ندوة بمكتبة الإسكندرية تستعرض تأثير الهوية الوطنية والقوى الناعمة على المجتمعات العربية
نظمت مكتبة الإسكندرية، اليوم ، ندوة بعنوان “الهوية الوطنية والقوى الناعمة وتأثيرها على مجتمعاتنا العربية”، وذلك ضمن فعاليات البرنامج الثقافي المصاحب للدورة العشرين من معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب.
استضافت الندوة الكاتب الصحفي مصطفى عمار، رئيس تحرير جريدة «الوطن»، وأدارها الإعلامي الدكتور محمد عبده بدوي.
إشادة بدور مكتبة الإسكندرية وأهمية الهوية الوطنية
أشاد الإعلامي محمد عبده بدوي بالدور الثقافي الرائد لمكتبة الإسكندرية، واصفًا إياها بـ”نافذة العالم”، معبرًا عن تقديره لتنظيم مثل هذه الفعاليات التي تسهم في نشر الوعي الثقافي وتعزيز الحوار البناء.
من جانبه، تحدث الكاتب الصحفي مصطفى عمار عن مفهوم الهوية الوطنية، مؤكدًا أنها تمثل حالة الحب والانتماء العميق التي يشعر بها المواطن تجاه وطنه، مشددًا على الأهمية الكبرى للهوية في بناء المجتمعات وتنميتها المستدامة وصياغة مستقبلها المشرق.
تطور مفهوم الهوية الوطنية ودور القوى الناعمة
أوضح عمار أن الهوية ليست حالة ثابتة ونهائية، بل هي مفهوم حيوي ومتطور وقابل للتجديد المستمر، لأنها نتاج الإرث الثقافي والاجتماعي الغني.
وعن القوى الناعمة، أوضح عمار أنها وسيلة فعالة للتأثير وتحقيق الأهداف المنشودة دون اللجوء إلى استخدام القوة المادية، مشيرًا إلى أن الفنون بمختلف أشكالها المتنوعة من أغاني مؤثرة وصور معبرة ودراما تلفزيونية وسينمائية، تُعد من أبرز وأقوى أدوات القوى الناعمة.
مكانة مصر وتأثير فنها وثقافتها في المحيط العربي
وأضاف: “مصر لا تزال تحتفظ بتأثير كبير وفاعل في محيطها العربي من خلال فنها الراقي وثقافتها العريقة، فالحضارة المصرية القديمة هي صاحبة الفضل الأعظم على العالم أجمع”.
وأكد أن اللهجة المصرية المميزة تظل اللهجة المشتركة التي تفهمها مختلف الشعوب العربية بسهولة ويسر، مشيرًا إلى أن الفن يمثل عنصرًا أساسيًا في تشكيل وعي الشعوب وتوجهاتها، لاسيما في ظل تراجع معدلات القراءة واعتماد الكثيرين على الفنون كوسيلة رئيسية للمعرفة، وهو ما يجعل الفن جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي الشامل.
تراجع دور الفن المصري وانتقاد الأعمال الدرامية السلبية
وأشار عمار إلى تراجع نسبي في دور الفن المصري عقب ثورة 2011، ودخول الدراما السورية والتركية إلى المشهد الإعلامي العربي بقوة، مما انعكس سلبًا على مكانة الدراما المصرية وتأثيرها.
كما انتقد الأعمال الدرامية التي تركز بشكل كبير على السلبيات والعنف وتروج لما وصفه بـ”عصر التفاهة والترند”، مقارنةً بدول أخرى تقدم فنونًا راقية وهادفة رغم التحديات التي تواجه مجتمعاتها.
مقترحات لتجاوز التراجع وتعزيز دور الفن والثقافة
واقترح الكاتب الصحفي مجموعة من الحلول العملية لتجاوز هذا التراجع الملحوظ، أبرزها الارتقاء بمستوى الكلمة المكتوبة والمنطوقة، وفتح المجال واسعًا أمام الشباب المبدعين في مجالات الكتابة والإنتاج الفني المختلفة، من خلال دعم الدولة القوي لمسارح الجامعات والمدارس، وتبني أعمال فنية هادفة تُعلي من قيمة الفن والثقافة الأصيلة.
وأوضح أن الفن لعب دورًا محوريًا في تحفيز الروح الوطنية العالية لدى المصريين خلال حرب أكتوبر المجيدة، عبر بث مشاعر الانتماء والفخر بالوطن، مما يؤكد الأهمية القصوى لاستمرار هذا الدور الحيوي في دعم قضايا الوطن وتعزيز وحدته وتماسكه.
تحديات الهوية الوطنية ووسائل التواصل الاجتماعي
وردًا على سؤال حول التحديات المعاصرة التي تواجه الهوية الوطنية، قال عمار إن وسائل التواصل الاجتماعي تُعد من أبرز التحديات الراهنة، إذ تسهم في بعض الأحيان في إحباط إرادة الشعوب والنيل من تاريخها العريق، مشيرًا إلى أن معايير تقييم الأفراد في الوقت الحالي لم تعد تعتمد على العلم أو الكفاءة والاجتهاد، بل أصبحت ترتبط بشكل كبير بعدد المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة وحجم الثروة، وهو ما أدى إلى حالة من الفوضى المجتمعية والقيمية.
صناعة الوعي المستنير والمقاومة الثقافية
وردًا على سؤال حول صناعة الوعي المستنير، أكد مصطفى عمار أن هذه الصناعة تتطلب استثمارات ضخمة ومستمرة، لمواجهة ما يُقدَّم من أعمال فنية مغلوطة تسيء بشكل أو بآخر إلى تاريخ مصر العريق، وذلك ضمن حملات ممنهجة تهدف إلى تشويه رموزها الوطنية وقيمها وإرثها الحضاري والإنساني.
وفي سياق متصل، واستشهادًا بكيفية بناء الوعي المستنير وتعزيز المقاومة الثقافية، استشهد مصطفى عمار بالدور التنويري الرائد الذي قدمه الفنان الراحل نور الشريف، من خلال إنتاجه لعدد من الأفلام السينمائية الهامة التي شارك فيها نخبة من زملائه الفنانين ودعمه المستمر لشباب الفنانين والمخرجين، مؤكدًا أن هذه المبادرات الطيبة أسهمت بشكل كبير في إثراء الفن المصري الراقي وتعزيز رسالته الثقافية والتنويرية السامية.
توصية هامة للجيل الجديد
اختتم حديثه بتوصية هامة وجهها للجيل الجديد، دعا فيها إلى إبعاد الأطفال قدر الإمكان عن الاستخدام المفرط للهواتف المحمولة والأجهزة الذكية، واستبدالها بممارسة الفنون المختلفة بأنواعها، مثل الرسم والموسيقى والرياضة المتنوعة، إلى جانب تشجيعهم الدائم على القراءة والاطلاع واكتساب المعرفة.
معلومات عن معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب
يُذكر أن معرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب يُقام بالتعاون المثمر مع الهيئة المصرية العامة للكتاب، واتحاد الناشرين المصريين والعرب، ويشارك فيه 79 دار نشر مصرية وعربية تقدم أحدث إصداراتها المتنوعة بخصومات مميزة لرواد المعرض.
كما يتضمن المعرض أكثر من 215 فعالية ثقافية ثرية ومتنوعة بمشاركة نحو 800 من المثقفين والمفكرين والباحثين المتخصصين في مختلف المجالات، ويُقام بالتوازي مع أنشطة ثقافية أخرى في “بيت السناري” الأثري بحي السيدة زينب و”قصر خديجة” التاريخي بحلوان.