فى وقت تزداد فيه تعقيدات المشهد الاقليمي، وتتعاظم التحديات التى تهدد أمن واستقرار المنطقة العربية والقارة الإفريقية، تثبت مصر يوماً بعد يوم أنها الركيزة الصلبة والضامن الحقيقى لوحدة الشعوب وصون سيادة الدول، انطلاقاً من ثوابت واضحة أعلنها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة، وجدد التأكيد عليها مؤخراً فى لقاءاته وتحركاته المكثفة مع قادة المنطقة والعالم.
زيارة الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى إلى مدينة العلمين، وما دار خلالها من مباحثات مع الرئيس السيسي، ليست مجرد لقاء سياسى عابر، بل تأكيد عملى على أن مصر لا ترى فى وحدة السودان واستقراره مجرد هدف سياسي، بل جزء لا يتجزأ من أمنها القومى ومسئوليتها التاريخية تجاه الشعب السودانى الشقيق، مصر كما شدد الرئيس السيسي، مستعدة لبذل كل جهد ممكن من أجل مساندة السودان فى محنته، وتخفيف وطأة الأزمة الإنسانية القاسية التى يعانيها الشعب السوداني، وهو موقف نابع من إدراك عميق بأن استقرار السودان يعنى استقرار شمال أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقى بالكامل.
ذات الروح التفاعلية والمسئولية تجلت فى استقبال الرئيس السيسى للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبي، حيث أكد الرئيس أن استقرار ليبيا لا ينفصل عن أمن مصر، وأن القاهرة تبذل أقصى جهودها، بالتنسيق مع الأطراف الليبية، للحفاظ على وحدة الدولة الليبية ومؤسساتها، ورفض التدخلات الخارجية، والتصدى لظاهرة المرتزقة والجماعات الارهابية. ليست هذه مواقف سياسية شكلية، بل سياسة دولة تنبع من قناعة أن التنمية الحقيقية لا تأتى إلا من خلال استعادة الاستقرار، وهو ما تنقله مصر من تجربتها التنموية الناجحة إلى جيرانها.
إن حرص مصر على الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة الليبية، ودعوتها لتعزيز التنسيق بين جميع الأطراف لوضع خارطة طريق سياسية شاملة تفضى إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، يبرهن على سعيها نحو حل شامل ومستدام، كما أن التشديد على ضرورة التصدى للتدخلات الخارجية واخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية يؤكد على رؤية مصر لسيادة ليبيا كركيزة أساسية لاستقرارها.
وفيما تتجه أنظار العالم إلى غزة، لم تغب فلسطين يوماً عن الأجندة المصرية، بل ظلت القاهرة اللاعب الأبرز والأكثر تأثيراً فى هذا الملف، وهو ما عكسه الاتصال الأخير بين الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الكندى مارك كارني.. الرئيس عبدالفتاح السيسى لم يكتف بتأكيد ضرورة وقف اطلاق النار وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بل وضع القضية فى سياقها الأوسع، باعتبار أن اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق مقررات الشرعية الدولية هو السبيل الوحيد لتحقيق استقرار حقيقى ومستدام فى الشرق الأوسط.
تبرهن مواقف مصر الأخيرة على أنها قوة اقليمية فاعلة تسعى جاهدة لتعزيز الأمن والاستقرار فى جوارها المباشر والمنطقة ككل.. مواقف مصر ليست مجرد شعارات دبلوماسية، بل التزام تاريخي، وسلوك سياسى متزن، ورؤية استراتيجية من أن أمن المنطقة وحدة لا تتجزأ، وأن مصر بحكم موقعها وثقلها ستظل صوت العقل، وركيزة الاستقرار، وصمام الأمان فى محيط يعج بالتحديات.