عكفت الدولة خلال الأربع سنوات الماضية على عمل استراتيجية وطنية للحد من اكياس البلاستيك احادية الاستخدام وقامت الدولة بجهود مضنية سواء من الناحية القانونية أو من ناحية اتخاذ اجراءات مع المنتجين وكبرى سلاسل المولات فى محاولة للحد من تلك الأكياس.. جهود الدولة اسفرت عن قرار تاريخى صدر من رئاسة الوزراء بالمسئولية الممتدة للمنتج وهو ما يعنى فرض رسوم إضافية على منتجى ومستوردى الأكياس البلاستيكية، مقابل قيام الجهات الحكومية بالتخلص الآمن من المخلّفات الناتجة عنها، هذا القرار مهم وقوى جداً لتوفير مظلة قانونية لنصوص الاستراتيجية وسيتم تنفيذه بعد ثلاثة اشهر من صدوره حتى يستعد المجتمع لهذا القرار الا ان هذه القرارات الصادرة ما زالت تفتقد لشيء واحد وهو مشاركة المصريين بشكل عام فى رفض تلك الاكياس التى تضر الصحة وتضر البيئة وتضر الكائنات فى آن واحد والتى يمتد اثرها لمئات السنوات واذا كان المواطن سيجد صعوبة فى الحصول على اكياس البلاستيك من كبرى المحلات الكبرى الا ان اعتماد المصريين على اكياس البلاستيك احادية الاستخدام كبير جدا فى كل اسرة مصرية والتى تشترى بالكيلو وليس بالكيس والاعتماد عليها فى تخزين الطعام والبقالة عموما تمثل ثقافة المصريين فى شتى محافظات مصر والسؤال متى نقف مواطنين وحكومة ضد اكياس البلاستيك تزامنا مع اصدار القوانين التى انتظرناها طويلا لتخرج للنور؟
تقول الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة: بالفعل هذا القرار الصادر عن رئاسة الوزراء لإقرار المسئولية الممتدة للمنتج فى موضوع البلاستيك احادى الاستخدام اى الذى يستخدم مرة واحدة ثم يلقى فى المخلفات الا انه مضر للبيئة جدا لانه يتطاير بسهولة جدا ويسقط فى البحر ويخنق الكائنات البحرية والتى يختفى بعضها ويحدث خلل فى سلسلة الكائنات التى خلقها الله تتغير مما يعنى تغير البيئة بشكل مخالف لما اراده الله.
وتضيف: من خمس سنوات قمنا بعمل استراتيجية مصرية للحد من اكياس البلاستيك لكن هناك مصانع تنتج اكياسا بالفعل لذا بدانا فى رؤية اخرى من خلال مطالبة تلك المصانع بتوفير اكياس بلاستيك اكثر سمكا يزيد عن « 50 ميكرو» وتم اصدار ذلك القرار من ثلاث سنوات كذلك كان لابد من توفير البديل للناس وهى الاكياس المنسوجة وتم عمل تشريع يساعد على هذا على نعطى لهؤلاء المنتجين حافزا استثماريا ونخفض من الضرائب أو الجمارك له حتى يتشجع على زيادة الانتاج لتلك الاكياس البديلة للبلاستيك وبدأنا نعمل على هذا فى هذا الملف ونوفر بدائل وتصنيع تلك البدائل فى مصر والعمل على عملية التخفيف والتسعير لاكياس البلاستيك ونعمل بشكل تدريجى اولا بعمل مدة سنة الى سنة ونص زيادة سمك الاكياس ثانيا توفير البدائل ثالثا تشجيع السوبر ماركت الكبيرة مثل كارفور توفير كيس كبير ويتم شراؤه لمرة واحدة ويمكن استغلاله فى اكثر من مرة كل مرة هتروح تشترى هيتم تخفيض بـ 5 جنيهات من هذا الكيس وفى الآخر يصبح مجانيا بعد خمس زيارات.
والأهم ان مجلس الوزراء اصدر مؤخراً أول قرار للاكياس البلاستيكية احادية الاستخدام وهو قرار بالمسئولية الممتدة للمنتج بالنسبة للاكياس البلاستيك والموجود فى كافة دول العالم وهو ان من يصنع الزجاجات بلاستيك أو اكياس بلاستيك لابد أن يتم تدويرها بشكل صح ولابد من دفع مقابل مادى للدولة حتى يتم تدويرالمنتج الخاص به وهذا القرار لن ينفذ الا بعد 3 شهور من صدوره.
