منذ مطلع التاريخ تحظى مصر بنساء عظيمات وملهمات استطعن أن يسطرن إنجازات.. ويصنعن تاريخاً ويساعدن فى إعادة بناء وتشييد مجد بلادهن على مر التاريخ وفى مختلف عصورها القديمة والحديثة والمعاصرة.
واستعان المجلس القومى للمرأة فى مصر بكتابات تضمنت قصص نجاح المرأة المصرية فى صناعة التاريخ والمجد من خلال الصفحة التى تنشرها «الجمهورية الأسبوعى» نساء فى تاريخ مصر.
وقدمت هذه الصفحة سلسلة من نساء عظيمات وملهمات على مدار شهور تقدم فيها قصة وحكايات وإنجازات عظيمة للمرأة المصرية عبر العصور المختلفة وحتى العصر الحالي.. وبالرغم من أن جميع من قدمن فارقن الحياة ولكن ظلت أعمالهن وما قدمنه يملأ صفحات تاريخ مصر.. واليوم نستعرض مسيرة «السفيرة عزيزة» وهى ليست بالطبع سعاد حسنى مع فيلمها الشهير ولكنها السفيرة عزيزة حسين رائدة العمل الاجتماعى فى مصر والعالم.. حيث عاشت حياة حافلة بالإسهامات فى العمل العام والاجتماعى.
صُنفت عزيزة حسين كونها واحدة من بين 27 رائدة نسائية طورت التنمية فى العالم. فكانت أول عربية ترشح للجنة المرأة بمنظمة الأمم المتحدة. وأول من وضع تنظيم الأسرة على أجندة المنظمة.
وحيث إننى عشت هذه الفترة المهمة فى السبعينيات وسافرت معها وأيضاً مع د.ماهر مهران الذى كان وزيراً للسكان والأسرة ثم رئيساً للمجلس القومى للسكان الذى مازال موجوداً حتى الآن يقدم المقترحات لقوانين لخفض الزيادة.
ولا أنسى أبداً أننى سافرت مع السفيرة عزيزة حسين لعدة دول وكذلك كانت السفريات للدول العربية والدول الأوروبية لحضور مؤتمرات ولتقييم قوانين تنظيم الأسرة ليظهر فى مصر لأول مرة مؤتمر دولى للسكان شارك فيه كثير من رؤساء العالم وكل المهتمين بمشكلة الحد من الزيادة السكانية من أجل التنمية وترأست أيضاً عزيزة حسين الاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة بالانتخابات مرات عدة.. وكانت أول من تحدث عن صحة المرأة الإنجابية فى مصر.
وكانت عزيزة حسين من أوائل من كتبوا عن الحقوق القانونية للمرأة وأول من أنشأت حضانة فى ريف مصر.
ناضلت عزيزة حسين، المولودة عام 1919 بقرية «ميت يعيش» مركز ميت غمر، طوال حياتها، من أجل قضايا المرأة المصرية. فهى أول سيدة مصرية تمثل بلادها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1954، ومنحها الرئيس جمال عبدالناصر نيشان الكمال عام 1954 وشاركت فى صياغة الاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة عام 1962. كما قادت عزيزة حركة تنظيم الأسرة عام 1963. ورأست جلسات المجلس الدولى للرعاية الاجتماعية مطلع السبعينيات، واجتماعات اليونسكو فى باريس 1978. كما تولت المصرية القديرة منصب رئيسة الاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة خلال الفترة بين عامى 1977 و1983، لتضع البرنامج المصرى للقضاء على ظاهرة ختان الإناث وتنشئ أول جمعية مصرية للتأمل الذهني.
شهادات «ميت يعيش»
يقول عبدالعزيز دحروج، نجل ابن عمها وكان قريباً منها «عزيزة هى ابنة السيد حسين دحروج، ووالدتها تنتمى إلى الأسرة الأباظية بالشرقية. لم تنجب عزيزة من زوجها الدكتور أحمد باشا حسين. ولها شقيقتان هما ليلى وعصمت، وشقيقان هما محمد إكرام وحسين، وقد توفوا جميعاً».
