تجتمع وسط الضجيج العالمى والتوترات الجيوسياسية
يأتى اجتماع البريكس فى مدينة ريو دى جانيرو بالبرازيل فى نسخته الـ 17 والتى يشارك فيها د.مصطفى مدبولى وسط ضجيج عالمى وحالة تأكل الثقة والتوترات الجيو سياسية وفوق هذا وذاك هذا القابع بالبيت الأبيض يقف بالمرصاد برسومه الجمركية التى يقف بها فى وجه العالم بهذا العقاب الجماعي.. اخذت مجموعة البريكس أو نادى المشاغبين استراحة تكتيكية لتدرس ماذا تفعل وهناك أبرز المحركات للأسواق العالمية فى حالة من العطب بسبب رجل التعريفات الجمركية ويتميز هذا الاصدار من البريكس هذا العام بعدم حضور رئيس الصين حيث يحضر رئيس وزرائه كما يحضر الرئيس بوتين عبر الفيديو كونفرانس وهنا يبرز السؤال العالق دوماً هل الأرض مهيأة هذا العام لاجتماع نادى المشاغبين ومن يريدون الانضمام إليه أم تبعثرت الأوراق واختلطت الأمور والمصالح.. مع تهديدات ترامب المستمرة تغيرت القراءات وأصبح هناك ملف جديد اسمه «دبلوماسية الإكراه» مما يجعل مجموعة البريكس تذهب الى واقع جديد فى التعامل مع ترامب صاحب بنك الأهداف المفتوحة والدوائر التى تصنع الفراغ والتهديدات المستمرة بعدم السماح بالهيمنة على الدولار واللافت للنظر أن المجموعة تحاول هذه المرة طرح رؤية جديدة لإصلاح المؤسسات متعددة الأطراف ومعالجة الفجوة التمويلية فى البنية التحتية للدول النامية.
ووضعت مجموعة البريكس فى اعتبارها التغيرات التى طرأت على الصعيد العالمى وفرص الدول الناشئة وتعزيز التعاون بالعملة المحلية تحت عنوان عريض هو تقليص مخاطر التمويل وضمان الاستثمار حيث يحاول الاعضاء طرح رؤيتهم فى الأزمات العالمية.
التفاصيل شحيحة لأن الصين تتبنى موقفا متحفظا لأنها فى مفاوضات دائمة مع ترامب وتؤمن بسياسة منتصف العصا لمجموعة تمثل نصف سكان العالم و40٪ من الناتج المحلى الإجمالى للعالم واتساقا مع هذا يتساءل الرئيس البرازيلى هل ينتهى القرن الواحد والعشرون كما انتهى القرن العشرون بدون حل لهذه العملة المتوجهة المتمثلة فى الدولار فرسوم ترامب تعرقل فكرة الاستغناء عن الدولار.. وهل هناك إجماع قوى على تكملة المشوار مع بريكس أم أن رسوم رجل التعريفات الجمركية تهدد التكتل خصوصاً أن سياسات ترامب بها تحولات جذرية مفاجئة تفتقر إلى الوضوح خاصة سياسته التجارية وعزمه على إلغاء نظام التجارة العالمية الذى يراه غير عادل لأمريكا وعمالها.
وياتى الاجتماع فى لحظة حرجة يمر بها العالم والاقتصاد العالمى بعدما خفض صندوق النقد الدولى توقعاته للنمو العالمى بسبب تبعات الرسوم الجمركية والحروب الحمائية لترامب.
إن إنهاء أحادية القطب تواجه تحديات وحالة التنويع الاقتصادى التى تطمح لها دول البريكس تمثل تعددية حقيقية فى العلاقات الدولية وبوتين يقول ان البريكس تتفوق على مجموعة السبع فالبريكس تنظر فى 30 طلباً قدم إليها فالكل يسعى إلى تسوية المعاملات بعيدا عن الدولار والناتج المحلى لدول البريكس أكبر من مجموعة السبع ويقول سيد الكرملين إن مجموعة البريكس تستعد ليكون لها دور أكبر فى صناعة القرارات الدولية أن المجموعة تهتم بشفرة المعادلة السياسية والاقتصادية والأمنية والصين تسير حتى لو ببطء نحو فك الاستحواذ للدولار الامريكى على سوق الطاقة وخاصة أسواق النفط حيث صار اليوان عملة ثابتة تفرضها بكين على الأسواق وقد تدفقت استثمارات البريكس فى النصف الأول من هذا العام وتعدت الـ 250 مليار دولار لدول التكتل.
