كانت بداية الحكاية مع رسالة وصلت إلى صفحة «الجمهورية معاك»، كُتبت بمزيج من الوفاء والإيمان والإنسانية.
رسالة من سيدة لا نعرفها بالاسم قبل أن نعرفها بالفعل.. هى الدكتورة إيمان، امرأة مصرية بكل ما تحمله الكلمة من صدق ونُبل، تحمل فى قلبها من الرحمة أكثر مما تحمله القواميس من معانٍ، وتملك روحًا تضيء للآخرين.
تواصلت الدكتورة إيمان مع الجريدة لتحكي، فقالت بهدوء لا يخلو من رجاء: «فى بنت اتعلقت بها من أول مرة شفتها، شفت فيها طاقة نور.. متفوقة، مجتهدة، لكن تحمل جبالاً من الهم على قلبها، قررت أتبناها علميًا، وأدفع لها مصاريف الجامعة الألمانية، لتلتحق بكلية الصيدلة التى تحلم بها.. وعام بعد عام، استحملت، وساعدتها، وسددت مصروفات الجامعة المطلوبة مني، لكن الظروف أصبحت أقوى ممن كنت أتوقعه».
صمتت قليلًا، ثم أكملت: «أنا لا أحكى قصتها لكى يشكرنى أحد.. أنا عملت ذلك من قلبي، ولكننى غير قادرة على استكمال رحلة تعليمها بمفردي، وحلمى أن تكمل مشوارها، لأنها تستاهل».
كانت الفتاة التى تتحدث عنها الدكتورة إيمان تُدعى «ن. ح»، من محافظة الإسكندرية، طالبة مجتهدة، ونموذجًا للإرادة والصلابة والتفوق، كانت متفوقة فى الثانوية العامة وحلمها أن تلتحق بكلية صيدلة ، تكفلت الدكتورة إيمان بتوفير مصروفات الجامعة وكانت تحصل على تقديرات امتياز، تتحدث الألمانية بطلاقة، وتبهر أساتذتها بذكائها وحرصها على العلم.
لكن خلف هذا الوجه المضيء كانت تختبئ قصة موجعة.. والدها فقد ساقيه فى حادث قطار مأساوي، فغاب العائل، وغرقت الأسرة فى دوامة الحاجة والمرض، خاصة بعد إصابة شقيقها بسرطان الدم، وما يستلزمه من علاج دائم باهظ، ورغم هذا كله، لم تفقد الطالبة الأمل، ولم تتخلَّ عن حلمها، بل أمسكت به وكأنه طوق نجاة، وحين ضاقت بها السبل، أوصلت صوتها إلينا.
قمنا بنشر القصة فى «الجمهورية معاك» كما رواها قلب الدكتورة إيمان، وكما عاشتها الطالبة بكل تفاصيلها المؤلمة، ووجهنا النداء إلى كل صاحب قلب حى وكل جهة قادرة.
فكانت الجامعة الألمانية عند حسن الظن، فأعلنت عن منح الطالبة «ن. ح» منحة مجانية كاملة حتى انتهاء دراستها، تقديرًا لتفوقها وكفاحها، ووفاءً بما تؤمن به الجامعة من مسؤولية مجتمعية حقيقية.
فرحت الطالبة، لكن من بكى هذه المرة لم تكن هي، بل والدها، تحكى الدكتورة إيمان عن لحظة علمه بالخبر:
«لما حكيت له عن استجابة الجامعة، ما صدق.. عيونه دمعت.. وقال لي: أنا كنت خائف من اليوم الذى تضطر ابنتى ان توقف فيه دراستها، ولكن ربنا كبير، ونجلتى ستكمل تعليمها وهتكون شخصية كبيرة».
وبكت الدكتورة إيمان هى الأخري، لأنها شعرت أن ما زرعته من خير ظهر ثماره، وأن ما تبنته من حلم صغير أصبح الآن مشروع أمل كبير.
أما الطالبة، فقالت: «شكرًا لمن ساعدنى.. شكرًا لجمهورية الإنسانية.. الآن أستطيع أن أُكمل مشواري، وأكون يومًا ما صيدلانية تصنع الفرق، كما صنعت الجامعة الألمانية الفارق فى حياتي».
هكذا، وُلدت الحكاية من قلب امرأة اسمها «إيمان»، وامتدت عبر صوتٍ صادق فى «الجمهورية معاك»، وتكللت بخطوة إنسانية من جامعة قررت أن تكتب نهاية سعيدة لقصة بدأت بالألم وانتهت بالأمل.. ولتستحق لقب جامعة الأمل، لزرعها الأمل فى قلب أسرة بأكملها وأحيته فيها.