وأضاف دحروج أنه مازال يتذكر ما عايشه طفلاً من زيارة السفير الأمريكى الأسبق جيفرسون كافرى إلى قرية «ميت يعيش» برفقة السفيرة عزيزة لافتتاح مركز اجتماعي، يضم وحدة صحية، وحضانة، ومعمل أجبان، ووحدة نسيج وحلج. وكانت الأرض المخصصة للمركز، ومساحتها فدانان، متبرعا بها من جانب الحاج عيدروس سبع، تم اقتطاع جانب من مساحتها لإقامة أول ناد ريفى فى مصر بـ «ميت يعيش»، وافتتحه حسين الشافعى عضو مجلس قيادة الثورة عام 1954. ويضيف دحروج: كثيراً ما اصطحبت عمتى عزيزة بعض المشاهير والفنانين إلى زيارة ميت يعيش، وكانت صاحبة رصيد عظيم من التكريمات والجوائز داخل مصر وخارجها، وتحديداً من جانب منظمة الأمم المتحدة.
أما محمد إبراهيم حسن، أحد أبناء «ميت يعيش»، فأكد اعتزاز قريته بأنها مسقط رأس شخصية نسائية مؤثرة تمثل فخرا لعموم المصريين. لكنه يتمنى أن تطلق الجهات المعنية اسمها على أحد المعالم أو المبانى تخليدا لذكراها وتعريفاً للأجيال الجديدة بما قدمته لوطنها وللإنسانية.
عميدة العائلة
تقول عزيزة سامي، الكاتبة الصحفية بـ «الأهرام ويكلي» وابنة شقيقة السفيرة عزيزة: لم أتأثر بها لأنها خالتى وبمثابة والدتي، ولا لأننى أمضيت معها أياما كثيرة من عمري، ولكننى تأثرت بسماتها التى برزت فى أحلك ظروف الحياة، وكذلك بما تمتعت به من روح متزنة ودماثة الخلق مع قوة وصلابة وعقل حاد الذكاء متجاوز لزمانها. فضلا عن قدرتها على التعامل بمزيج من الشجاعة والحكمة ودون عنف.
وتضيف عزيزة سامي: رغم حصولها على تكريمات وثناء كبير فى محافل الحياة العامة، كما كان من لقائها الزعيمة الهندية الخالدة أنديرا غاندي، أو حضورها غداء مهما على هامش محادثات «كامب ديفيد» الشهيرة، أو حتى ما تردد من تكرار نصيحة الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لبناته بأن يكن مثل عزيزة حسين. ولكنها لم تكن تبدى اكتراثا عظيماً بكل هذا الثناء والاهتمام.
وفى شهادة الكاتب الصحفى جمال زايدة، زوج ابنة شقيقة عزيزة حسين، قال إنها كانت شخصية عظيمة وإيجابية إلى أبعد الحدود دائمة الحركة ولم تشك يوما وكانت تقرأ وتتابع كل جديد ولها علاقاتها الدولية المتشعبة.
وأضاف أنه وأسرته يفتقدون عاداتها القديمة بزيارتهم شبه اليومية، واندفاعها بحب إلى غرف الأبناء للاطمئنان عليهم. ولفت إلى أن آخر المناسبات التى جمعته بها كانت رحلة إلى إسبانيا قبل وفاتها بأربعة شهور، وكانت خلالها مليئة بالحيوية رغم كبر سنها. ويروى زايدة ما كان من شهادتها حول اختيار الرئيس عبدالناصر لزوجها، وهو باشا من رجال ما قبل الثورة سفيرا فى أمريكا، وكيف خاض معركة رفض البنك الدولى وأمريكا تمويل بناء السد العالي. وأوضحت أن زوجها كان من دعاة الإصلاح الاجتماعى فى العصر الملكي، وله كتاباته وكتبه فى هذا المجال.
مذكرات السفيرة عزيزة
كتبت عزيزة حسين مذكراتها بنفسها باللغة الإنجليزية، باستخدام جهاز «كمبيوتر» وهى فى سن الـ 93 عاما، وأصدرتها فى كتاب شهد طرحه إقامة حفل للتوقيع بمكتبة «ديوان» بالزمالك. وترجمت المذكرات إلى اللغة العربية فى كتاب لم يصدر بعد تحت عنوان «حياتى بين ثورتين».
