يمر اثنا عشر عامًا على ثورة 30 يونيو، تلك اللحظة الفاصلة التى خرج فيها ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين، يعلنون بصوت واحد رغبتهم فى استعادة الوطن من الفوضى، وإنقاذ الدولة من خطر التفــكك والانهيار. لم تكن ثــورة 30 يونيو مجرد احتجاج على حكم جماعة، بل كانت تعبيرًا شعبيًا أصيلًا عن إرادة أمة قررت أن تسترد هويتها.
لقد أعادت ثورة 30 يونيو تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن، حيث وُلد من رحمها مشروع شامل لتحديث مؤسسات الدولة، وإعادة بناء ركائزها على أسس جديدة من الكفاءة والاستقلال والاستقرار. جاءت الثورة كرد فعل واعٍ على محاولات خطف الوطن، لكنها لم تقف عند حدود التصحيح السياسى، بل سرعان ما تحولت إلى منصة انطلاق نحو مرحلة جديدة من البناء والتنمية.
أبرز ما قدمته ثورة 30 يونيو لمصر هو إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية، التى تحتضن كل المصريين بلا تمييز، وتقوم على مبادئ المواطنة، وسيادة القانون، ومؤسسات قوية تعمل بكفاءة. فخلال السنوات التى تلت الثورة، شهدت مصر تحولات واسعة فى بنية الدولة، تمثلت فى مشروعات قومية عملاقة، وبنية تحتية غير مسبوقة، وإصلاح اقتصادى جرىء أعاد التوازن للموازنة العامة وفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتنمية.
فى مجال الأمن والاستقرار، نجحت الدولة فى دحر الإرهاب، وتثبيت دعائم الأمن فى وقت كانت فيه المنطقة تموج بالاضطرابات والانقسامات.
أما على الصعيد الاقتصادى، فقد بدأت مصر بعد 30 يونيو فى تنفيذ خطة إصلاح هيكلية شاملة، شملت تحرير سعر الصرف، وترشيد الدعم، وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية. لم تكن تلك الإجراءات سهلة، لكنها كانت ضرورية لضمان استدامة النمو، وتحقيق استقلال القرار الاقتصادى. وبالفعل، بدأت ثمار الإصلاح فى الظهور عبر تحسن مؤشرات النمو، وزيادة الاحتياطى النقدى، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتمكين قطاعات كالصناعة والطاقة والرقمنة.
وفى مجال البنية التحتية، قفزت مصر قفزات هائلة، تمثلت فى إنشاء مدن جديدة، وتطوير شبكات الطرق، وتحديث منظومة النقل والموانئ، إلى جانب مشروعات الكهرباء والطاقة المتجددة، وتطوير الريف فى مبادرة «حياة كريمة».
كما شملت عملية التحديث تطوير قطاعات التعليم والصحة والإدارة، والتحول الرقمى فى مؤسسات الدولة، وهو ما أسهم فى رفع كفاءة الخدمات وتحسين مستوى الأداء العام، وتعزيز ثقة المواطن فى مؤسسات بلده.
ثورة 30 يونيو ليست مجرد ذكرى عابرة، بل تجربة حيّة تؤكد أن الشعوب قادرة على تصحيح المسار، حين تتهدد هويتها.