فى واحدة من المناقشات الثرية مع الشباب حول الهجرة النبوية والاحتفاء بها سأل أحدهم سؤالا مهما وحيويا: لماذا لا توجد سورة فى القرآن الكريم باسم الهجرة تخلد هذا الحدث العظيم والذى كان له تأثيره القوى فى بناء وتأسيس الدولة الإسلامية؟!
أعجبنى سؤال الشاب وطريقته والتى تنبهنا أيضا إلى قضية أخرى أكثر أهمية وهى الحوار مع الشباب والاهتمام بقضية الثقافة الجادة والوعى الدينى والوطنى خاصة فى مثل هذه الظروف التى تمر بها الأمة والصراع المشتعل مع الصهاينة والمتمسحين باليهودية وما نشاهده ونسمعه من أحاديث كثيرة لإثارة الفتن والفكر المضلل أو للتلاعب بالعقول على مدار الساعة وبكل الأشكال لإحكام عمليات التضليل والخداع.. ودعم فيضانات التفاهة والتحلل والانحلال..
نعود لسؤال الشاب.. فالهجرة النبوية لم تكن حدثا عاديا بل أريد لها ان تكون ملهمة على مر الأيام والعصور وليست مجرد قصة أو حكاية تشبه حكايات هجرة الأنبياء ومواجهاتهم مع أقوامهم كيف بدأت وانتهت بعبرة وعظة..
وإذا كان البعض قد حاول ان يقدم حصرا للآيات والمواضع التى ورد فيها ذكر الهجرة النبوية وأنها وردت إحدى عشرة مرة فى إحدى عشرة سورة فإن كثيرا من العلماء ذهب إلى ان حديث القرآن الكريم عن الهجرة جاء مختلفاً وبما يعزز الأهمية التى للهجرة وتأثيراتها على العالمين فى كل وقت وحين وليس فى زمن المواجهة بين المسلمين والكفار أيام الجاهلية أو المهاجرين والأنصار واليهود وغيرهم من بقية أطياف المجتمع فى المدينة وفى مكة المكرمة أيضا.. ونظرة القرآن للهجرة واعتبارها حدثًا يجب التذكير به على الدوام واستدعاء ما وقع فيه من تفاصيل فى مناسبات عديدة يدل على مدى محورية هذا الحدث وعلى قدر ما له من أولوية وأهمية من بين سائر الأحداث الأخرى التى وقعت فى السيرة النبوية وأن هذا الحدث يجب أن يكون مركوزًا فى الأذهان طوال العام، وحاضرًا فى الوجدان على امتداد السنة، وأن يذكّر به الناس على الدوام فى سياقات عديدة ومواقف شتى.
فى تراث العلامة الشيخ محمد الغزالي- رحمه الله تعالي- سئل عن هذه القضية بطريقة مختلفة قالوا: لقد نزلت سورة الأنفال فى أعقاب غزوة بدر ونزلت سورة الأحزاب فى أعقاب الخندق ونزل النصف الأخير من سورة آل عمران فى أعقاب أحد.. فهل نزلت فى أعقاب الهجرة سورة لا سيما بعد نجاح رحلتها كما حدث فى أعقاب الغزوات؟
أجاب الشيخ رحمه الله قائلا: «لم يقع هذا، ولكن وقع ما هو أخطر وأهم كأن الله- سبحانه وتعالي- حكم بأن قصة الهجرة أكبر من أن تعلق عليها سورة واحدة وأن تمر مناسبتها بهذا التعقيب وينتهى الأمر فحكم- جل شأنه- بأن تكون ذكرى الهجرة قصة تؤخذ العبرة منها على امتداد الأيام، وتُذكر فى أمور كثيرة وفى مناسبات مختلفة»
كما أن الهجرة لم تُذكر فى سورة واحدة مثل المعارك لأن «هذه المعارك استغرقت أيامًا قليلة أما الهجرة فشأن آخر.. لقد ظلت أفواج المهاجرين متصلة سنين عددًا وتطلَّب التعليق عليها مواضع عديدة».
ومن ثم ذُكرت الهجرة فى سور: البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والتوبة والنحل والحج والممتحنة والتغابن والحشر وكان التعليق فى كل سورة إبرازًا لمعنًى مقصود..
والله المستعان..