مع التصعيد الأخير للحرب التجارية بين أمريكا والصين «البراند» هو الضحية بعد أن كشفت الصين المستور وكَشَرَّت عن أنيابها وضربت التجارة الأمريكية فى مقتل بفضح سر أشهر الماركات العالمية التى تصنع لديها وتباع بأضعاف أضعاف ثمنها.. ويكفى أن نعرف أن الحقيبة النسائية الأعلى فى العالم والتى تباع بـ 38 ألف دولار تبلغ تكلفتها الفعلية 1395 دولاراً فقط.
وكما فعلت الصين بالحقيبة التى يتم الحجز لها لشهور طويلة قبل الاستلام لم تنجو الماركات العالمية الأخرى فأظهرت عبر الفيديوهات مراحل انتاجها سواء كانت ملابس أو أحذية أو منتجات جلدية تقتنيها فئات معينة رغم الأسعار الخيالية رغبه فى التميز والانتماء لطبقة رغبة تعزيزاً للثقة فى النفس ولكن لا يجب أن ننسى أن وراء كل «براند» قصة تراثية ملهمة وكفاحاً كبيراً عبر قرون من صانعها الصغير ثم انتقالها مؤخراً للإنتاج فى الصين للاستفادة من رخص العمالة ورغبة فى توفير ظروف الانتاج المكلفة.
والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: كيف سيؤثر كشف المستور على سوق «البراند العالمي» وهل سيدفع ذلك زبائنه للتخلى عنه أم أن ما حدث لا يعدو زوبعة فى فنجان؟
وماذا عن البراند المحلى المصرى الذى يعشقه الشباب هل سيجد مزيداً من الزبائن فى مستويات عمرية مختلفة؟.
الدخول إلى الأسواق العالمية
المرشدى: آليات ميسرة لتسجيل «العلامة التجارية»
طلبة: تغير ثقافة
شراء المستورد
أعضاء الغرف التجارية يرون أن مصر لديها فرصة كبيرة لتعزيز الصناعة فى الصادرات المصرية وخاصة مع وجود استراتيجية حكومية واضحة.
محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات يشير إلى أن وزارة الصناعة وضعت اجراءات لحماية علامة القطن المصرى، تم اعداد استراتيجية قومية للغزل والنسيج بهدف النهوض بقطاع الصناعات النسيجية والاهتمام بقطاع الملابس الجاهزة، ذات الجودة والكفاءة والتى تطابق مثيلتها العالمية.
طالب المرشدى بوضع آليات ميسرة أمام الشباب لتسجيل علامته التجارية موضحاً أن الملابس الجاهزة تعد من أكبر الصناعات المربحة وتمتلك مصر مزايا تنافسية عديدة ومؤكدا أن السوق العالمية ترحب بالملابس المنتجة فى مصر خاصة السوق الأوروبية التى تتسم بطلب عالى.
مجدى طلبة الرئيس السابق للمجلس التصديرى للغزل والنسيج والملابس الجاهزة يضيف.. إنه على رغم مزايا السوق المصرية من زيادة العرض من الأيدى العاملة وانخفاض معدلات الأجور فى مصر مقارنة بباقى الدول الا ان جزءا كبيرا من المستهلك مازال تسيطر عليه مقولة «لابس مستورد».
داعيا الى تغيير سلوك وثقافة المستهلك المصرى والإيمان بقدرة منتجات بلاده على المنافسة والجودة العالمية التى تعترف بها كبرى الشركات العالمية.
خليفة هاشم عضو مجلس تجارة شعبة الأحذية يوضح أن الجلود المصرية لديها الفرصة لتنطلق إلى العالمية وأننا فى خلال 4 أو 5 سنوات نستطيع أن يكون لنا علامة تجارية اذا اتخذت الدولة عدة اجراءات سريعة فى عدم السماح بتصدير الجلد الطبيعى فى صورته الخام لأنها ثروة قومية وتصديره فى صورة منتجات جلدية حتى يحقق ايرادات للدولة 4 اضعاف تصديرها فى صورتها الخام.
مطالبا الحكومة تخفيف الاجراءات الوقائية للاستيراد حتى تستطيع السوق المصرية معالجة القصور الموجود به وتطوير أدائه وتخفيف الأعباء الضريبية على المستثمرين فضلاً عن تمويل الدولة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر فى صناعة الجلود.
فرص استثمارية.. وتحديات هيكلية
كمال: إستراتيجية وطنية للاستفادة من المتغيرات
وهيب: تداعيات متعددة على المستهلكين والشركات
حرب البراندات ليست مجرد خطر، بل فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الاقتصاد المصرى ليكون أكثر استقلالاً وابتكارًا وإذا أحسنت مصر استغلال موقعها الجغرافى، ومواردها البشرية، ومرونتها السياسية، فإنها تستطيع الخروج من قلب الصراع العالمى أكثر قوة وثقة.
