تعالوا نحلق هذه المرة.. بعيداً عن السياسة.. ودماء الحروب والقتل والخراب.. وأيضا عن هموم الحياة ومتطلباتها.. بداية اعترف اننى ابتعد تماما عن الكتابة عن الحب.. لا لشىء.. إلا لأنه من الأمور الشائكة والمعقدة.. لأنه يرتبط بلغز النفس البشرية.. لكن ما شجعنى هذه المرة.. قراءة ما كتبه د.مصطفى محمود عن الحب فى كتبه.. ومقولة الفنان الكبير يحيى الفخرانى التى قالها لى.. تعقيبا على مقالى عن مسلسل الليل وآخره.. حيث قال: ان أفضل ما كتب عنه.. كان من الكتاب السياسيين.. وما شجعنى أيضا.. ظاهرة الطلاق.. والطلاق السريع.. المنتشر فى مجتمعنا هذه الأيام.. ما علينا.. فلنتوقف امام الحب وقيمته عندنا جميعا.. الحب يتسابق الشباب على تقديم ما يملكونه من أجله.. ويحرص عليه الشيوخ مضحين بسمعتهم.. وتعمل لصالحه السينما والتليفزيون.. الجميع يمجده ويرفعه على العرش.. ليكون المقصود الأول.. والشاغل الأوحد والهدف الوحيد.. وعندما يتوهج اللهب يصل لدرجة انه قد لا تكون الحياة.. حياة بدونه!! وقد فاجأنا د.مصطفى محمود بسؤاله.. لماذا يرتبط الحب بالألم.. وقد ينتهى بالدموع وخيبة الأمل!! لماذا؟!! ويجيب د.مصطفى محمود بنفسه قائلا: ان الحب والرغبة مرتبطان.. وانه لا يمكن ان تحب امرأة دون أن ترغبها.. وهنا تتحول نسمات الحب.. إلى ريح واعصار وزوبعة.. ما تكاد تشتعل حتى تنطفئ.. ويضيف د. مصطفى محمود فى كتابه «تأملات فى دنيا الله».. فى صفحة (١٢٢).. متسائلاً: هل أقول ان الحب يتضمن قسوة خفية.. وعدوانا مستترا؟.. ويجيب بقوله: نعم هو كذلك.. وان أخذ شكل الحب.. وان المرة الوحيدة التى جاء فيها ذكر الحب فى القرآن هى قصة امرأة العزيز التى شغفها فتاها (يوسف) حبا.. ماذا فعلت عندما تعفف يوسف الصديق؟ طالبت إيداع يوسف السجن وتعذيبه.. «قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا الا ان يسجن أو عذاب أليم».. (52 يوسف).. وماذا قالت لصاحباتها وهى تروى قصة حبها؟ «ولقد راودته عن نفسه فاعتصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجن وليكونن من الصاغرين» (32 يوسف).. ان عنف حبها اقترن عندها بالقسوة والسجن والتعذيب! وماذا قال يوسف الصديق؟ «قال رب ان السجن أحب إلى مما يدعوننى اليه والا تصرف عنى كيدهن اصب اليهن وأكن من الجاهلين» (33 يوسف).. لأنه أدرك ببصيرته ان الحب سجن.. ويقول د.مصطفى محمود: ان الحب يظل حبا صافيا رفافا شفافا ويتحول بحكم خلقتنا.. ليصبح جزءا من ثالوث هو: الحب والرغبة والقسوة.. هو ثالوث متلاحم مع بعضه البعض على الدوام.. ولكن كيف يتحول الحب إلى تعاسة وآلام ودموع وتجريح.. وأيضا عداوة! كيف؟؟ يجيب د.مصطفى محمود: بأن ثالوث الحب والرغبة والقسوة.. لا يصلح ان يكون أساسا لزواج.. ولا يصلح لبناء البيوت.. ولا يصلح لإقامة حياة مستقرة ثابتة بين الجنسين.. ومن عظمة القرآن وإعجازه.. انه حينما ذكر الزواج.. لم يذكر الحب.. إنما ذكر المودة والرحمة والسكن.. سكن النفوس بعضها لبعض.. وراحة النفوس بعضها لبعض.. وقيام الرحمة والمودة.. كما قال سبحانه: «ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة» (21 الروم).. إنها الرحمة والمودة مفتاح كل البيوت.. والرحمة تحتوى الحب.. بينما الحب قد لا يحتوى الرحمة.. بل يكاد ينقلب عدوانا.. والرحمة أعمق من الحب واصفى وأطهر.. الرحمة عاطفة انسانية راقية مركبة.. فيها الحب.. وفيها الأخوة.. وفيها الصداقة.. وفيها الحنان.. وفيها التضحية.. وفيها إنكار الذات.. وفيها التسامح.. وفيها العطف.. وفيها الكرم.. ونحن جميعا قادرون على الحب بطبيعتنا البشرية.. وقليل منا هم القادرون على الرحمة.. وبين ألف حبيب وحبيبة هناك واحد أو واحدة يمكن ان يرحموا.. والباقى لا يعرفون الرحمة.. وأنا أقول انه لا يمكن مصادرة الحب أو الغاؤه.. إنما لابد ان يكون فى إطار من الرحمة والمودة والرأفة ايضا.. بقى ان أقول ان الضمانة الأكيدة لنجاح الحب واستمراره وازدهاره هو اختلاطه بالرحمة.. فالرحمة هى النور.. واعترف بأن هذه هى أسرار الحب.