ليس هناك أسوأ من أن تكون ضد بلدك وناسك، أن تتحول إلى منصة لإطلاق صواريخ الغدر ضد وطنك.. يمكنك أن تكون معارضًا، فهذا لا يعيب ولا يشين، بل حق يُفرض على الآخرين احترامه حتى لو اختلفت معه، يمكنك أن تؤمن بفكر أو عقيدة مختلفة، أو ترفض سياسات بعينها لأنها لا تعبر عنك، وهذا أيضًا لا يسيء ولا يفسد العلاقة، بل أمر مُقدّر.. لكن أن تكون عدو بلدك، ومصدر الأكاذيب ضده، وأداة تُستخدم لتشويهه والنيل منه، فهذا هو ما يعيب ويشين ويفضح فاعله.
وكما يقولون: “جزى الله الشدائد خيرًا، عرَّفتني مَن عدوي ومن صديقي”، والشدائد في مصر طوال السنوات الماضية عديدة، مصر واجهت ما لم تواجهه من تحديات طوال تاريخها، لكنها كشفت حقيقة كل شخص. كانت فرصة متجددة للفرز بين من ينتمي حقًا للوطن، ومَن يؤمن به ويعمل من أجله، ومن يتعامل معه كتاجر، إن حصل على الربح جامل بالكلام الرائع، وإن لم يجد عطاء أصبح ناقمًا حاقدًا، ومَن خان وطنه وارتدى ثوب المخلصين الكاذب، ولا يتورع عن ارتكاب أحقر الجرائم في حق بلده تحت ستار الحب والانتماء والرغبة في الإصلاح، رغم يقينه أن الإصلاح لا يأتي بالتشويه، والانتماء لا يكون بالشعارات وإنما الأفعال. شبعنا ممن يدّعون الحب زورًا وهم في الأصل أفاعٍ تنفث السموم.
في حريق سنترال رمسيس كانت النيران كاشفة لبعض من هؤلاء الشامتين المتربصين، الذين سارعوا بالاحتفاء بالحريق على طريقتهم السخيفة. لم يراعوا حق الوطن عليهم، وبدلًا من التضامن والوقوف بجانب البلد في هذا الظرف الطارئ الصعب، انتهكوا كل الحرمات والمحرمات الوطنية، وجعلوا صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة ضد الدولة، بهدف تحويل نيران السنترال إلى انفجارات تدمر المجتمع. من هؤلاء من لجأ إلى السخرية الرخيصة التي لا تتم إلا عن حقد دفين وانتقامية سوداء، ومنهم من لجأ إلى الأسلوب الأوضح: تقطيع هدوم الحكومة، واستغلال الحادث في السباب والقذف والطعن في مؤسسات الدولة وقياداتها، وشماتة في الحكومة، وإلقاء تهم بالفساد والفشل والخيانة والتربح.
بالتأكيد الحكومة ليست مقدسة ولا هي فوق النقد أو محصنة ضد الخطأ، لكن التعامل في الأزمات له قواعد وأصول أخلاقية يجب أن تحترمها جميعًا، وأهمها أن تتوحد في مواجهة الخطر لتتخطاه وتتجنب تداعياته، وبعد ذلك تحاسب كل من يثبت تقصيره أو إهماله أو تورطه أيًا كان موقعه، والدولة أعلنت هذا صراحة، وأكدت بكافة مستوياتها أن من يثبت خطؤه سوف يواجه حسابًا رادعًا، لكن تحديد المسؤوليات لا يكون بالشكوك والاتهامات الجزافية، وإنما بتحقيقات مبنية على معلومات.
هذا هو ما يجب أن يحدث وعلينا جميعًا أن نحترمه. هكذا تكون أصول التعامل مع أي حادث. لكن هؤلاء السوداويين لا يراعون هذه الأصول، بل تجاوزوا كل الحدود بشكل لا يتناسب مع الحدث، ولا يقدر ما تواجهه الدولة، ولا يراعي الظروف.
فلم ينظروا إلى الحادث باعتباره أزمة تتطلب التماسك، بل اعتبروه فرصة للنيل من الدولة بكاملها. السيناريو مرسوم لهم ومكتوب بحرفية، وهم ينفذونه بدقة وبجاحة، سواء في قضية الدائري الإقليمي أو في حريق السنترال. الأجندة واحدة: “صحيح أن لم تستحِ فافعل ما تشاء”. وهؤلاء لم يعد لديهم حياء ولا نخوة، باعوا أنفسهم وقبضوا الثمن، وأصبحوا تحت سيطرة من يوجهونهم.
والسؤال: هل هذه هي مصر وشعبها؟ هل هؤلاء من المصريين بحق؟ وإذا كانوا فمن غيَّر سلوكهم؟ ومن وضع في نفوسهم كل هذا السواد والغضب والاحتقان؟
اليقين أن عموم الشعب المصري غير هؤلاء القلة الشاردة تمامًا، بل إن الشعب المصري على عمومه أصبح مُدركًا لحقيقة هؤلاء ويعرف نواياهم. يعرف أنهم أنفسهم من هاجموا جيش بلدهم دعمًا للإرهاب وتمكينًا لمخطط الفوضى، وهاجموا قيادة الدولة، وحاولوا صناعة فتنة بينها وبين الشعب لإيقاف المشروع الوطني لبناء مصر القوية، وحرضوا على التخريب والتدمير تحت ستار المطالبة بالحقوق.
الشعب الواعي الحاني على بلده لا يلقي لهؤلاء بالًا، بل يحتقرهم. لأنهم جديرون بالاحتقار فعلًا. الشعب صاحب الحضارة والرصيد العظيم من البطولات والدفاع عن بلده يحترم الأبطال، ويقدر التضحيات، ولهذا كانت الفرحة العامة والإشادة ببطولات رجال الدفاع المدني في التعامل مع حريق السنترال، وجدعنة كل مصري حاول أن يساند في إخماد الحريق.
الشعب المصري يرفض أن يتخلى عن بلده في وقت الشدة. يمكن أن يلوم الحكومة وينتقدها ويرفض قراراتها أحيانًا، لكنه أبدًا لا يقبل أن يكون أداة للطعن في الدولة أو عونًا لأعدائها.
الشعب المصري عقيدته الأرض، وشعاره مصر، وغايته التضحية فداء تراب بلده، ولهذا يبكي بحق عند المحن، ويسابق دفاعًا عن بلده، ويواجه كل خطر يستشعر أنه يهددها.
أما هؤلاء السفلة الذين نبتوا شيطانيًا في وادينا الطيب، فلا هم منا ولا يمثلوننا، هؤلاء مصيرهم مثل كل خائن، تدور به الدنيا حتى يسقط على أرض هذا الوطن ليلقى جزاءه.