تشهد الساحة الإقليمية فى السنوات الأخيرة حالة غير مسبوقة من الصراعات والتوترات السياسية والأمنية، امتدت من الخليج إلى الشام، ومن شمال أفريقيا إلى القرن الإفريقى.
وبنظرة سريعة على الدول المجاورة لمصر، نجد مشهدًا عبثيًا فى غاية العجب، حيث تتسابق الأطراف إلى المواجهة، وفى النهاية لا يربح أحد.
سواء فرض طرف ما إرادته مؤقتًا على خصومه، أو انتزع مساحة سياسية أو عسكرية أكبر، فالخسارة الأكبر تبقى للشعوب وأيضا من ظن انه انتصر.
دمار، نزوح، انهيار اقتصادى، تفكك اجتماعى، وضياع مستقبل الأجيال القادمة.
أزمات لا تنتهى، وأثمان باهظة تدفعها الأسر العربية من دماء أبنائها وحياة أطفالها.. المؤلم فى الأمر أن هذه الصراعات ليست دائمًا نابعة من إرادة الشعوب أو حتى من صراعات طبيعية على السلطة والثروات، بل هناك أيادٍ خفية تلعب فى الكواليس.
قوى دولية وإقليمية، تعمل بمنهجية دقيقة لإبقاء المنطقة فى حالة من عدم الاستقرار الدائم، حتى تظل خاضعة للنفوذ والهيمنة، وسهلة الاستغلال اقتصاديًا واستراتيجيًا.
المخطط قديم فى جوهره، جديد فى شكله، فبدلاً من الاحتلال العسكرى المباشر، ظهرت أدوات جديدة أكثر دهاءً: حروب بالوكالة، تحريض طائفى، دعم جماعات متطرفة، تشويه للوعى الجمعى، وضرب لاقتصادات الدول.
إنه استعمار بـ»نيولوك» جديد، يتخفى وراء شعارات زائفة من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وسط هذا المشهد، تظل مصر بثقلها ومكانتها هدفًا أساسيًا لهذه المخططات، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافى ووزنها السياسى، بل لأنها حجر الأساس فى استقرار المنطقة.. ولهذا تحاول بعض القوى إضعافها اقتصاديًا وسياسيًا، أو استنزافها على حدودها، دون أن تدرك أن مصر بشعبها الواعى ومؤسساتها الوطنية قادرة على إفشال أى مخطط مهما كانت أدواته.. واللافت فى هذه الصراعات أن الشعارات التى تُرفع ليست إلا ستارًا زائفًا.
لا أحد فى حقيقة الأمر يقاتل من أجل مستقبل الشعوب، بل كل طرف يسعى خلف مصالحه الخاصة.. وقوى كبرى تريد السيطرة على الثروات والممرات الإستراتيجية، وجماعات متطرفة تتاجر بالدين وتستغل الأزمات.. وهكذا تحولت المنطقة إلى ساحة صراع مصالح، والضحية الوحيدة فيها هو المواطن.
السؤال الآن: إلى متى تظل المنطقة رهينة لهذا الصراع المفتعل؟
الإجابة تبدأ من وعى الشعوب وقياداتها، ومن الإيمان بأن لا أحد سيحمى أوطاننا إلا نحن.
ما يدبَّر فى الخفاء للمنطقة أكبر بكثير مما يظهر فى العلن، وما لم تستفق الشعوب وتتحرك الأنظمة نحو وحدة الموقف والمصير، ستبقى نار الصراع مشتعلة، ولن يكون هناك فائز سوى المتربصين بنا.