يبدو أن الأزمات العالمية سوف تظل عرضاً مستمراً لا ينقطع، ولا أحد يستطيع التنبؤ بها أو بحجم تداعياتها، والعالم سوف يبقى على صفيح ساخن لفترات طويلة قادمة، وكأن هناك رغبة فى عدم التراجع عن حرب عالمية ثالثة، فى ظل احتدام الصراع المباشروغير المباشر بين روسيا التى يبدو انها لن تتراجع ولسان حالها يقول أكون أولاً أكون، وبين أمريكا التى ترى إن المساس بهيمنتها أمرلا يستهان به، وبينهم الشرق المتأثر بهذا الصراع، وبين هذا وذاك وفى ظل الغيوم المسيطرة على كل الأجواء والمشاهد تلوح فى الأفق بوادر تجاوز دولة 30 يونيو لأزمة الدولار الناتجة عن التداعيات السلبية التى عمت العالم.
بالطبع هذه ليست أحلاماً ساذجة بدافع الوطنية ولكنها خطوات فى واقع حقيقى ظهرت ملامحه بعد تصديق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى بداية هذا الأٍسبوع على تعديل اتفاق قرض محطة الضبعة النووية، لتصبح أقساط السداد بالروبل الروسى بدلاً من الدولار، وهذا التعديل يعد خطوة مهمة لكسر هيمنة الدولار ومؤشراً ايجابيا متفائلا بان مصر سوف تعبر بثقة حدود أزمة الدولار، وكذلك تعزز من التوقعات بانخفاض قيمته فى الفترة القادمة، خاصة ان القرار يأتى وسط تحديات مالية عالمية ويعتبر تحولاً إستراتيجيا فى تسوية المعاملات بين البلدين.
كانت مصرقد وقّعت مع روسيا اتفاقا عام 2015 لتمويل محطة الضبعة النووية عبر قرض روسى طويل الأجل بمبلغ 25 مليار دولار، وعُدّل هذا الاتفاق رسميًا فى سبتمبر 2024 ليسمح بسداد الأقساط بالروبل الروسى، وأقره الرئيس الروسى منذ أيام، والحقيقة ان هذه الخطوة تحمل أبعادا إستراتيجية مهمة للعلاقات بين البلدين العضوين بتكتل «بريكس» الذى يضع التعامل بالعملات المحلية هدفا لكسر هيمنة الدولار الأمريكى، وعلى الصعيد الاقتصادى فإن هذا التحول سيقلل الضغط على الاحتياطى الأجنبى المصرى من الدولار وسوف يخفض تكلفة المعاملات عبر شبكة التسويات الدولارية لأنه نظام مكلف ومعقد، والتعامل بالروبل مباشرة سوف يكون أسهل كثيراً.
وبطبيعة الحال يجب أن تكون هناك آلية مستقرة وثابتة لضبط سعر صرف الجنيه أمام الروبل خاصة بعد قرار المركزى الروسى بإدراج الجنيه المصرى ضمن أسعار صرف العملات والذى يجب أن يقابله تحرك مواز من المركزى المصرى بتسعير الروبل على قائمة أسعار الصرف الرسمية،وصدور تعميم من البنوك بقبول الروبل لتوسيع قاعدة الاستخدام، لأن تسهيل التحويلات يساهم فى تنشيط السياحة الروسية بشكل كبير، على اعتبار أنهم سوف يتعاملون مباشرة بالروبل دون الحاجة للتحويل إلى الدولار، وهذا سوف يوفر لنا فى نفس الوقت احتياطياً كبيراً من الروبل، وكذلك فإن تلك الخطوة المهمة سوف تشجع الكثير من المصدرين والمستوردين على التسوية بالعملات المحلية مما يفتح آفاقا أوسع للتعاون الاقتصادى، ويعزز حضور العملات المحلية فى المعاملات الدولية .
وفى خطوة جديدة أخرى تؤكد أن دولة 30 يونيو تسير بخطط مدروسة لفتح أسواق جديدة، أعلن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إن بلاده تسعى لضم مصرلاتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادى الأوراسى، الذى يضم دول روسيا وكازاخستان وأرمينيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان، والجميل فى هذه الخطوة إن هذا التعاون يدخل تحت شراكة قوية بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس بوتين لتضع مصر على خريطة الاتحاد الأوراسى، ويستهدفان من خلالها سوق ضخم يضم أكتر من 183 مليون مستهلك، وناتج محلى يتعدى 2.4 تريليون دولار، وهذا يعنى ببساطة ان المنتجات المصرية سوف تدخل هذه السوق دون رسوم جمركية، مما يعنى صادرات أكثر وفرص أكبر للشركات والصناعات المحلية، وكذلك فرص عمل للمصريين فى هذه الدول وتحويلات بالعملة الصعبة تدخل مصروزيادة فى الدخل القومى .
كلمة فاصلة :
ببساطة.. دولة 30 يونيو تتحرك بخطى ثابتة نحو أسواق بديلة وقوية، والتحالف مع روسيا فى الاتحاد الأوراسى ليس فقط ورقة سياسية ولكنها صفقة اقتصادية كبيرة تفتح أبوابا كثيرة وفرص استثمار للمصريين فى الداخل والخارج… حفظ الله مصر وأهلها.