لا يهمنى من أمر الفنان إذا تزوج مرة أو عشراً لأنها أمور تدخل تحت بند «الخاص».. لأن السؤال الأهم ما هى قيمة هذا الفنان فى مجاله؟.. وهل يستحق النجاح الذى حققه أم أن هناك من سبقه لأسباب قد تكون أحياناً غير فنية.. وعندما سألوا الشاعر الكبير نزار قبانى: كيف تحققت شهرتك الواسعة وهناك من هو أشعر منك وأبلغ؟.. وكانت إجابته: إنها الإدارة الناجحة للموهبة أو قل العلاقات العامة خاصة مع الإعلام ومعرفة كيف ألاغيه أضف إلى ذلك الأصوات التى غنت لى خاصة عبدالحليم حافظ ونجاة وكاظم الساهر وغيرهم.
وأكثر الأسئلة التى واجهت المطرب الكبير محرم فؤاد: لقد بدأت حياتك الفنية بالسينما وأمام موهبة صاعدة هى سعاد حسنى وتحت إدارة مخرج خبير من نوعية هنرى بركات وفى حدوتة شعبية شهيرة هى «حسن ونعيمة».. بعكس غالبية أهل الغناء لم تنظر إليهم السينما إلا بعد أن حققوا نجاحاً فى مجال الأغنية.. ومع ذلك لم يستمروا فيها وكان هذا هو الحال مع عبدالمطلب وقنديل وكارم وفايزة ورشدى والتلبانى والعطار.
وفى ذلك كان ابن بولاق وشبرا يقول: نعم كنت محظوظاً بالسينما لكن الغناء بالنسبة لى كان هدفى وهمى الأكبر.
ومع ذلك سنجد أن رصيد محرم 14 فيلماً وهو عدد يقل بفيلمين فقط عن عبدالحليم حافظ منافسه بين أبناء جيله.. ولكن كان أكثر نجاحاً.. وهو ما ينطبق أيضاً على محمد فوزى وكان يسبقه قليلاً والفترة التى عاشها محرم فى لبنان أنتج خلالها ٤ أفلام ومن الأسباب التى أخرت محرم تواجده خارج البلاد لسنوات.. فى وقت لم تكن وسائل الإعلام أغلبها محلية وفى حديث تليفزيونى قال إن مسألة الخروج من البلد بتأشيرة عطلت حفلاته العربية.. وفى لبنان كان يسافر بحرية قبل أن يتم إلغاء تأشيرة الخروج.
ومن الناحية الفنية ورغم تعامله مع كبار الملحنين رياض السنباطى وعبدالعظيم محمد وبليغ حمدى إلا أنه كثيراً ما لحن لنفسه وتوهج حليم فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.. راجع إلى علاقته بجمال عبدالناصر وكان حاضراً بصوته فى كل خطوة يخطوها الوطن حتى لقبه النقاد والجمهور بصوت الثورة وكان يناطح أم كلثوم فى ذلك بقوة وقد حكى كيف قدم فريد الأطرش أغنية «يا واحشنى رد عليا ازيك سلامات» إلى حليم لكنه لم يقبلها فكانت من نصيب محرم ومن أنجح ما غنى.. أما عن رأيه وكان صريحاً فيما يقول فقد اعترف أن حليم هو كروان جيله مثلما أشاد بصوت محمد قنديل.
على الحصيرة
هو ابن المعاناة فبعد وفاة والده وقبله والدته.. وهو صغير السن.. كانت ميوله الفنية فى الغناء سبب فى هروبه من التعليم الأزهرى وكان والده يحلم لابنه أن يستثمر صوته فى تلاوة القرآن الكريم ومثله الأعلى فى ذلك الشيخ محمد رفعت لكن الصبى قرر أن يواجه الحياة كما يريدها وحيداً.. فعاش على الأسطح وغنى فوق الحصير وعلى ضوء الكلوبات فى أفراح القرى والكفور.. حتى ابتسم له الحظ ونجح أن يتواجد فى ركن الهواة بالإذاعة وقدم أغنيته الأولى «أسمر وحليوة» من ألحانه.. وكان يرى أن دراسته للموسيقى تسمح له بذلك.. بعكس حليم الذى اكتفى بالغناء وكان تخصصه فى المعهد العزف على آلة الأبوا.. بينما من درسوا فى قسم الأصوات مثل الموجى وكمال الطويل اتجهوا للتلحين.
وقد جمعته صداقة قوية مع بليغ الذى وصفه بأنه عشرة العمر.. لكن حليم عرف كيف يأخذ من بليغ ما يريد وفى نفس الوقت الذى ارتبط فيه بمحمد عبدالوهاب وشاركه فى تأسيس شركة صوت الفن.. كما أخذ من الطويل والموجى أجمل الألحان.
وما يقال عن محرم رغم شهرته الكبيرة يقال بشكل أو بآخر عن عبدالعزيز محمود ومحمد قنديل وكارم محمود وكلها أصوات لا تتكرر بينما استفاد محمد رشدى من تخصصه فى الصوت الشعبى وانفراده به لدرجة أزعجت حليم وجعلته يقدم بعض الأغنيات فى هذا اللون.. الذى تفوق فيه رشدى.
روشتة محرم
أعماله متنوعة وفيها الوطنى والعاطفى والدينى: الحلو داير شباكها، رمش عينه، إوعى تكون بتحب يا قلبى، سلامات يا حبايب، والنبى لنكيد العزال، أنا عايز صبية.. لكننى أتوقف طويلاً أمام واحدة من أجمل ما غنى بل إنها تتجاوز ذلك لكونها روشتة يقدمها الدكتور محرم إلى كل جميلة وقد غناها فى فيلم «الملكة وأنا» إنتاجه ووقتها كان مرتبطاً بملكة جمال العالم جورجينا رزق وكانت بطلة الفيلم أمامه.. والأغنية كتبها مرسى جميل عزيز ولحنها محمد الموجى «1975».. وغير صحيح أنها من ألحان محرم كما جاء فى بعض المواقع.. وقد اكتملت فيها كافة أركان العمل الغنائى الناجح من حيث الكلمة واللحن والأداء.. بل والرسالة التى تحملها بشكل لطيف حيث تقول:
دارى جمالك دى العيون بصاصة
دارى جمالك دى الرجال قناصة
دارى جمالك كل نظرة رصاصة
يا وردة فى حضن النسيم رقاصة
لا كل نظرة بريئة مية المية
ولا كلمة حلوة تبقى تحية
خايف عليكى من سلامة النية
ده اللى ظلمنى وفرح الناس فيا
قلبى وسلامة نيته وإخلاصه
مهلك.. على مهلك واحدة واحدة
ضحية الصياد غزالة شاردة
وحاسبى لكل شاردة وواردة
تحت الرماد يا حلوة قايدة
والشوك فى غصن الوردة
يحمى الوردة
والميه ياما تكدب الغطاسة
وقد لاحظت فى السنوات الأخيرة أن الشباب صغير السن توقف أمام أغانى محرم ووجد فيها بعد كل هذا العمر وبعد رحيل صاحبها بـ 23 سنة.. ما لم يجده فى أغانى أبناء جيله.. لأن هناك فارق بين شاعر مثقف له وجهة نظر فى أغنية يكتبها.. وآخر مجرد ناظم يرص بعض الأبيات إلى جوار بعضها بالوزن والقافية لكنها تخلو من الفكرة ووحدة الموضوع.