ومما ورد فى شهادة عزيزة حسين بهذا الكتاب، حول وصف منزل أبيها: أن المنزل مؤلف من مبنى بالأرضيات الخشبية القديمة من ناحية، وشقة عصرية بالأسمنت المسلح من ناحية أخري. والمبنيان متصلان ببعض فى السطح بعدد من الشرفات تطل على حديقة مزروعة بالورد وأشجار الـ «كاسيا نودوزا»، و»الجهنمية»، التى تخترق شجر البرتقال والأفوكادو ونخل التمر وشجر الكركديه المزدهر».
وتكشف عزيزة حسين فى مذكراتها عن مغادرة أسرتها منزلهم فى الدقي، هرباً إلى مزرعة القرية، بعد أن هدد الألمان باقتحام القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية. وكيف اخترق بهم قطار الدلتا الصغير الغيطان، إذ كان يعرف بأنه القطار الرابط بين جميع القري، ويتوقف فى أماكن معينة فى طريقه إلى «ميت غمر». وأشارت إلى أن والدها كانت له عيادة يعالج فيها نصف مرضاه دون أجر، بل يعطى المحتاجين منهم ثمن الأدوية.
فى كتابها حج الروح تسرد عزيزة حسين تفاصيل مدهشة عن خبايا قصور الحكم وأحداث السياسة فى تشابكها مع ذكرياتها منذ نشأتها الأولى فى زفتى حتى العاصمة الأمريكية واشنطن، والمؤتمرات العالمية التى كانت من أبرز فاعليها,على مدي50 عاماً، ورفضها منصب وزيرة الشئون الاجتماعية وعلاقة زوجها بالملك فاروق والرئيس عبدالناصر، كاشفة عن خفايا جديدة ربما لم تكن معلومة عبر صفحات كتابها الذى صدر أخيراً بالإنجليزية، عن دار ساراى للنشر وستصدر ترجمته العربية بعنوان حياة بين حربين. زمن جميل لكنه عاصف ترسم ملامحه رائدة التنمية الاجتماعية ورئيس الاتحاد الدولى لتنظيم الاسرة بالأمم المتحدة سابقا عزيزة حسين.
يكشف كتاب عزيزة حسين أيضا بتواضع شديد النقاب عن نشاطها المرموق فى مجال العمل المدنى فى مصر منذ أكثر من 56 عاماً عندما اختارتها الحكومة المصرية كأول امرأة تحتل منصباً فى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بأوضاع المرأة، وتستعيد ذكرياتها الخاصة بفترة رئاستها لوفد مصر عام 1978 فى المنتدى الدولى للمرأة والسكان والتنمية وجهودها فى مجال تنظيم الاسرة ومشاركتها فى المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر السكان الذى عقد فى القاهرة عام 1994 وإنشائها أول حضانة فى ريف مصر ومساهمتها فى حملات التوعية بمخاطر ختان الإناث، ولم يغفل الكتاب آراءها المستنيرة فى العمل العام وانتماءها السياسى للوطن ولفظها للانظمة الديكتاتورية بحكم تربيتها ونشأتها الليبرالية، وتأثير والدها الدكتور سيد شكرى الذى تصفه بأنه كان مناصراً للمرأة، وله آراء مهمة بالنسبة لدور المرأة فى المجتمع من منطلق تأثره بقاسم أمين والشيخ محمد عبده وجمال الدين الافغانى ورفاعة الطهطاوي.
