تناولنا فى المقالين السابقين كيف أن الأزمات الإقليمية والدولية جعلت مصر أمام تحديات كبيرة ومتنوعة لاسيما على المستوى الاقتصادى وأن الصمود المصرى ممكن لكنه مرهون بمتطلبات تضمن معه مواجهة كل من توالى زيادة الأزمات العالمية، وتعمق حالة عدم اليقين وذلك عبر خطة إستراتيجية تقوم على اتساق السياسات الاقتصادية، وربطها بإرساء دعائم مفاهيم الحوكمة، وتعزيز القدرة على تحمل أعباء الديون، لذا جاءت مشاركة مصر فى المؤتمر الرابع لتمويل التنمية فى أسبانيا، كمحاولة حقيقية لإصلاح نظام التمويل العالمى الذى يتسم بالتقادم والمعمق لفجوات التمويل، وأوجه عدم المساواة، وهو ما تقوم عليه الدولة المصرية مؤخراً عبر تنفيذ مجموعة من الإصلاحات المنهجية تقوم على الشمول، والمساواة، والفاعلية فى النظم المالية، والأهم أنها تستمد منهجيتها من روح ثورة 30 يونيو التى أعادت مصر إلى مسارها الصحيح.وها نحن اليوم نجنى الثمار بالمشاركة فى إعادة رسم خارطة العالم الاقتصادية بل والسياسية حيث تشارك مصر فى مؤتمر تجمع دول البريكس فى البرازيـل وهى المجموعـة التى تضــم دولا تمثل قــرابة نصف سكان الكرة الأرضية، ويبلغ ناتجها المحلى الإجمالى نحو 30 تريليون دولار يمثل 28 ٪ من الناتج المحلى العالمى، وتنتج ما يقارب 35 ٪ من الحبوب عالميا، وهو ما يعكس الثقل الاقتصادى الكبير لأعضائها.. ولكن ما يجب أن نشيد به هو أن بشائر جنى ثمار الإصلاح الاقتصادى واستقرار الأوضاع الأمنية فى مصر وعضوية تجمع بريكس، قد بدأت بالفعل عبر الترويج للسياحة المصرية، خاصة فى ظل اقتراب افتتاح المتحف المصرى الكبير، وقيام مصر بالمشاركة فى رسم خارطه طريق اقتصادية عالمية تقوم على تعزيز التعاون الاقتصادى والمالى والنقدى بين البنوك المركزية وزيادة تمكين التسويات المالية بالعملات المحلية، وهو أمر يستقيم مع رسالة بنك التنمية الجديد التابع لبريكس، والذى وافق على منـــح قروض تصـــل قيمتهــا إلى 35 مليار دولار لتنفيذ ما يقارب 100 مشروع، خاصة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وسعى الدول الأعضاء للقيام بهذه الخطوة. ويجب أن ندرك أن الدخول فى تحالف بريكس له أكثر من معنى أولا تنويع الشراكات الاقتصادية وفتح أسواق جديدة. ثانياً أن انضمام مصر لتحالف بريكس فتح لها إمكانية الحصول على قروض تمويلية من بنك التنمية الجديد، وبمزايا أفضل . ثالثاً أن تحالف بريكس يعطى الفرصة للدول الأعضاء بزيادة التجارة البينية بالعملة المحلية مع دول البريكس، وهذا يقلل إلى حد كبير الضغط على الاحتياطى النقدى، وأيضا فتح لمصر باب لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول الهند والصين والبرازيل.
وأخيراً فإن التأثير الحقيقى لتحالف بريكس يكمن فى توافر الإرادة على خلق المساحة والرؤية اللازمتين لتحقيق مصالحنا المشتركة فى مجالات متعددة، وهو ما يلبى وضع خارطة طريق اقتصادية أكثر عدالة وإنصافا.