ورغم ان قانون المخلفات نص على انة لابد من الحد من اكياس البلاستيك إلا أننا منذ اربع سنوات لم نتمكن من اخد القرار لانه لابد قبل اصدار القرار ان يكون السوق مستوعبا وكذلك لا توجد مواصفة للاكياس ولا توجد مواصفة بالبدائل ولا توجد حوافز ولا توجد موافقة من وزير المالية على رفع الضرائب عن صاحب مصنع الشنط البديلة فكان لابد من انجاز تلك الخطوات الخمسة حتى يصدر هذا القرار كما ان المجتمع من اربع سنوات لم يكن يتقبل فكرة الحد من اكياس بلاستيك احادية الاستخدام اما الان فان المجتمع متقبل تلك الفكرة تماما ويعرف اضرار الاكياس البلاستيك على الصحة وحتى فى المولات الكبرى لا يتم تسليم اكياس للعملاء.
ويرى دكتور عماد الدين عدلي، المنسق العام لشبكة «رائد»، قرارمجلس الوزراء انه بالمسئولية الممتدة لمنتجو الاكياس البلاستيكية أنة خطوة هامة نحو الحد من التلوث البلاستيكي، وتعزيز الاستدامة البيئية فى مصر،
مشيراً إلى أن الشبكة أطلقت دعوة إلى كافة الجهات المعنية، من مؤسسات حكومية ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص، إلى التعاون من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من هذا القرار، بما يضمن بيئة أنظف وأكثر استدامة للأجيال القادمة.
وفى السنوات الأخيرة، أصبح التلوث البلاستيكى من أخطر التحديات البيئية التى تواجة العالم، ولا تختلف مصر عن باقى الدول فى حجم هذا التحدي، خاصة على مستوى المجتمعات المحلية، حيث يزداد استخدام الأكياس البلاستيكية بشكل يومى فى الأسواق، المحال، والمنازل.
أضرار لا تُرى
وتوضح الدكتورة نهى دنيا عميد كلية البيئة بجامعة عين شمس أن التكلفة البيئية للاكياس البلاستيكية باهظة فهى مصنوعة من مواد غير قابلة للتحلل سريعًا، وتحتاج إلى أكثر من 400 سنة لتتفكك فى الطبيعة هذا يعنى أن كل كيس نستخدمه اليوم سيبقى لفترة أطول من أعمارنا، مؤثرًا سلبًا على البيئة وصحة الإنسان.
تشير منظمة الأمم المتحدة للبيئة إلى أن 10 ملايين طن من البلاستيك تدخل المحيطات سنويًا، مما يتسبب فى كارثة بيئية صامتة وعلميًا، أثبتت دراسة نُشرت فى مجلة Environmental Science & Technology أن الإنسان قد يبتلع ما يعادل وزن بطاقة ائتمان من الميكروبلاستيك أسبوعيًا، وهو ناتج عن تحلل الأكياس البلاستيكية إلى جزيئات دقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، تُعد بعض مكونات البلاستيك مثلBisphenol A (BPA) خطرة على الصحة العامة، إذ تم ربطها بخلل فى الهرمونات، مسببة مشاكل فى الإنجاب، وأمراض مزمنة.
وترى عميدة كلية البيئة أن الحد من استهلاك الاكياس البلاستيك ممكن نجاحه فى مصر ولنا تجارب سابقة فى محافظة جنوب سيناء، حين أطلقت مدينة دهب مبادرة محلية ناجحة لمنع استخدام الأكياس البلاستيكية، واستبدالها بأكياس قماش وورق، وقد حققت المبادرة نتائج ملموسة على صعيد نظافة الشواطئ ووعى السكان والزوار، كما شهدت الإسكندرية تعاونًا بين وزارة البيئة وجمعيات أهلية لتوزيع أكياس صديقة للبيئة على المواطنين فى الأحياء الشعبية.
خطوات ملهمة
فى كينيا، تم حظر استخدام الأكياس البلاستيكية منذ عام 2017، مع فرض غرامات وسجن للمخالفين، ما أحدث تحسنًا بيئيًا كبيرًا ،امادولتا فرنسا وكندا فقد فرضتا قيودًا على إنتاج وتوزيع الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، وشجعتا الصناعات المحلية على تصنيع بدائل ورقية ونباتية، بينما وفرت ألمانيا والدنمارك أنظمة أكياس قماشية قابلة لإعادة الاستخدام، وأطلقوا حملات وطنية للتوعية البيئية، فى حين تبنت هولندا واليابان نظم «التعبئة القابلة لإعادة الاستخدام» للحد من الاعتماد على البلاستيك بشكل عام.
