ولا حديث اليوم فى أى موضوع آخر.. اليوم نتحدث عن حرائق غامضة فى تاريخ مصر.. حرائق لا نعرف.. هل كانت بسبب الإهمال.. هل كانت بسبب عدم الصيانة وسوء الاستخدام.. أم أنها بفعل فاعل قد يظل مجهولا.. ولكنها على أية حال حرائق تتعلق بتاريخ مصر والبنيان الحضارى لمصر.
ففى 28 أكتوبر من عام 1971 وقفنا نشاهد حريقا هائلا التهم أقدم دار أوبرا فى إفريقيا وفى الشرق الأوسط وهى الأوبرا التى افتتحت فى الأول من نوفمبر عام 1869 لتصبح رمادا فى عام 1971.. وحتى اليوم لم نعرف أسبابا محددة للحريق الذى التهم قيمة حضارية لا تقدر بثمن.
وأول أمس عشنا نفس المشهد.. النار تلتهم سنترال رمسيس التاريخى الذى افتتح فى عهد فؤاد الأول فى 25 مايو 1927.. وهو المبنى الذى شهد فيما بعد تطويرا وتحديثا وظل كما هو قاعدة الاتصالات الرئيسية فى مصر.
>>>
كم كانت الدموع تنهمر من أعيننا ونحن نرى النيران وكأنها ليست فى السنترال فقط وكأنها امتدت إلى بيوتنا تحاصرنا.. تحركنا بلهيبها تثير فينا المخاوف والمواجع وتفتح الباب أمام كل الاحتمالات وكل التساؤلات وكل السيناريوهات.
وقبل أن نبدأ الحديث حول الحريق فإننا ندعو بالرحمة للشهداء من موظفى السنترال الذين حاصرتهم النيران ولم يتمكنوا من النجاة وندعو للمصابين بالشفاء العاجل.. جنودا كانوا يؤدون الواجب عندما حاصرتهم النيران.
ونتوجه بالشكر لكل رجل إطفاء كان على استعداد للتضحية بحياته من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
والتحية كل التحية لرجال مصر من المواطنين الذين تجمعوا يمدون يد العون لرجال الأطفال ويحملونهم فوق أيديهم لتمكينهم من الصعود لبعض الأماكن التى كانت تحتاج إلى جهد للتسلق وتوصيل خراطيم المياه.
ونتحدث.. نتحدث عن شعب مصر فى الأزمات شعب مصر الذى تجاوب مع كل النداءات بالهدوء والصبر والتكاتف حتى تعود الاتصالات وتستمر الحياة.
>>>
وكان يوما عصيبا.. يوما عدنا فيه إلى أجواء سنوات سابقة كنا نعانى فيها من صعوبة الاتصالات.. يوما أعادنا لعصور أخرى بكل ما يعنيه ذلك من شلل فى الكثير من أوجه الحياة.. يوم يذكرنا بأن هناك خطرا قد يأتى من يمثل خطرا داهما لا نعرف له أبعادا أو أهدافا.. يوم يقول ويحكى ويفسر لنا الكثير عما يمكن أن نواجهه وما الذى ينبغى أن نكون على استعداد لمواجهته.
وحين نراجع أحداث هذا اليوم.. وحين نبدأ فى دراسته ما حدث.. وحين نستوعب أيضا ما حدث فإن أمامنا الكثير للدراسة والتحليل والتدقيق.. أمامنا حرائق عديدة متلاحقة وقعت فى الفترة الأخيرة وكتب صاحب هذا المكان يحذر منها ويذكر بها ويدعو إلى تتبع أسباب وقوعها.. وهل كانت عن طريق الصدفة أو أنها بفعل فاعل ينخر فى البنيان المصرى ويثير الفوضى ويقيس ويمهد لسيناريوهات وأهداف خفية غامضة.
وأيا ما كان الأمر.. وأيا ما كانت الأسباب فإننا سنتجاوز كل ذلك.. وجبهتنا الداخلية القوية ستظل متماسكة وأهدافنا الوطنية المتفق عليها ستبقى واحدة.. ولن يكون هناك إلا مزيد من الإرادة المصرية القوية.. مزيد من التلاحم والثبات.. مزيد من الاصرار على تحقيق المشروع العظيم لمصر فى تخطى أزماتها الاقتصادية وبناء جمهوريتنا الجديدة.. جمهورية التطور الحضارى المقترن بالاستقلال الوطنى فى قرارنا المستقل وسيادتنا على أراضينا وتمسكنا بالأرض ـ بالشرف ـ بالكرامة.
وقد تحدث الحرائق.. وتأتى مفاجآت أخري.. ولكنها مصر.. نحن قادرون على امتصاص كل شيء.. قادرون على أن تمضى المسيرة ولا خوف على مصر.
>>>
وأخيراً:
>>>
المبالغة فى إظهار التجاهل أقصى درجات الاهتمام.
>>>
ورافق من يشعرك بحلو الأيام عندما تكون مرة.
>>>
وترحل كل القوافل ولا تبقى فى المرسى إلا قافلة من نحب.
>>>
وتبقى بعض الرسائل لها عطر الورد لا نمل رائحتها.