الوضع فى غزة
معقد جدًا
تتسارع التصريحات خلال الساعات القليلة الماضية حول إمكانية التوصل إلى صفقة لإنهاء الحرب فى غزة, وهذه المرة التصريحات تأتى من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نفسه وهو الذى لطالما تفاخر بأنه رجل الصفقات لكن الحقيقة على الأرض تقول إن ملف غزة أكثر تعقيدا وأن الحديث عن نهاية دائمة للحرب لا يزال سابقًا لأوانه.
الرئيس ترامب الذى يستقبل نتنياهو الاثنين فى البيت الأبيض للمرة الثالثة قال أنه سيكون حازماً جداً معه بغية التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة،, وأشار إلى أن نتنياهو أيضا يريد وقفاً للحرب! وهذا فى رأيى تصريح تخطى كونه مغلوطا ليصبح مستفزا.
الولايات المتحدة سواء فى فترة إدارة بايدن أو حتى بعدما عاد ترامب للبيت الأبيض كانت راعية لانتهاكات نتنياهو وداعمة وممولة لحرب الإبادة الجماعية فى غزة.. ومن ثم فالثقة فى التصريحات الأمريكية غير متوفرة.. ولو كانت ثمة نية هذه المرة لإبرام صفقة، فما لا شك فيه أنها ستكون صفقة على المزاج الإسرائيلي,فليست هناك صدفة فى السياسة ولا نستبعد أن تكون هناك تفاهمات سرية بين واشنطن وتل أبيب، لإنهاء هذه الحرب,لكنها فى الأخير ربما تكون نهاية على طريقة الأفلام الأمريكية التى ينتصر الشر فيها.
الولايات المتحدة تعلن الآن عن مقترح معدل للمبعوث الأمريكى ستيف ويتكوف يتضمن هدنة تصل إلى 60 يوما، كما تُبذل جهود لصياغة بند يمنح حماس ضمانات بعدم استئناف الحرب من قِبل إسرائيل، من دون أن يتضمّن إنهاء رسميا للحرب، وأتصور أنه رغم ما يقال عن أن حماس تبدى مرونة فى الموقف الأخير لكنها لن تقبل فكرة عدم إنهاء الحرب رسميا بشكل دائم.
حتى لو تفاخر نتنياهو بتصفية قادة حماس وشل قوتها العسكرية, فالحقيقة التى ينكرها أن إسرائيل لم تحقق أيا من أهداف الحرب، التى أعلن عنها مساء السابع من أكتوبر 2023. الوضع فى غزة معقد جدا ولا يشبه الوضع فى لبنان ولا فى إيران، حماس حركة تخوض حرب عصابات ويدعمها السكان وتحتجز مخطوفين وفكرة القضاء عليها كليا تبقى فكرة وهمية,ومن ثم فنتنياهو يعتبر البقاء فى الحرب, بقاء سياسى له رغم كل الظروف فهو عالق بين ضغوط الداخل الإسرائيلى والملاحقات القضائية التى تحاصره وبين ضغوط تحالفه اليمينى المتطرف الذى يهدده دائما بالخروج من الحكومة وإسقاطها لو خرج من غزة, وزيرا الأمن القومى إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش يعرقلان أى صفقة لتبادل الأسري, فلديهما أجندة سياسية معادية لفكرة وجود دولة فلسطينية من الأساس ويعتبران إعادة احتلال غزة وتهويد القدس والضفة الغربية هدفا مشروعا.
السؤال: ما مدى جدية الإدارة الأمريكية فى وقف هذه الحرب؟، ومن يضمن للفلسطينيين, ألا يكون انخراط ترامب هذه المرة لدعم نتنياهو وإنقاذه مثلما فعل معه فى حرب الـ 12 يوماً مع إيران, فالرئيس ترامب يبدو أنه يريد إنهاء الحرب فى غزة، لكنه فى الوقت ذاته يتجنب الضغط على نتنياهو المطلوب لـلمحكمة الجنائية الدولية, بل يدعمه فى قضايا الفساد التى تطارده وذهب بعيدا فى هذه المسألة, حين طالب بإسقاط محاكمته, واعتبرها أشبه بمطاردة الساحرات فى تدخل واضح فى شأن إسرائيلى داخلى من أجل عيون نتنياهو!
فى ظل التناقض بين الواقع والمعلن من قبل الإدارة الأمريكية,لا يمكننا نسيان مقترح الرئيس الأمريكى «ريفيرا الشرق الأوسط» الذى يقوم على تهجير سكان غزة والاستيلاء عليها لا أظن أن الرئيس ترامب نفسه قد نسيه.
تبقى رؤية إدارة الرئيس ترامب لمنطقة الشرق الأوسط، أسيرة مصالحها وتصوراتها البراجماتية وحامية لحليفتها إسرائيل مع التركيز على صفقات ظرفية, وتبقى فرص تحقق أى من سيناريوهات التسوية الدائمة مربوطة بتطورات التفاعلات السياسية الداخلية.
أخيرا: حتى لا نكون متشائمين؛ هناك بالفعل احتمالات حقيقية لتحقيق اختراق قريب للموقف المتأزم منذ شهور وقد تصدر من واشنطن تصريحات رسمية عن استئناف المفاوضات خلال الأيام المقبلة، والنقاشات تتركّز حالياً حول انسحاب الجيش الإسرائيلى من قطاع غزة، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية، والصياغات التى ستُقدَّم لحركة حماس بشأن إنهاء الحرب, لكن كل هذا حتى يتحقق مرهون باستجابة نتنياهو لضغوط الرئيس ترامب, إن صح وجود ضغوط منه لإنهاء الحرب.