كانت الأجواء مهيأة والإرهاصات دافعة لنجاح الفوضى، اجتمعت فيها مؤامرات الخارج وخيانة بعض أبناء الداخل من أصحاب المصالح والأجندات، فساد سياسى ظهر بصورة فجة فى استحواذ الحزب الوطنى على جميع مقاعد مجلس الشعب ببجاحة شديدة، ترهلت القيادة وتفرقت المسئولية بين أفراد الأسرة «الحاكمة»، وانهيار اقتصادى، يذهب كل شىء إلى جيوب رجال الأعمال والأثرياء على حساب الفقراء، فكان الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرًا.
تكونت فى تلك الأثناء «حركات»، وظهرت تنظيمات وأشخاص نكرات خرجوا من الجحور، وعلى اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم ومشاربهم، يرتدون «ثوب الوطنية»، ويرفعون شعارات وهمية تدغدغ مشاعر الجماهير وتتاجر بمعاناتهم، كذبوا حتى النخاع إلى أن صدقهم الناس، والتقت كل تلك المتفرقات على هدف تغيير النظام، بينما كل يبكى على ليلاه ويسعى لتحقيق أهدافه وأكبر قدر من المكاسب، بينما لم يهتم المسئولون بما يحدث سرًا وعلانية، وقالوا «خليهم يتسلوا».
تصاعدت الأحداث وبدأ تنفيذ المخطط، وتمالأ المدبرون واندفعوا نحو تنفيذ أهدافهم، وكان هناك وطنيون شرفاء من أبناء الشعب شاركوا فى ذلك، لكن بحسن نية، بعدما ساروا وراء الشعارات التى اكتشفوا فيما بعد أنها زائفة ومقاصدها خبيثة، فتراجعوا ووقفوا ضدها.
وبعد تظاهرات ومسيرات عادية محدودة خلال عدة أشهر، وصلت الأمور إلى جمعة الغضب وخرجت عن السيطرة، اتخذت شكلا مغايرا لكل ما دعا إليه «قادة التخريب»، وساد التدمير، والفوضى عنوان كل ما يدور، استغلالاً لشعار «عيش، حرية، كرامة إنسانية»، بكلمة حق أريد بها باطل.
قالوا إنها «ثورة»، وادعوا زورا وبهتانا أنها لمصلحة الشعب، لكن سرعان ما ظهرت النوايا الخبيثة، وطفت الروائح الكريهة، وظهرت جماعة الزيت والسكر، التى كانت ترتدى لباس الفضيلة وتتلاعب بمشاعر الناس بعباء ة الدين، ونحن شعب عاطفى ومتدين، فاستطاع أولئك الذئاب الماكرون أن يخدعوا الناس بشعار «نحمل الخير لمصر» والذى عملوا ونفذوا عكسه تماما لمصر ولشعبها.
استطاعت جماعة الإخوان المتأسلمين، بالتآمر مع من يديرونها من الخارج ومن تعمل لصالحهم، أن تتصدر المشهد وتحمل «المشعل» الذى بدلا من أن تضىء به الطريق لتبدد الظلام، أشعلت به الحرائق وأراقت الدماء، وسيطرت على مفاصل الدولة، ورفعت عناصرها الإرهابية فوق الجميع، واحتل الأهل والعشيرة كل المواقع والمناصب.
وظهر الوجه الخفى للجماعة التى كانت شكاءة بكاءة على مدى ثمانين عاما، ارتدت فيها عباءة المظلومية، وسلطت سيف انتقامها على الجميع، أعماها الطمع والغرور بعدما وصلت إلى السلطة، عاثت فى الأرض فسادًا، كممت الأفواه وبثت الرعب والفزع فى القلوب.
وخلال سنة «كبيسة» من حكم الإخوان، استفزت الجماعة الإرهابية الشعب وخالفت الدستور والقانون وصعدت فوقهما، وأقصت المخالفين والمعارضين بل ونكلت بهم، واستخدمت العنف والإرهاب للسيطرة على مقاليد الأمور، وتمادت فى فسادها وتسلطها وديكتاتوريتها بانتهاكات صارخة ومخالفات جسيمة، وتدنت الخدمات وانهارت بشكل ملحوظ، وعم الظلام بانقطاع الكهرباء، أزمات غير مسبوقة فى المواد البترولية وارتفاع الأسعار، وعمت الفوضى والعنف والدمار.
ظهر تعبير «الشعب المصرى ليس له كتالوج»، بناء على أنه صبر كثيرا وتحمل ثم نهض فى لحظة فارقة ليقلب موازين التوقعات، لكننى لا اوافق على هذا التعبير، وأرى أن هذا الشعب له كتالوج وشفرة وراثية، لا يرضى الخنوع ولا الانحناء، جيناته تؤكد أنه من معدن أصيل نفيس، لم يثنه التهديد والوعيد، ولا التلويح بالويل والثبور، واستطاع إفشال خطة الجماعة التى حاولت أن تسرق الوطن، وبتكاتف الشعب والجيش الذى هو من الشعب، وخلال أربعة أيام فقط (من 30 يونيو إلى 3 يوليو 2013) تم استرداد الوطن وإنقاذه من الاختطاف من تلك الشرذمة، خرج الملايين ضد مرسى وعشيرته، وانتصرت إرادة الشعب وسقط الإخوان، رغم حشد أنصارهم وتهديدهم.
وانحازت القوات المسلحة للشعب، وأسست قراراتها فى 3 يوليو لمرحلة جديدة بخارطة طريق للمستقبل، وتخلصت مصر من أكبر مؤامرة فى تاريخها الحديث، ونهضت الدولة وعاد الاستقرار والأمن والأمان وتثبيت الأركان، وتحقيق إنجازات ونجاحات فى مختلف المجالات.
كانت الذكريات مرة، لكن جاءت النهايات سعيدة، فنحن الذين عشناها وكابدناها وكنا شهودا على كل تفاصيلها.. كل عام وأرض الكنانة بخير.