استغرقنا طويلا فى الحديث عن التحولات الكبرى التى يشهدها العالم سواء على المستويات السياسية والاستراتيجية وصولا إلى التحولات الاقتصادية، نتحدث فى برامجنا ونكتب فى مقالاتنا عن تداعيات تلك المتغيرات على الاقليم الذى نعيش فيه وصولا إلى التأثيرات المباشرة على مصر، لكن ألاحظ اننا «سرقتنا سكينة السياسة» واخذتنا الظروف الاستثنائية التى تمر بها المنطقة إلى مناطق نائية عن جغرافية الواجب والضرورة، نهتم كثيرا بالعناوين البراقة عن الترتيبات السياسية والأمنية، ونهمل – ربما عن غير عمد – ما أطلق عليه «الترتيبات الاجتماعية»، فكل ما يجرى حولنا له تأثير مباشر على البنيان المجتمعى فى اى دولة، ومصر بالتأكيد مرت بفترة شديدة الصعوبة والتعقيد، وهى الفترة من 2010 وحتى الآن، ويمكن عمل رصد سريع لأهم الاحداث التى جرت فى مصر وغيرت الكثير من الثوابت المجتمعية، يمكن البدء بفترة الفوضى الشاملة التى سبقت يناير 2011 حيث ضعف السلطة واختطاف الإعلام أدى إلى حركة 2011 التى كانت اهم واخطر نتائجها هو خروج الاخوان من جحور الارهابيين إلى قصور الحكام، بدأ الاخوان يضربون مفاصل الدولة ويشوهون مؤسساتها حتى قامت ثورةً الثلاثين من يونية 2013، والتى أطاحت بالإخوان وحكمهم فانتفضوا محاولين إشعال النار فى الدولة المصرية ومؤسساتها لكن الشعب كان لهم بالمرصاد، انتهت صفحة الاخوان وبدأت صفحات جديدة من التحديات، الارهاب ومحاربته والتنمية وانطلاق عجلتها وسط كل هذه الظروف، استطاعت الدولة ان تنتصر فى كل معاركها وتشيد ما لم يكن يحلم به اشد المتفاءلين حيث ارتفعت نسبة المعمور من مساحة مصر إلى 14٪ بعدما استمرت لمئات السنين لا تزيد عن 6٪ بعدها تعرضنا لجائحة كورونا ثم حرب روسيا واوكرانيا وأزمة سلاسل الامداد ثم أزمة السيولة الدولارية وارتباك سعر الصرف والتضخم والضغوط الشديدة على الاحتياطى الأجنبي، بعدها اندلعت الحرب فى غزة وامتدت نيرانها لتشمل لبنان واليمن وسوريا واخيراً ايران، كل ما سبق نتابعه ونتابع آثاره ونحاول ان نتنبأ بنتائجه القريبة والبعيدة، لكن – وهذا هو بيت القصيد – ما هى حزمة الآثار الاجتماعية جراء كل تلك الاحداث السياسية والاقتصادية؟ لماذا كان اهتمام الجميع ينصب فقط على الأرقام والإحصاءات المرتبطة بالمكاسب والخسائر جراء هذه الصراعات، لم ينتبه أحد إلى ما جرى للنسيج المجتمعى فى مناطق النزاعات ومناطق إيواء النازحين وكل الدول المحيطة لهذه النزاعات ونحن فى مقدمتها، وبعيدا عن البكاء على اللين المسكوب ارى ان هناك حزمة من التغيرات الاجتماعية الناتجة عن جملة تلك الاحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية تحتاج إلى رصد وتحليل، هذه التغيرات منها ما هو إيجابى حيث ارتفاع منسوب الوعى والشعور الوطني، فى نفس الوقت جاءت تلك المتغيرات بنتائج سلبية حيث وجدنا ظواهر اجتماعية شديدة الخطورة تحتاج إلى انتباه وتنبيه وتنبه.
أولا: صعود الاخوان وفشلهم وازدواجيتهم وتناقضهم ثم سقوطهم أدى إلى ارتباك لدى طبقة من المغيبين فكان فكر الالحاد.
ثانيا: فتح منصات إعلامية لفلول الاخوان فى الخارج برعاية اجهزة استخبارات اجنبية وتجنيد العديد منهم للنيل من مصر عمق صناعة وتجارة الشائعات فباتت ظاهرة مجتمعية خطيرة.
ثالثا: نمو افكار « أنا مالى – مليش دعوة « بشكل مقلق لدى الكثير من الشباب صغير السن.
رابعا : كل مخاطر السوشيال ميديا تضافرت واثرت سلبا على المجتمع ونخبه وإعلامه.
خامسا: تحول المجتمع إلى مجتمع عصبى وغاضب لأتفه الأسباب فظهرت حالات عنف وقتل غريبة على المجتمع المصرى الهادئ المسالم.
سادسا: التدين الظاهرى بات ظاهرة رغم قدمها إلا انها باتت خطيرة جدا.
سابعا: انتشار الادمان وتعاطى المخدرات بين قطاعات عريضة من الشباب وغياب دور الأسرة فى ذلك والدخول فى موضة الشذوذ والمثلية والحرية الجنسية.
ثامنا: تراجع قيم الإنجاز والتفوق والتعليم امام القيم المادية التى تسللت إلى المؤسسات والأسر المصرية بشكل بات مقلقا.
تاسعا: لعب البعض على سيادة شعور الأمل لدى البعض من غياب تكافؤ الفرص والمساواه وتفعيل معايير الكفاءة بعيدا عن الواسطة والمحسوبية والمعايير المادية، عاشرا : سهولة العبث فى مزاج المصريين بشائعة واحدة محكمة والتحكم فى خفض الروح المعنوية للامة من خلال بعض وسائل الإعلام ذات التوجهات، هذه حزمة من الظواهر المجتمعية التى تحتاج إلى وقفة من اجل صياغة «الترتيبات الاجتماعية» الضرورية .