، اول زيارة خارجية كانت لدولة أفريقية عربية ثم حضور اول مؤتمر كان أفريقيا، وتوالت التحركات داخل القارة.
>>>
لقاءات وقمم وزيارات، بناء علاقات إنسانية وشعبية اولا لتمهيد الطريق إلى عودة العلاقات كاملة على كافة الأصعدة، وعلى مدار هذا السنوات عادت المياه لتجرى فى نهر العلاقات المصرية الأفريقية مجددا وبعد طول انتظار، اليوم نتابع أثر عودة مصر إلى محيطها الأفريقى وقد اسفر عن جملة من التغيرات الإيجابية فى منظومة العمل الأفريقى المشترك، كانت رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى فى 2019 تتويجاً لهذه الروح الجديدة التى دبت فى علاقات مصر الأفريقية
>>>
اليوم نحن على اعتاب مرحلة جديدة تماما تطلب فكراً جديداً وآليات جديدة حتى تتماشى وتتسق مع تلك التغيرات الحادة والعنيفة التى تشهدها القارة السمراء، عندما خرجنا من القارة طواعية دخلها آخرون، واليوم ونحن نعود لم ولن يكن الطريق سهلا ميسورا ومفروشا بالورد، وهنا أقول للجميع.. الجنوب الجنوب، اجعلوا قبلتكم الاستثمارية والاقتصادية والثقافية والفنية والإعلامية هى أفريقيا، واسأل هنا، اين الفن الأفريقى فى مكوننا الثقافي؟
>>>
أين الموسيقى والغناء والدراما والمسرح والسينما الأفريقية فى جرعاتنا الثقافية؟ أين الإعلام والصحافة المتخصصة فى الشؤون الأفريقية؟ نحن فى حاجة ماسة إلى مأسسة العمل مع القارة الأفريقية، لا يجب ان يترك الأمل للاجتهادات الفردية او الاجتهادات، نحتاج إلى إطار أو آلية واضحة ومعلنة للعمل مع القارة الأفريقية، عندما ازور دولة أفريقية وأجد وجودا صينيا وروسيا وأوروبيا ولبنانيا عميقا ومتجذرة فى البيئات الأفريقية.
>>>
اتساءل اين الوجود المصري؟ وتكون الاجابة اننا متواجدون سياسيا واقتصاديا واستثماريا، ليس بالشكل المأمول ولكن هناك تطور مذهل فى هذا الإطار، وهذا صحيح، لكن فى تقديرى ان الجسور الثقافية والفنية التى تشيدها مكونات القوى الناعمة هى اسهل طريق ممهد لقلوب أشقائنا الأفارقة، لكن كيف نحقق ذلك، هذه قصة أخري.