ان العالم وصل إلى مرحلة صعبة من الشعور بالألم وعدم الامان والاكراه الاقتصادى و جاءت الانفراجة بتجمع البريكس الذى يعد احدى ركائز النظام العالمى الجديد كمجموعة اقتصادية اختارت المسار الإجبارى بالاتجاه نحو التعددية فالعالم لن يقف عند دولة واحدة فلا بد من الصعود الجماعى للدول الناشئة التى عانت كثيراً خصوصا أنه أصبح هناك قدرة على حل ومناقشة القضايا الحرجة ومعالجتها التى يمر بها الجميع فى ملفات التجارة الدولية والتمويلات الميسرة وأمن الطاقة وتغير المناخ وسطوة الغرب على مفاصل اقتصاد العالم بالدولار.
لقد ابتكرت مصر لنفسها نهجاً جديداً فى الاتجاه نحو البريكس مع الحفاظ على التوازنات العالمية واجتهادها فى اللحاق بالتكتلات الاقتصادية فهى تفكر خارج الصندوق وفى نفس الوقت تملك مفتاح هذا الصندوق فمصر هى نافذة بريكس على الشرق الأوسط وافريقيا ومحطة اساسية للحزام والطريق.
وكان قرار توسعة العضوية قرار حكيم فى زيادة الحيز للمجموعة وإحداث نوع من المزايا والتوازن والخروج من القطبية والقيادة الواحدة خصوصاً ان كتلة المجموعة الاساسية البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب افريقيا تمتلك اكثر من 36 ٪ من الناتج المحلى العالمى وحوالى 45 ٪ من سكان العالم وميزانية التجمع الاساسية اكثرمن 44 تريليون دولار وتسيطر هذه الدول على 24 ٪ من حجم مساحة العالم وحجم التجارة حوالى 28 ٪.
وكلما زادت مساحة العضوية زادت المساحة الجغرافية والشريحة السكانية ومعها تكسر هيمنة الدولار والوقوف أمام الغرب بأفكاره المدمرة.
وهنا يفرض الامر علينا سؤال هام وهو .. هل تستطيع دول البريكس قطع غصن الشجرة التى يجلس عليها كبار المصرفين فى العالم كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولي.. بالطبع هذا ممكن ولكنه غير مؤكد فمن الممكن ان يحل بنك التنمية الجديد الذى بلغ رأس ماله حوالى 100 مليار دولار وأتاح لأعضائه فى الفترة القصيرة الماضية أكثر من 33 مليار دولار وهى تمويلات ميسرة تخرج من البنك لتخفيف الاعباء عن الدول فى مشروعاتها للبنية التحتية وتحقيق معدلات النمو ولذلك يمكن التعويل عليه فى المرحلة القادمة، كذلك لا ننسى صندوق البريكس لدعم النمو والتنمية على المستوى الدولى وهو يمثل الخطوة الأولى فى مخطط المجموعة وهو الهدف غير المعلن فى انشاء مؤسسات رديفة للمؤسسات الاقتصادية الدولية العالمية لتحرير العالم من القيود، فهل هذا السيناريو الحالم يمكن ان يصبح ممكناً؟
هذا ما سنراه الفترة القادمة.
