محمد حافظ إبراهيم هو ذلك الشاعر المصرى ذائع الصيت الذى أطلق عليه أمير الشعراء بلقب شاعر النيل كما لقب ايضاً بشاعر الشعب . ولهذا اللقب البديع الذى نسبه وجعله من ابناء النيل بلا منازع قصة ومبدع مصرى عشق اللغة العربية فظهرت موهبته بطريقة نادرة ملفتة حيث اعتبر اهل الادب شعره سجل للأحداث ، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعاً لشعره ويملؤه بما يجيش فى صدره ، حيث كان يسجل من ماء قلبه وأجزاء روحه ويصوغ منها أدباً قيماً . ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على نهر النيل امام ديروا وهى مركز بمحافظة أسيوط ، من اب مصرى وام من أصول تركية . توفى والده وهو صغير أتت به أمه إلى القاهرة حيث نشأبها يتيماً تحت كفالة خاله الذى كان يعمل مهندساً فى مصلحة التنظيم وعندما انتقل خاله إلى مدينة طنطا درس فى كتاب . درس حافظ فى المدرسة الخيرية فى القلعة ثم فى مدرسة المبتديان ثم الخديوية الثانوية لكن دراسته النظامية انقطعت بسبب انتقال خاله إلى مدينة طنطا التى بدأ الدراسة فيها بالجامع الاحمدى ليحفظ القرآن ويدرس الادب والشعر . التحق بعد ذلك بالمدرسة الحربية عام 1888 وتخرج منها عام 1891 برتبة ملازم ثانى فى الجيش المصرى وبعد تخرجه فى المدرسة الحربية انتقل للعمل بوزارة الداخلية ثم أرسل إلى السودان مع الحملة المصرية عام 1896 ، ولم يطل وجوده فى البعثة فعاد إلى مصر وتمت إحالته للاستيداع حيث قبل تعيينه رئيساً للقسم الادارى بدار الكتب المصرية عام 1911 وظل بها حتى احيل للمعاش عام 1932 قبل وفاته ببضعة اشهر . وذكر عن شاعرنا انه احدى عجائب زمانه ليس فقط فى جزالة شعره بل فى قوة ذاكرته والتى قاومت السنين ولم يصبها الضعف على مر 60 عاماً هى عمره فقد اتسعت ذاكرته لآلاف القصائد العربية القديمة والحديثة ومئات المطالعات و الكتب وكان بإستطاعته بشهادة أصدقائه ان يقرأ كتاب او ديوان شعر كامل فى عدة دقائق وبقراءة سعيدة ثم بعد ذلك يتمثل بعض فقرات هذا الكتاب او أبيات ذاك الديوان . وروى عنه ايضاً انه كان يسمع قارئ القرآن فى بيت خاله يقرأ سورة الكهف او مريم او طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالرواية التى سمع القارئ بها . ومثلما يختلف الشعراء فى طريقة توصيل الفكرة او الموضوع إلى المستمعين والقراء كان لحافظ ابراهيم طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه استعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة . من اروع المناسبات التى أنشد فيها حافظ شعره بكفاءة حفلة تكريم احمد شوقى ومبايعته أميراً للشعر فى دار الأوبرا الخديوية وكذلك القصيدة التى أنشدها ونظمها فى الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل والتى خلبت الألباب . كان حافظ إبراهيم رجلاً مرحاً وابن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس بشاشته وفكاهته الطريفة ويحكى عنه مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد للمال حتى قال عنه العقاد مرتب سنة فى يد حافظ إبراهيم تساوى مرتب شهر ومما يروى عن غرائب تبذيره انه استأجر قطاراً كاملاً ليوصله إلى حلوان حيث يقيم لان مواعيد العمل الرسمية قد انتهت . وكان احمد شوقى يعتز بصداقته وبفضله على آصدقائه وكان حافظ يرافقه فى اغلب رحلاته كما كان لشوقى أياد بيضاء عليه حيث ساهم فى منحه لقب بك . وقال عنه اهل الشعر والأدب الكثير من المدح فقال خليل مطران «أشبه بالوعاء يتلقى الوحى من شعور آلامه واحاسيسها ومؤثراتها فى نفسه فيمتزج كل ذلك بشعوره وإحساسه فيأتى منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذى يحس كل مواطن انه صدى لما فى نفسه » وقال عنه العقاد « مفطوراً بطبعه على إيثار الجزالة والإعجاب بالصياغة والفحولة فى العبارة » . توفى حافظ إبراهيم عام 1932 ليدفن فى مقابر السيدة نفيسة ليرثيه أمير الشعراء احمد شوقى قائلاً «كنت أوثر ان تقول رثائى يامنصف الموتى من الاحياء» .