يشير خبير الأسواق المالية، عمرو وهيب، أن العلامات التجارية المصرية قد تجد نفسها فى منافسة قوية مع المنتجات الصينية منخفضة التكلفة، وفى الوقت ذاته تواجه تحديًا فى منافسة العلامات التجارية الأمريكية المعروفة بجودتها العالية ومع ذلك، يرى وهيب إمكانية ظهور فرص للمصانع المصرية فى مجال تجميع بعض المنتجات أو تصنيع مكونات معينة، فى إطار سعى الشركات العالمية لتنويع مصادر سلاسل إمدادها وعدم الاعتماد الحصرى على الصين أو الولايات المتحدة.
كما يحذر وهيب الشركات المصرية التى تعتمد بشكل أساسى على استيراد وتوزيع العلامات التجارية الأمريكية أو الصينية من مواجهة تحديات تتعلق بتقلبات الأسعار، وتوافر المنتجات، وشروط الاستيراد المتغيرة.
متوقعا أن تشهد مصر تحولات فى أنماط الاستثمار الأجنبى المباشر؛ ففى حين قد تسعى بعض الشركات الأمريكية أو الصينية إلى تأسيس مقار لها فى مصر كجزء من إستراتيجياتها لتنويع المخاطر، فإن التوتر بالمنطقة قد يؤدى إلى إبطاء وتيرة القرارات الاستثمارية الكبري.
يرى وهيب أن الحكومة المصرية قد تحتاج إلى مراجعة أو تعديل بعض الاتفاقيات التجارية أو التعريفات الجمركية بهدف حماية الصناعات المحلية أو ضمان توفر السلع الأساسية بأسعار معقولة. كما قد يستدعى الوضع تشديد الرقابة من قبل الجهات المعنية على جودة المنتجات المستوردة لمنع استغلال الظروف الراهنة فى ترويج سلع غير مطابقة للمواصفات..مؤكدا حدوث تداعيات متعددة على المستهلكين والشركات.
من جانبه، يوضح الخبير الاقتصادى، هيثم كمال، أنه فى ظل هذه الأحداث العالمية، تبرز أهمية السياسات الداعمة للصناعة الوطنية والابتكار المحلى بهدف تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية مطالبا بوضع إستراتيجية وطنية للاستفادة من المتغيرات العالمية.
ويرى كمال أن مصر يمكنها استغلال رغبة الشركات العالمية فى تنويع مواقع إنتاجها لجذب استثمارات فى قطاعات محددة، مستفيدة فى ذلك من موقعها الإستراتيجى واتفاقياتها التجارية القائمة، مثل اتفاقية الكويز مع الولايات المتحدة واتفاقيات التجارة الحرة مع التكتلات الأفريقية والعربية.
مصر الفرعونية عرفت «العلامة التجارية»
أساتذة التاريخ: نقشته بالتطريز والطلاء والحفر والحرق
للبراند تاريخ حيث كان الحرفى القديم يضع علامة تميز منتجه ليقبل عليها المشترى دون غيرها، ثم ظهر الشغف باقتناء البراندات العالمية بصورة أكبر مع بداية القرن العشرين نتيجة التطور الإعلامى والإعلانى ثم وسائل التواصل الاجتماعى ورغبة البعض به فى التميز والفخامة والانتماء إلى الطبقات العليا.
د. أشرف مؤنس أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط السابق يّعرف العلامات التجارية أو «البراند» أنها رموز أو أسماء أو شعارات تستخدم لتمييز المنتجات أو الخدمات التى تقدمها شركة معينة عن تلك التى تقدمها الشركات الأخرى وهى تساعد فى بناء سمعة الشركة وتوفير الحماية القانونية ضد الاستخدام غير المصرح به للعلامة، موضحاً أن أنظمة حماية البراءات والعلامات التجارية تطورت مع إنشاء أول القوانين المنظمة لها فى أوروبا فى القرن التاسع عشر.
وفى العصر الحديث بدأت معظم الدول أنظمة دولية تتبع العديد من المعاهدات والاتفاقيات كمعاهدة برن «1886م» لحماية الملكية الفكرية واتفاقية تريبس (TRIPS) ، التى وضعتها منظمة التجارة العالمية لتوحيد معايير حماية الملكية الفكرية على مستوى العالم.
أما مفهوم «البرندات – Brandat» بشكله الحالى فقد ظهر، كما يشير أستاذ التاريخ الحديث، إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع تطور الصناعات والتجارة، وتطور وسائل الإعلام والإعلانات فى القرن العشرين.
وأخذت الشركات تبنى علاقة مع المستهلكين من خلال الإعلانات ووسائل الإعلام حتى أصبحت البرندات جزءًا من ثقافتنا اليومية.
وبالعودة للتاريخ القديم يحدثنا دكتور عبدالرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة عن مصر القديمة حيث كان العمل جماعياً لذلك لم يحدث أن وقع صانع على عمله بمفرده.
لكن نقل التجار المصريين القدماء البضائع وبيعها عن بعد أوجد فرصة كبيرة لهؤلاء التجار والصُناع لتوظيف العلامات من أسماء ورموز من خلال التطريز والطلاء والحرق والحفر على سلعهم كعلامات تجارية.