فى الفصل الأول للكتاب تسرد عزيزة أدق التفاصيل عن عائلتها وطفولتها السعيدة بين زفتى وميت غمر والتى كانت تشبه بودابست التى تقع على نهر الدانوب. حيث التحقت الصغيرة بمدرسة راهبات بزفتى لتعود فى المساء لفيلا ذات طراز معمارى نادر أنيق على كورنيش ميت غمر. حيث عاشت طفولتها وسط المصريين والمجتمع الأجنبي، حيث اختلط اليونانيون باليهود والإنجليز والسويسريين، وتنقل لنا تفاصيل عن الحياة فى ميت غمر وذكريات إعلان يوسف الجندى استقلال جمهورية زفتي..! وتصف مستشفى زفتى الذى أنشأه والدها، سيد بك شكري، واستقباله للمشاهير مثل الموسيقار محمد عبدالوهاب وأمير الشعراء أحمد شوقى الذى كانت تربطه صلة دم بزوجها أحمد باشا حسين.. وكذلك عزيز أباظة وتشجيعه وعلى رأسهم أم كلثوم إلى أن أصبحت كوكب الشرق الفعلية ونجاة الصغيرة. وتقدم لنا عزيزة حسين عالمها المشع بالحب، وإعجابها بأسرتها وذكرياتها عن أفرادها ومنهم شقيقتها الراحلة الدكتورة ليلى شكرى عالمة الاجتماع الشهيرة، وبنت شقيقها الصحفية اللامعة عزيزة سامى بالأهرام ويكلي، التى تفرغت أخيرا لتأسيس مؤسسة عزيزة حسين للتنمية البشرية.
ثم تعرج على حياتها فى الداخلية بالميردى ديو، عندما انتقل والدها من ميت غمر إلى القاهرة، وذكرياتها بالكلية الأمريكية للبنات، مع صديقات عمرها جمعتها مثل إحسان عبد الغفار الكاتبة بأخبار اليوم من أولى السيدات اللاتى اقتحمن العمل الصحفى مع عزيزة ثابت وخيرية خيرى إلخ…
ويكتسب الفصل الرابع أهمية بالغة لأن الرائدة عزيزة حسين تتناول بإسهاب التزامها المبكر بالمجتمع المدنى وانشطتها العديدة بدءاً بنادى سيدات القاهرة وانضمامها لجمعيات خيرية مثل تحسين الصحة، والمشاركة فى يوم المستشفيات. كان نادى سيدات القاهرة مدرسة حقيقية للعمل المدنى والتربية الديمقراطية تحت رعاية زوجة العالم النفسانى الكبير الدكتور بهمان البلجيكى الأصل والجنسية.
يتناول الفصل السادس محطة حياتها فى فيلا شارع رشدان، حيث كان جيرانها عائلة عبدالغفار الأصدقاء القدامى لوالدها, وخلفها سكنت تحية كاريوكا، أيضاً جاورهم الدكتور محمد عبدالوهاب وعزيز باشا المصري، وتذكر عزيزة أن بين أهم أحداث شارع رشدان زيارة الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر لزوجها أحمد باشا حسين، وكان من بين الضيوف السفير الأمريكى هنرى بيرود وكرميت روزفلت بالمخابرات المركزية وحسنين هيكل الذى حكى عن هذا العشاء فى حديث تليفزيونى واريك جونستون وعبد الحكيم عامر.. وأن خلافا حاداً نشب خلال هذا العشاء. بين بيرود وجمال عبدالناصر.. وانسحب عبدالناصر من العشاء!. وتقول عزيزة حسين وقفت فى الشرفة أتابع الزوار من بعيد..
ولعل من أهم الأبواب الباب السابع الخاص بزواجها بأحمد حسين نجل على باشا حسين أحد مؤسسى حزب الوفد، وتصف الكاتبة البعد التقليدى للزواج فى ذلك الوقت مشيرة إلى أن أحمد باشا حسين كان يبحث عن شريكة حياة عصرية ومحافظة فى آن واحد!… وتقول الكاتبة إن أحمد حسين كان شخصية لامعة، يحظى باحترام الجميع، وأنه كان أستاذاً لها فى مجالات التنمية البشرية، والمشاركة المجتمعية والتعاونيات، كما قام بتشجيعها على العمل التطوعى فى الريف المصري، حيث أنشأ هناك مركزاً اجتماعياً للنهوض بالفلاحين، وتضيف أنها أنشأت أول حضانة فى تاريخ الأرياف المصرية فى إطار هذا المركز أصبحت بعد ذلك نموذجاً لجميع قرى مصر، وتستطرد أن أحمد حسين كان رائداً فى مشاركة المرأة.
