بدأ صديقي حكايته مع الطبيب النفسي بالحديث عن هواجسه ووساوسه وأن اليوم يعيد الأمس، والأمس إعادة لليوم السابق عليه وأنه في حلقة مفرغة من التكرار وما أشبه الليلة بالبارحة ثم توقف فجأة عن الكلام وتطلع إلى الطبيب الذي قال له إنه تكرار قهري أو ما يسمى باضطراب الوسواس القهري، وهي ظاهرة نفسية يتكرر فيها حدثاً معيناً أو ظروف ذلك الحدث مراراً وتكراراً وأننا نضع أنفسنا في موقف بطريقة معينة يجعل من المحتمل تكراره مرة أخرى، إننا نكرر نمط سلوكنا دون توقف ودون العمل على تغييره ومن هنا يأتي القلق والتوتر والوساوس.
وفي الفلسفة يبدو مفهوم التكرار تعددياً إذ يمكن إدراكه على أنه إعادة للشىء ذاته ومن هنا تكون أسئلة الهوية والاختلاف بين الأشياء المتكررة هل هي نفسها كما في الأصل أم ثمة اختلاف؟ كما يمكن تصور التكرار من خلال كونه عملية لاكتساب مهارات ومعرفة، وهنا تكون أسئلة القدرة والحرية واجبة الطرح ويربط (نيتشه) مفهوم التكرار بفكرة العود الأبدي حيث تتكرر الأحداث إلى ما لا نهاية ومن ثم تثار أسئلة حول العلاقة مع الحياة. ويرى الفيلسوف الفرنسي (جيل دلوز) أن التكرار ليس إعادة للشئ ذاته بل اختلاف بلا مفهوم، وعند الفيلسوف الدانماركي (كيركجارد) يمثل التكرار الرجوع إلى الأمام أو إعادة التجربة بوعي أي أنه ليس استعادة الماضي بل فهم أعمق للوجود الإنساني من خلال تكرار تجارب معينة تمنحنا دروساً مستفادة ومتغيرات جديدة وهذا يكون التكرار مرتبطاً بالقلق والحرية والمسئولية، وفي التكنولوجيا فإن التكرار قد يشير إلى وضع مكونات أو نظم أو عمليات يتم تصميمها للدعم في حالة فشل العمليات الأساسية، إنها التأكد من وظيفة النظام ومدى الثقة فيه ومرونته في مواجهة الخلل أو العطل.
ومع الفن تظل الحالة المتكررة دلالة على البنية الجمالية والتشكيلية والتعبيرية تفرضها طبيعة الحالة الفنية، ويستخدم العوام المثل القائل التكرار يعلم الحمار وتلطيفاً للكلمة يستعمل لفظ الشطار، وفي أمورنا الحياتية نري بعض المواقف والأماكن التي نمر بها دون تنبه لتكرارها كما لو كان هذا مجرد اعتياد لكن إذا تأملنا هذه المواقف وتلك المواقف سوف نجد شيئاً مختلفاً وإدراك جديد نحن نعتد روتين حياتنا اليومي اويظهر لنا كم هو أمر ممل ومضجر وعلى سبيل المثال: لا يمكننا أن نتصور أن كلمة صباح الخير قد تعني جديداً كل يوم، وعلى المنوال نفسه يمكن النظر إلى روتين الحياة من عمل وعلاقات، ويعالج المبدع (صلاح جاهين) حالة الهروب من تكرار الفشل والهزيمة والألم بتكرار العودة من جديد والمساندة والمؤازرة وتغيير الحال فيقول… وأسيبها وأطفش في درب وتبقى هي من درب… وتلتفت تلاقيني جنبها في الكرب.