وقد ظهرت العلامات التجارية بشكل أوضح تحت الحكم الرومانى بعد معركة أكتيوم فى 31 قبل الميلاد وظهرت على شكل طوابع كعلامة تجارية رسمية عليها اسم وعلامة الصانع.
خامات جيدة + أسعار رخيصة = «مُنتَج محلى» ناجح
«لوكال براندز» مصطلح ظهر بشكل كبير فى السنوات الأخيرة لينتشر بين الشباب ويتطور استخدامه خاصة مع ظهور العديد من العلامات التجارية المحلية والتى تصل إلى أكثر من 8 آلاف علامة تجارية مصرية فما 95 ٪ يتم تسويقه والترويج له عبر الإنترنت.
وتنوع «اللوكال براندز» المصرى المنتشر حالياً لتشمل الملابس والأحذية والحقائب وأدوات الجميل والإكسسوارات وغيرها وتعتمد على وسائل التواصل والمواقع الإلكترونية للترويج لها وتسويقها والأكثر شهرة منها يعرض من خلال تأجير مساحات داخل المولات التجارية أو البازارات المنتشرة مؤخراً.
ملك منير «صاحبة مشروع ملابس» تكشف الكثير من الأسرار وكيف اقتحمت هذا المجال ونصائحها لكل شاب وفتاة يحلم بالدخول إلى هذا العالم: كغيرى من الشباب اعتدت شراء الملابس من الماركات المعروفة وفى سن معين أصبحت لا أجد ما هو مناسب ما بين ملابس الأطفال أو الكبار، مما دفعنى إلى التفكير فى مشروع براند للملابس يناسب المرحلة العمرية ما بين الطفولة والشباب، وبتشجيع من الأهل والأصدقاء كانت الخطوة الأولى باختيار اسم براند يكون معبراً عن هويتنا الثقافية وتاريخ مصر، والخطوة الثانية كانت تقديم أفضل جودة مقابل سعر مناسب واختيار الأقمشة عالية الجودة خاصة القطن وبشرائها بأسعار مخفضة والتعاقد مع عدد من المصانع للتفصيل وبعد عمل التصميمات التى تتناسب وطبيعة البراند وتتفرد بذوق خاص مع الاستعانة بالمختصين فى هذا المجال.
تضيف ملك: الأهم هو التسويق للمنتج من خلال الموقع الإلكترونى ووسائل التواصل وتصوير التيشيرتات والهوديز فى أماكن ذات طابع مصرى كالأهرامات والمناطق الأثرية والتراثية لتلائم طبيعة البراند، وعرضها بشكل شائق وجذاب مع عرض كامل التفاصيل عن الخامات والأسعار والمقاسات وطريقة التوصيل والدفع، وأحياناً نقوم بعرض المنتجات من خلال البازارات المنتشرة فى الفترة الأخيرة أو بتأجير مساحات للعرض بالمولات التجارية.
وتوجه ملك النصائح لكل شاب وفتاة يسعى للدخول فى هذا المجال فتقول: ان يعلم ان «اللوكال براندز» يختلف عن الماركات العالمية والسعى لتقديم منتج يتفق مع أذواق وتفضيلات الشباب وتلبى رغباتهم، وتقديم تصميمات مبتكرة تعبر عن أسلوبنا وتعكس شخصية كل فرد، ومعرفة احتياجات السوق المصرى والسعى للحصول على المواد الخام بأسعار رخيصلة مع تقديم خدمة متميزة.
يوسف عبدالرحمن أحد أشهر مسوقى البراند فى مصر يوضح أن أهم ما يميز المنتج المصرى حالياً أن أصحاب البراندات يخاطبون «الزبائن» عن طريق وسائل التواصل قبل البدء فى المشروع ويشاركونهم فى اختيار الاسم واللوجو واختيار الخامات وموديلات التفصيل، وهذا التواصل يجعل «الزبون» يشعر أنه شريك وليس مستهلكاً فيفضل المنتج ويكون أول المشترين.
«السعر ميزة إضافية» هذا ما أكده طارق السادات قائلاً: أسعار «اللوكال براندز» مناسبة مقارنة بالماركات العالمية فى حين أن خامات «اللوكال براندز» الأعلى جودة، وساهم انتشار البراندات وتعددها فى خلق تنافس فيما بينها والمستهلك هو المستفيد فى النهاية، أيضاً سهولة التعامل فى الشراء والتوصيل والاستبدال والاسترجاع يجعلها الأكثر إقبالاً.
دكتور أحمد حنفى «الخبير الاقتصادي» يؤكد أهمية هذه المشروعات التى تمتلك فرصاً واعدة للنمو وتوفير فرص عمل للشباب فى مجال ريادة الأعمال، لافتاً أن زيادة الإقبال على «اللوكال براندز» وعدم اقتصاره على فئات معينة سيعود بالأثر على تقليل وخفض الفاتورة الاستيرادية، مشيراً إلى ضرورة تعظيم دور الدولة فى دعم هذه المشروعات وتسهيل إجراءات تمويلها وتقنين وضعها مع توفير برامج مساعدة للتدريب والتطوير.