السؤال الهام الذى يطرح نفسه فى أول بادرة تأتى على الذهن لماذا دخلت مصر البريكس وما الفائدة وهل هناك عائد فى النهاية على بطل قصة هذا الوطن؟
ومن خلال العرض القادم سنجيب عن مدى أهمية البريكس لمصر ومدى اهمية مصر للبريكس فلاشك أن فكرة الانضمام إلى مجموعة البريكس تحدث نوع من التوازن الداخلى فى العديد من المؤشرات الاقتصادية خاصة فكرة الاستغناء عن الدولار وضغطه على الاقتصاد المصرى وتخفيف زيادة الطلب عليه مما يمثل خطوة مهمة فى استمرار نجاح الاقتصاد المصرى فى تأدية دوره فى المرحلة القادمة بعد المعاناة الشديدة فى عمليات الاستيراد وتوفير المواد الخام كما ان فكرة خروج الدولار من المشهد ولو بعد مدة يحقق توازن ايجابى فى سوق السلع وكافة الصناعات مما يؤدى إلى خفض تدريجى للاسعار فى محاولة لكبح جماح التضخم .
وهناك نقطة هامة يجب أن ينتبه إليها المواطن المصرى بطل قصة هذا الوطن وهى أن إنضمام مصر وقبول عضويتها هو أبلغ رد على المتشككين والمدعين فالبريكس لن تجامل أحدا ولن تماهى أحدا ومؤسسة بلومبرج عندما علقت على قبول عضوية مصر والسعودية والإمارات قالت إن هذه الاقتصادات من الدول العشر الأولى اقتصاديا 2030.
لاشك ان الدولة المصرية تسعى بكل مجهوداتها إلى زيادة الاستثمارات الداخلة إلى السوق المصرى بماله من مردود على السوق المصرى فى فتح آفاق جديدة للمشروعات التى تزيد مساحة فرص التشغيل وقد بلغت قيمة استثمارات دول مجموعة البريكس فى مصر 2.198 مليون دولار خلال العام المالى 20/22 مقابل 9.016 مليون دولار خلال العام المالى 02/12 بنسبة ارتفاع قدرها 9.54 ٪ وبدخولنا الى مجموعة البريكس سوف تزيد كمية وقيمة الاستثمارات من دول مجموعة البريكس التى لها مشروعات فى محور قناة السويس وبدخول مصر الى العضوية يمكن لدول المجموعة زيادة فرص الاستثمار وتوطين الصناعات المتقدمة تكنولوجياً.
حجم التبادل التجارى بين مصر ودول مجموعة البريكس يقدر بحوالى 25 مليار دولار وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء المصرى العام الماضى وبعد دخول مصر إلى العضوية لاشك ان هذا الرقم سيتضاعف وزيادة حجم التبادل التجارى تنعكس بشكل مباشر و غير مباشر على مواطنى هذه الدول ومنها مصر لتوافر السلع بوجود حيز كبير من التبادل التجارى مما يؤدى الى نقلة نوعية فى الأحوال الاقتصادية.
كما أن من الفوائد التى تجنيها مصر من انضمامها للبريكس أو لبنك التنمية الجديد منها ما هو اقتصادى وما هو خاص بهذه المرحلة الهامة التى يمر بها العالم فإحدى المبادرات التى تشارك فيها بريكس حالياً هى تحويل التجارة إلى عملات بديلة قدر الامكان سواء كانت وطنية أو إنشاء عملة مشتركة وهذا يمثل فى حد ذاته خطوه هامة فى كسر هيمنه الدولار وإنقاذ أى اقتصاد يستورد معظم احتياجاته والاستيراد بالعملة المحلية وربما انشاء عملة موحدة فيما بعد فانضمام مصر يسمح لها بالحصول على قروض و تمويلات ميسرة من البنك التنموى التابع للتكتل والسداد بالعملة المحلية يرفع عن كاهل الدولة حصار مفردات صندوق النقد الدولى واشتراطاته بالإضافة إلى أن دعم المشروعات بالعملة المحلية الخاصة يدعم البنية التحتية والتنمية المستدامة للدول المشتركة فى المجموعة ويأتى مع التبادل بالعملة المحلية تحسين شروط التجارة الخارجية وتوسيع حجم تصدير المنتجات المحلية وتعزيز التنافسية مع العديد من الدول و جذب الاستثمارات لقطاعات بعينها.