والطريق إلى الأمم المتحدة
فى بداية الأربعينيات وأثناء دراستها فى الجامعة الأمريكية، بدأت عزيزة حسين تتحسس خطواتها الأولى فى طريق العمل الاجتماعي، وانضمت كمتطوعة لعدد من الجمعيات الخيرية ومن بينها المبرة وجمعية يوم المستشفيات. ثم انضمت إلى نادى سيدات القاهرة حيث تعلمت أساسيات الإدارة والقيادة والتعرف إلى احتياجات المجتمع وسبل تحقيق التنمية، لتأتى باكورة إنجازاتها مع النادى فى العام 1951 عندما ساهمت فى تأسيس أول حضانة فى الريف المصرى وتحديداً فى قرية سنديون فى محافظة القليوبية، مما كان له أثره على صحة الأطفال وتعليمهم.
وفى العام 1954 عينت الحكومة المصرية عزيزة حسين ضمن الوفد المصرى لدى الأمم المتحدة، لتصبح أول امرأة تمثل مصر فى المنظمة الدولية بعد ثورة يوليو 1952، وفى العام 1961 رشحتها الحكومة المصرية لتمثل مصر فى اجتماعات لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة لتكون المرة الأولى التى ترشح فيها الدولة متطوعة لمنصب دولى رسمى لتبدأ فترة عملها فى اللجنة فى العام 1962 وتستمر حتى العام 1977.
كسر تابو ختان الإناث
عندما بدأ عمل عزيزة حسين كممثلة لمصر بلجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة فى العام 1954، فوجئت بمصطلح «الممارسات التقليدية غير الصحية» على أجندة اللجنة، وهو الاصطلاح الذى لم تسمع به من قبل وظنت فى البداية أن المقصود هو بعض أنواع الجراحات أو الممارسات التى يقوم بها السكان فى الدول الأفريقية غير العربية، لكن سرعان ما تبين لها أن تشويه الأعضاء التناسلية أو ختان الإناث هو المشار إليه لكن أعضاء اللجنة اختاروا ألا يسمونه باسمه صراحة.
ومنذ ذلك الحين، زاد وعى حسين بمضار الممارسة وأصبحت محوراً رئيساً فى عملها من أجل مناهضة الممارسات السلبية التى ترتكب بحق الفتيات والسيدات، وجاء اسمها ضمن أسماء قليلة شاركت فى الكتابة والنشر.
أسس زوجها العام 1951 جمعية «مصلحة الفلاح» التى تعد أول إنجازاته فى مجال الإصلاح المجتمعى والنواة التى ستنشأ على أساسها وزارة الشئون الاجتماعية.
فى هذا الوقت واصلت عزيزة أعمالها المجتمعية مع زميلاتها وبمساندة عارمة من زوجها، بحسب صحيفة الدستور المصرية.
تضمن الأمر زيارة مناطق ريفية عديدة ومشاورات مع الفلاحين وسكان الأرياف لحصر احتياجاتهم ومتطلباتهم وسبل مساعدتهم.
تمثيل مصر فى الخارج
قبل قيام الثورة بنحو 18 ساعة فقط، تمت تسمية والد عزيزة وزيراً للصحة ضمن الحكومة التى شكلها أحمد نجيب باشا الهلالي، لكن عزيزة وزوجها كانا فى تلك الفترة فى الولايات المتحدة لتلبية دعوة من منظمة الأمم المتحدة على خلفية دراسات التنمية الريفية، لتتلقى أثناء جولتها خبر قيام الثورة على يد الضباط الأحرار.
سافرت عزيزة كخبيرة اجتماعية، وهى أول سيدة عربية تجوب دول العالم لإلقاء محاضرات عن العمل المجتمعي.
وقالت فى حوار لها عن تلك الفترة: «سافرت وحدى لأول مرة، وعملت محاضرات عديدة فى حوالى 40 ولاية. وتعلمت إزاى أحاضر.. وواجهتنا صعوبات وحققنا نجاحات.
