آلمتنا جميعا الحادثة التى راحت ضحيتها 19 نفسا بشرية فى اصطدام الميكروباص الذى كان يقلهم بسيارة نقل مما أدى إلى وفاة 18 فتاة بالإضافة إلى سائق الميكروباص.. وثبت فى هذا كله أن الحادث سببه سائق نقل خرج بسيارته فجأة إلى الاتجاه المعاكس ليصدم به مباشرة الميكروباص المنكوب.. وقد حاولت الأبواق المشبوهة استغلال الحادث لأسباب سياسية لا تستند إلى أساس.
الخطأ متكرر دائما لعدم اتباع قواعد المرور.. واختلال السائق نفسيا وعقليا نتيجة تناوله مادة مخدرة.. وهو ما يقتضى ضرورة اخضاع كل سائقى النقل إلى اختبار دائم للمخدرات.. واتخاذ كل التدابير التى تمنع تكرار مثل هذه الحوادث.. وهو بلا شك أمر يدركه المسئولون فى قطاعات الطرق والمرور.
المأساة فى هذا الحادث أن الفتيات كلهن من قرية واحدة هى كفر السنابسة.. وكن متوجهات إلى إحدى مزارع العنب لجنى محصول العنب مقابل أجر يومى مائة وثلاثين جنيها للفتاة.. وهو مبلغ تافه مقابل عمل يستمر طوال اليوم.. لكن الفتيات وأسرهن كن محتاجات إلى هذا المبلغ الزهيد لتدبير أمور حياتهن.. ثم جاءت الحادثة ليفقدوا بناتهم وأيضا مصدر معيشتهم.
ولكن الحادث بلا شك هز ضمائر المصريين جميعا وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أمر برفع قيمة تعويض التضامن الاجتماعى ليصل إلى ثلاثة أرباع مليون جنيه لأسرة كل ضحية وسبعين ألف جنيه لأسرة من جرح.
ولأن المجتمع المصرى مازال بخير والحمد لله فإن أحد رجال الأعمال الذى لم نعرف اسمه.. جزاه الله خيرا.. تبرع بمليونى جنيه لأسرة كل ضحية بإجمالى تبرع وصل إلى 38 مليون جنيه.. كما تبرعت سيدة أعمال بمبالغ أخري.. جزاها الله خيراً.
وما يدعو هنا إلى التعجب أن الضحية فى هذا الحادث نالت أسرته مليونين وسبعمائة وخمسين ألف جنيه فقط.. وكل جريحة سبعين ألف جنيه.. مع أن أوضاع الجميع واحدة وكلها أسر شبه معدومة الدخل.. وكان أفضل لو منحنا أسر الجرحى نصف قيمة التعويض ونصف قيمة التبرع.. مما يجعل الأمر مقبولا.. وهو أمر مازال فى الإمكان تداركه.
ولا شك أن هذه الأسر تحتاج إلى التوجيه بشأن استغلال هذا المبلغ ليدر عليهم دخلا مناسبا يعيشون به بدلا من انفاقه.. وهذا دور يمكن أن تقوم به وزارة التضامن الاجتماعى أو إحدى مؤسسات أو جمعيات العمل الأهلي.. فى توجيه الأهالى إلى حسن استثمار هذا المبلغ بما يكفل الحفاظ عليه مع توفير دخل شهرى إلى جانب المعاش الذى قررته التضامن الاجتماعي.
وللأسف فإن هذا المعاش مازال يدور فى أرقام هزيلة ربما فرضتها لوائح قديمة حان أوان تغييرها لتتناسب وتدهور القيمة الشرائية للجنيه.. ولهذا فإن معاش ألف وخمسمائة جنيه شهريا لأسرة كل ضحية هو مبلغ هزيل بكل المعايير.
تبرع أحد رجال الأعمال بثمانية وثلاثين مليون جنيه دفعنى إلى التفكير فى تبرع آخر لصالح القرية كلها.. نستطيع أن نحصل لهذه القرية على خمسين مليون جنيه من رجال الأعمال.. أو يتكفل بها بنك من البنوك الكبري.
ماذا نصنع بهذا المبلغ؟
نفتح آفاق الرزق لأبناء القرية.. ببناء مصانع لصناعات زراعية وريفية واجتماعية يعمل فيها أبناء القرية ويستفيد الاقتصاد أيضا.. مصنع ألبان.. ومنتجات زراعية. مشغل لفتيات القرية.. ويستطيع خبراء التنمية المجتمعية والتنمية الريفية أن يحددوا ما هو ملائم لهذه القرية ليكون نموذجا لقرى أخري.
وأنا هنا أرجو أن نفتح الباب لرجال الأعمال.. ليتبنى الراغبون منهم قرية من قرى الريف المصرى الأكثر احتياجا.. فى مشروع يحمل اسم «تبنى قرية».. قد تكون القرى التى ولدوا بها أو المحافظات التى جاءوا منها.. ليردوا الجميل إلى قراهم ومحافظاتهم ويأخذوا بأيدى إخوانهم فى إنشاء مشروعات فى هذه القرى تفتح المجال أمام تنميتها وتشغيل أبنائها.
ولهذا أدعو رجل الأعمال الذى تبرع لضحايا أبناء كفر السنابسة بمبلغ ثمانية وثلاثين مليون جنيه.. أدعوه إلى أن يكون أول من يسهم فى مشروع تبنى القرى الريفية.. ويمكن أن يشرك معه عددا من زملائه فى هذا التبني.. لتكون قرية كفر السنابسة نموذجا لمشروع تبنى القري.
دور قرية كفر السنابسة فى مبادرة «حياة كريمة» يحين فى المرحلة الثانية منها.. ويمكن فى هذه الظروف ان نستثنى هذه القرية ويتم التعجيل بتنفيذ هذه المبادرة فيها.. ليسير جنبا إلى جنب مع مشروع تبنى القرية.
نريد أن نحول محنة قرية كفر السنابسة إلى منحة من الله.. لاصلاح هذه القرية، وفتح أبواب رزق لشبابها وفتياتها وأهلها بشكل عام.. وعلينا أن نسارع باستغلال التعاطف المجتمعى الكبير مع الضحايا وأهلهم لانجاز عمل كبير لخدمة التنمية المجتمعية والريفية بشكل عام.. وأنا هنا أدعو جريدتنا «الجمهورية» لاحتضان مشروع تبنى القرى بداية بقرية السنابسة.. ولى تجربة سابقة فى هذا عندما تبنيت فى صفحة السياحة مشروع بناء وحدات فى قرية الأمل «SOS» أضافت إلى القرية 18 وحدة إقامة مجهزة بكل معداتها.
بالمناسبة ستبقى العمالة الزراعية جزءا مهما فى الحياة فى الريف.. وهى أما عمالة دائمة فى فلاحة الأرض أو عمالة مؤقتة فى جنى المحاصيل وفى كل الأحوال علينا أن نبحث عن وسيلة لضبط أجور كل هذه الفئات فى الحدود المقبولة.. وقد يبدو الأمر صعبا.. ولكنه ليس مستحيلا.
فى الستينيات كانوا يتيحون الفرصة لشباب المدارس الصناعية والتجارية للسفر فى إجازات الصيف إلى ألمانيا للمشاركة فى معسكرات لجنى المحاصيل.. وكانوا يأخذون أجورا.. وتتاح لهم فرصة السفر والتعرف على الحياة فى ألمانيا.. مثل هذا ممكن أن يكون فى مصر.