بدائل مصرية
وتشير دكتورة نهى إلى أن مصر محظوظة لتوافر بدائل عديدة وممكنة سواء الأكياس القماشية طويلة الأمد، والتى يمكن استخدامها مئات المرات، أو الأكياس الورقية المناسبة للمواد الجافة والخفيفة، وتتحلل سريعًا وكذلك الأكياس النباتية (من نشا الذرة أو البطاطس) والتى تتحلل خلال أسابيع وأخيراً الشنط القابلة للطى عملية وسهلة الحمل داخل الحقائب.
التغيير بالجميع
وتقول د.نهى دنيا إن التصدى للتلوث البلاستيكى لا يتطلب فقط قرارات حكومية، بل يحتاج إلى تعاون من الجميع المواطن وصاحب المحل والمدرسة والمسجد أو الكنيسة التى تنشر الرسالة فى المجتمع.
مضيفة أن مصر تتحرك فى الاتجاة الصحيح، والمبادرات البيئية بدأت تنتشر، لكن التحدى الحقيقى يكمن فى تبنى ثقافة مستدامة على مستوى المجتمع المحلى فكل خطوة صغيرة، مثل استبدال كيس بلاستيك بآخر صديق للبيئة، قد تساهم فى بناء مستقبل أكثر نظافة وأمانًا لأبنائنا.
ورغم أنه من الصعب تقديم أرقام دقيقة حول حجم الاقتصاد الموازى فى صناعة الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام فى مصر لعام 2024، وذلك بسبب طبيعة هذا الاقتصاد غير الرسمى الا أن بعض المؤشرات والبيانات تساعد فى فهم الوضع الحالى حيث تشير التقارير إلى أن حجم استهلاك منتجات البلاستيك فى مصر يقدر بحوالى 5 ملايين طن سنوياً بينما بلغ حجم إنتاج البلاستيك فى مصر نحو 14.5 مليار دولار، ويتراوح حجم إنتاج الأكياس البلاستيكية بين 25-30 ٪ من هذا الرقم وهناك حوالى 1680 مصنع بلاستيك مسجلا فى اتحاد الصناعات، بالإضافة إلى عدد غير معروف من المصانع غير المسجلة التى تعمل فى الاقتصاد الموازى كما يعمل فى قطاع البلاستيك حوالى نصف مليون عامل بشكل مباشر الا أنه لا يزال الاقتصاد الموازى يشكل تحدياً كبيراً، حيث يصعب السيطرة على المصانع غير المسجلة التى تنتج الأكياس البلاستيكية غير المطابقة للمواصفات كما تؤثر الظروف الاقتصادية على سلوك المستهلكين، حيث يفضل البعض المنتجات الأرخص حتى لو كانت غير صديقة للبيئة فى حين قد تحتوى بعض الأكياس البلاستيكية غير المطابقة للمواصفات على مواد كيميائية ضارة تهدد الصحة.
مفتاح النجاح
وتؤكد دكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء أن الوصول للمواطن هو أساس نجاح الدولة فى تحقيق استراتيجيتها للحد من أكياس البلاستيك من خلال اطلاق الحملات الإعلامية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام خلال فترة زمنية محددة، وتحديد الفئات المستهدفة من الحملة، مثل المرأة الشباب، الأسر، أصحاب المتاجر، وتصميم رسائل إعلامية تناسب كل فئة مع تصميم رسائل إعلامية مؤثرة والتركيز على الفوائد البيئية والصحية والاقتصادية للحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، بدلاً من التركيز على السلبيات، واستخدام قصص واقعية لأشخاص أو مجتمعات نجحت فى تقليل استخدام الأكياس البلاستيكية.
على أن يتم استخدام منصات التواصل الاجتماعى للوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور، ونشر رسائل إعلامية مبتكرة والتعاون مع القنوات التلفزيونية والإذاعية والصحف لنشر رسائل الحملة، واستضافة خبراء ومتخصصين.
كذلك تنظيم فعاليات ميدانية فى الأسواق والمتاجر والمدارس لتوزيع أكياس قماشية، وتنظيم ورش عمل توعوية ومن المهم جدا الاستعانة بالمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعى لنشر رسائل الحملة، والاستفادة من شعبيتهم وتأثيرهم مع قياس مدى تأثير الحملة على سلوك الجمهور وتطوير الحملة بشكل مستمر، وإضافة عناصر جديدة ومبتكرة لجذب اهتمام الجمهور مثل التعاون مع الشركات والمتاجر لتوزيع أكياس قماشية، وتقديم حوافز للعملاء الذين يرفضون الأكياس البلاستيكية.
كذلك يجب أن تركز الحملات على التعاون مع بالمجتمع المدنى ممثلا فى الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المعنية بالبيئة، وتنظيم حملات توعوية مشتركة.