استقبلت عزيزة خبر الثورة بسعادة كبيرة وذلك بسبب «الصورة السلبية» التى كان الإعلام الدولى ينقلها عن الملك فاروق كحاكم فاسد، وبالتالى مصر.
وكانت السفيرة عزيزة مضطرة للإجابة عن تساؤلات البعض حول سلوكيات الملك ونزواته الشخصية.
وتبين حماس السفيرة للثورة عندما ألقت فى إحدى محاضراتها آمالاً للمستقبل وتحديداً لناحية قانون إصلاح الأراضى ومشاكل الضرائب التصاعدية وإنشاء التعاونيات الزراعية ومشاريع إسكان وزيادة أجور العمال الزراعيين وغيرها.
اهتمت عزيزة حسين بالآثار الخطيرة لختان الإناث فى الستينيات وكان ذلك من الخطوات الأولى فى مجال البحث والنشر عن ختان الإناث بعدما قدمته الدكتورة نوال السعداوى فى الخمسينيات.
تنظيم الأسرة.. نظرة ثاقبة
كان تنظيم الأسرة من أبرز القضايا التى اهتمت عزيزة حسين بطرحها على طاولة النقاش داخل لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، وفى كلمتها أمام اللجنة فى العام 1963 تحدثت عن ضرورة وضع تنظيم الأسرة على أجندة المنظمة الدولية الأكبر والأهم، خاصة أن كثيرا من الدول باتت تعانى من زيادة عدد السكان التى تعطل التنمية. وكانت كلمتها فى هذا الشأن الأولى من نوعها كما أصبحت مقدمة لخطوات اتخذتها لجنة وضع المرأة لإدراج هذه القضية على أجندتها لتصبح أول هيئة من هيئات الأمم المتحدة بل أول جهة فى العالم تفعل ذلك. وبحسب ما أورده كتاب «القوة المتنامية: كيف طورت النساء التنمية الدولية؟» للمؤلفتين ارفون فريزير السفيرة السابقة للولايات المتحدة لدى لجنة الأمم المتحدة لوضع المرأة وايرين تبنكيز مؤسسة مركز المرأة فى الولايات المتحدة، فقد قالت عزيزة حسين واصفة توابع نشاطها من أجل وضع تنظيم الأسرة على أجندة الأمم المتحدة «لم أكن أدرك أن هذه القضية ستتصدر العديد من الأجندات النسوية فى المستقبل وأن لجنة وضع المرأة نفسها ستجعلها واحدة من اهتماماتها الرئيسية».
انتخبت عزيزة حسين رئيسة الاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة فى العام 1977، ورغم كل هذا النشاط الدولى لم تقتصر جهودها الرامية إلى تعزيز تنظيم الأسرة على هذا الصعيد فحسب، فقد خاضت الحرب فى الداخل وهو ما أتى أكله عندما تشكل بقرار جمهورى فى العام 1965 ما سمى حينذاك بالمجلس الأعلى لتنظيم الأسرة «المجلس القومى للسكان حالياً» برئاسة رئيس الوزراء لتخطيط وتنسيق وتوفير خدمات تنظيم الأسرة، وهو ما تبعه إعلان الدولة فى العام 1966 عن البرنامج القومى لتنظيم الأسرة، بينما كانت حسين تستعد لتدشين جمعية تنظيم الأسرة فى القاهرة التى افتتحتها فى العام 1967، ثم وسعت نشاطها من خلال فروع فى العديد من المحافظات، فضلاً عن تأسيسها لجمعية أسرة المستقبل لتكون امتداداً للجمعية الأولي.
علاوة على ذلك، فقد ساهمت عزيزة حسين فى تأسيس عيادات لتنظيم الأسرة فى القرى الريفية، وضمت إليها أطباء وممرضات مدربين على الوسائل الحديثة لمنع الحمل.
لا حاجة للمناصب
رشحها الرئيس محمد أنور السادات فى العام 1977، لحقيبة الشئون الاجتماعية فى حكومة ممدوح سالم إلا أنها اعتذرت عن المنصب، وكان السبب المعلن من قبلها هو الخوف من أن يعطلها المنصب عن نشاطها ويقيدها بقرارات حكومية.
