في الماضي، كانت الأمية هي غياب القدرة على القراءة والكتابة، ولكن يبدو أننا على أعتاب مفهوم جديد للأمية، فرغم كون الشخص قادرًا على القراءة والكتابة، فإنه لن يكون قادرًا على الإبداع واستخدام المفاهيم الرياضية والحسابية المتوسطة.
إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن الاعتماد المبالغ فيه على أدوات الذكاء الاصطناعي يفقد الإنسان قدرته على الإبداع وقدرته على الكتابة والقراءة وتحليل البيانات بشكل ملائم وصحيح تماما، وهو ما يسرّع الوصول إلى المجتمع الأمي.
على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن تراجع المهارات الكتابية لدى الأجيال الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الدراسة والعمل، يكمن التحدي الحقيقي في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في المهام الأكثر تعقيدًا.
الخطر الأكبر هو أن يصبح المجتمع غير قادر على أداء الحسابات المعقدة أو كتابة الأكواد البرمجية، إذا ما استمر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذه المهام. فكيف يمكن أن يؤدي هذا الاعتماد إلى مجتمع “أمي” في مجالات أساسية مثل الحسابات والبرمجة؟
بعد انتشار نماذج الذكاء الاصطناعي، تخلى الباحثون عن مهاراتهم الذاتية، معتمدين على “شات جي بي تي”، ليقوم بكتابة الكود وتحليل البيانات ثم تقديم النتيجة النهائية لهم، دون الحاجة لكتابة أي كود أو قراءة البيانات ومحاولة فهمها وتحليلها.
وفي تصريح سابق، قالت “جوجل” إن أكثر من 25% من أكواد الشركة مكتوبة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وكذلك الحال مع “مايكروسوفت” التي تتشارك النسبة ذاتها، وقامت بحملة إقالات تجاوزت الآلاف حول العالم، وبالمثل “أمازون” و”أوبن إيه آي”.
ومن جانبها، تحاول “أوبن إيه آي” استثمار أكثر من 3 مليارات دولار للاستحواذ على شركة “ويند سيرف”، التي تملك أداة تساعد في كتابة الأكواد البرمجية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، في خطوة لتقليل الاعتماد على المبرمجين البشر.
ويبدو أن هذا التوجه أصبح عالميا، إذ أشارت التقارير إلى أن الشركات توقفت عن تعيين مهندسي البرمجة للمبتدئين لينخفض إجمالي أعداد التوظيف في كبرى الشركات التقنية إلى صفر بعد أن كان يصل إلى الآلاف يوميًا.
وفي حين ترى الشركات أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ضرورة مستقبلية، فإن مثل هذا النفور من تعيين المبرمجين البشر قد يتسبب في اختفاء المؤسسات التعليمية المسؤولة عن تخريج المهندسين وعلماء الحاسب، في خطوة تماثل التخلي عن العمالة اليدوية البشرية تزامنا مع الثورة الصناعية.