والحكومة المصرية تعمل فى عدة اتجاهات لتخفيف العبء عن الجنيه المصرى الذى ظلم كثيراً بسبب ضغط الدولار وهنا نرى ان مصر فتحت الباب نحو معاملات تجارية بدون الدولار من خلال دول البريكس وخصوصاً الهند و الصين وروسيا وهذه الخطوة بمثابة انفراجه للأزمة على المدى المتوسط والمدى البعيد والتمهيد لادراج الجنيه فى التعاملات الدولية خاصة وأن دول البريكس لديها نفس التوجه للتحرر من هيمنة الدولار والتعامل بالعملات المحلية.
فدخول مصر الى هذا التكتل يدعم مسألة الأمن الغذائى المصرى خصوصاً ان التبادل بالعملات المحلية سيؤدى إلى التيسير فى الحصول على الحبوب والغلال وهنا ايضاً تفتح مصر اسواقاً جديدة لما تنتجه من منتجات زراعية فنحن لنا مكانة فى اسواق العالم ونستطيع فتح اسواق اقتصادية جديدة للتصنيع الزراعى.
ففاتورة الواردات المصرية ستنخفض بنسبة30 ٪ وذلك عند التعامل بالعملة المحلية دون اللجوء الى العملة الصعبة فمصر مثلاً تستورد من الصين وحدها بأكثر من 15 مليار دولار ومع التحالف و دخول البريكس لن تلجأ للدفع بالعملة الاجنبية وبالتالى سيكون من السهل ايضاً تصدير المنتجات المصرية وفتح آفاق جديدة لزيادة الصادرات المصرية فى طريق حلمنا للوصول الى صادرات قيمتها 100 مليار دولار وهذا بالتأكيد يحتاج الى التركيز فى المرحلة القادمة على توطين اكثر للصناعة للاستفادة من التنوع الموجود بالتكتل لنفاذ الصادرات المصرية الى اسواق التكتل فنظام الدفع المشترك سيتجاوز كل التحديات الموجودة وهنا يأتى دور الدولة المصرية فى فتح ملفات جديدة سريعة الوتيرة فى الشراكات الصناعية والزراعية.
وبالانتقال إلى ملف المكاسب التكنولوجية فالعالم حالياً فى مراحل الذكاء الاصطناعى والروبوت والبصمة الجينية ولذلك فدخول مصر الى البريكس لاشك وسيلة هامة لنقل البحوث والابتكارات وشبكة التلسكوبات والبيانات الذكية لدول البريكس وهى شبكات الاستشعار عن بعد لمشاركة البيانات مع جميع وكالات الفضاء فى مجموعة البريكس ولذلك سيستفيد الجيل القادم والحالى من مشاركة البيانات لمواجهة تحديات مثل تغير المناخ العالمى وحماية البيئة واستخدام منصات التكنولوجيا مفتوحة المصدر وابحاث الابتكار الـسريع للثورة الصناعية الرابعة.
لاشك ان مصر بانضمامها للبريكس سيعزز من قدرتها على الابتكار فى مجال الطب الدوائى بصناعات طبية وتبادل المواد والخبرات اللازمة للتصنيع الدوائى والتكامل بين دول البريكس خصوصاً هذا المجال الحيوي.
ولاشك أن التمويلات الميسرة تعتبر من اهم مزايا تجمع البريكس بعيداً عن تمويلات المؤسسات المالية وبديلاً عنها لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة فى الاقتصادات الناشئة ويؤمن الدول من الشروط القاسية والفوائد العالية التى تفرضها المؤسسات المالية مما يؤدى إلى فرض مزيد من الديون والفوائد والضغوط التى يتحملها فى النهاية المواطن البسيط وهنا تأتى اهمية دخول البريكس للخروج من نفق زيادة التضخم وارتفاع الاسعار ومحاولة تخفيف العبء عن كاهل الاقتصاد المصرى وزيادة الاستثمارات الداخلة بالإضافة إلى ذلك *فتح آفاق جديدة لملف السياحة بالشريحة الكبيرة السكانية لدول البريكس وملف السياحة ملف شامل وداعم للاقتصاد المصري.
وانعطافا على ماسبق نجد أن أجواء ومعنويات البريكس هذا العام باهتة وكل السيناريوهات تصل الى مفترق طرق وتنتظر ما سيقرره رجل البيت الابيض ومدى قدرته على مواجهة هذا التكتل.