وبحسب ما جاء فى كتاب السياسى مصطفى الفقى «شخصيات على الطريق»، فإن حسين رفضت المنصب الوزارى لأنها ـ كما يراها ـ أكبر من وزيرة وأهم من أن يستغرقها العمل الإدارى والروتين اليومي، لذلك كان اعتذارها لرئيس الوزراء الأسبق ممدوح سالم محل تقدير واحترام من كل الذين عرفوها.
التكريم المستحق
كرمت عزيزة حسين فى الداخل والخارج من خلال العديد من الأوسمة والجوائز، ولعل أبرزها، وسام الاستحقاق فى العام 1977 والدكتوراة الفخرية التى حصلت عليها من الجامعة الأمريكية فى العام 1994، وجائزة صاموئيل حبيب للتميز فى العمل الاجتماعى فى العام 1997.
وفاة الرائدة الاجتماعية الدكتورة عزيزة حسين
19 يناير، 2015
توفيت الرائدة الاجتماعية الدكتورة عزيرة حسين، التى تعد رائدة من رائدات النشاط المدنى فى مصر والتى بدأت نشاطها المرموق منذ مايقرب من ستين عاماً عندما اختارتها الحكومة المصرية كأول امرأة تحتل منصبا فى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بأوضاع المرأة.
بدأت حياتها العملية فى الأربعينيات من القرن الماضى بعد التخرج فى الجامعة الامريكية، بالتطوع فى الجمعيات الأهلية فى مجال حقوق المرأة وتنظيم الأسرة ومنع التمييز ضد المرأة خاصة العنف الذى تعانى منه عن طريق بعض التقاليد البالية مثل ختان الإناث.
أول من ساعدت القرويات فى إنشاء أول دار حضانة ريفية فى التاريخ المصري، مما أوعز للدولة أن تتبنى هذا المشروع وضمنته تخطيطها القومي، كما قامت بإنشاء أول مركز لتنظيم الأسرة ومن ثم أنتشرت هذه المراكز فى المدن والقرى وقامت الحكومة على أثر ذلك النجاح بالتخطيط لبرنامج قومى لتنظيم الأسرة.
وأهلها دورها فى مجال تنظيم الأسرة بعد سنوات أن تنتخب رئيسة للاتحاد الدولى لتنظيم الأسرة فى 1977 ولمدة ست سنوات. وعلى المستوى الرسمى رشحتها الحكومة لأن تمثل مصر فى لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة التى انتخبت لها المجلس الاقتصادى والاجتماعى للأمم المتحدة سنة 1962 وأعيد انتخابها إلى عام 1977.
وعن طريق عضوية هذه اللجنة أشتركت فى صياغة الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة التى حرصت عند صياغتها على أن تضم حق المرأة فى تنظيم أسرتها ضمن بنودها مما اعتبر ثورة فى المنظمة الدولية بعد أن كان تنظيم الأسرة محظوراً فى جميع أجهزة الأمم المتحدة منذ إنشائها.
هى أرملة الراحل أحمد حسين الذى كان وزيراً وسفيراً لمصر فى العاصمة الأمريكية واشنطن.
كما ذكر اسم عزيزة حسين ضمن قائمة تضم أسماء 27 امرأة من مختلف دول العالم فى الكتاب الذى يحمل اسم «كيف استطاعت المرأة أن تطور التنمية الدولية؟» للمؤلفتين الأمريكيتين ارفون فريزير السفيرة السابقة للولايات المتحدة لدى لجنة الامم المتحدة الخاصة بشئون المرأة، وايرين تبنكيز التى أسست مركز المرأة بالولايات المتحدة، ويتناول الكتاب نضال هؤلاء السيدات من أجل تحقيق تغييرات جذرية سياسية واقتصادية فى مجال التنمية، ونشر مبدأ تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة. كما يتناول مسيرتهن لإنجاح أهم حركة اجتماعية نسائية فى القرن الماضى وهى حركة المرأة الدولية التى حققت تعاوناً نادراً بين نساء الشمال ونساء الجنوب.









