بقلم أ.د/ شحاتة غريب
أستاذ القانون ونائب رئيس جامعة أسيوط السابق
عاشت مصر عاما ظلاميا، عقب تولى جماعة الإخوان الحكم فى 2012م، وسادت غيوم التطرف والجهل معظم ربوع الوطن، بسبب ما فعله قيادات جماعة الإخوان المتأسلمة، وأعضاؤها، وعملاؤها، من إقصاء للفكر المعتدل، وعدم احترام للتنوع والتعددية الثقافية، وقد قاموا بمحاربة، وتهديد، كل من يناهض أفكارهم المتطرفة، والهدامة، فلم ينج منهم الأزهر الشريف، ولا الكنيسة، حيث قد تم تشويه القيادات الدينية كشيخ الأزهر، والمفتي، وقيادات الأوقاف، وغيرهم، كما قد تم تهديد قيادات الكنيسة، ليس لأى سبب، إلا لأن هؤلاء جميعا قد كانوا يحاربون أفكار الجماعات الإرهابية المتطرفة، التى حاولت نشر أفكارها الهدامة، وثقافتها العدائية، الغريبة عن البيئة المصرية.
ولم يسلم من تهديد الجماعات الإرهابية رجال الفكر، والثقافة، كما حدث من تهديدات مباشرة للفنان عادل إمام، بسبب أفلامه ضد الفكر الإرهابى والمتطرف، وقيام عناصر الإخوان بتكميم أفواه شاهنده مقلد عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، عندما طالبت بالحرية، واحترام الحق فى التعبير عن الرأي، وغيرهم من رموز الفكر، والفن، ولا يمكن أن ننسى وضعهم النقاب على تمثال أم كلثوم، وقيامهم بعملية الإقالة الجماعية لقيادات وزارة الثقافة، وتبديلهم بعناصر من مدرسة جماعة الإخوان المتأسلمة، كى ينشروا فكرهم، ويطمسوا الهوية الثقافية لمصر.
ولذلك فإن قيام ثورة 30 يونيو عام 2013م قد أنقذت الثقافة المصرية المعتدلة، التى تحترم التنوع الثقافي، من محاولات الأخونة، وقد أنقذت قوة مصر الناعمة، ووفرت لها الحماية من بطش وإرهاب الجماعات الإرهابية، كى تتم تهيئة المناخ للمفكرين، والكتاب، وكل رجال الفن والثقافة، لنشر ما يعبر عن تاريخ وحضارة مصر، وتراثها، وبناء الوعى لدى جميع المصريين، ليعرفوا حقيقة جماعة قد قامت بحرق المجمع العلمي، وغيره من المكتبات العامة، وأن الهوية الثقافية لمصر لا يمكن أن يتم المساس بها، طالما قد أصبح الشعب على درجة كبيرة من الوعى بواقع ومستقبل قضاياه الثقافية.
وفى حقيقة الأمر لا يمكن أن نغفل الدور الوطنى العظيم الذى فعله رجال الفكر والثقافة ضد وزير الثقافة الإخواني، الذى حاول أخونة وزارة الثقافة، حيث يعتبر أول اعتصام ضد طغيان جماعة الإخوان المتأسلمة، ونواياهم الخبيثة فى القضاء على الهوية الثقافية لمصر، قد كان من المثقفين، أمام مبنى وزارة الثقافة، وقد رفضوا كل المحاولات التى تستهدف تشويه هوية مصر الفرعونية، والمسيحية، والإسلامية.
ولا ريب أن هذا الاعتصام يعتبر الشرارة الأولى لانتفاضة أكثر من ثلاثين مليون مصري، واندلاع ثورتهم العظيمة، ضد الخونة، وأصحاب رسائل الظلام، والفتنة، والكراهية، وقد نجحت ثورة المصريين فى الثلاثين من يونيو 2013م فى تحقيق أهم أهدافها المتمثلة فى فتح كافة الطرق أمام مسيرات التنوير والاعتدال، واحترام التنوع الثقافي.
ويعتبر إصدار دستور 2014م من أهم النتائج الإيجابية للثورة، حيث قد تم النص فى هذا الدستور على المقومات الثقافية، التى تقوم عليها مصر، ولا تقل أهمية عن المقومات السياسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، حيث قد أكدت نصوص الدستور من المادة (47) حتى المادة (50) على التزام الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة، كما أن الدولة ملتزمة بالحفاظ على تراث مصر الحضاري، والثقافي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبري، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، وأن الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة.
لذلك أنشأت الدولة مدينة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية الجديدة، والاهتمام بمتحف الحضارة، والمتحف المصرى الكبير، وقد تم إطلاق العديد من المبادرات الثقافية، والتى منها مبادرة «جائزة الدولة للمبدع الصغير» لتشجيع الإبداع فى كل مجالات الفنون، كما قد تم إنشاء العديد من المكتبات، وعقد الملتقيات الثقافية، بهدف رسم ملامح الشخصية المصرية بما يتماشى مع حضارة وتاريخ مصر الحافل بأروع قصص الاعتدال، والتسامح، والمحبة، ونبذ كل أشكال الكراهية، والعنصرية.
وإذا كانت الدولة المصرية قد نفذت العديد من المشروعات الثقافية، حفاظا على هوية مصر، كأحد أهم مكتسبات ثورة الثلاثين من يونيو، فإن هناك بعض النقاط التى يجب الاهتمام بها، من خلال وضع الإستراتيجيات التى تضمن تحقيق رؤية ثقافية مستدامة، تتماشى مع رؤية 2030، كى يكون هناك حائط صد منيع، ضد كل محاولات الإخوان المستمرة لأخونة الثقافة المصرية.
وتتمثل هذه النقاط فيما يلي:
أولا: قصور الثقافة: يجب أن تتبنى هذه القصور عدة برامج توعوية، ثقافية، لتنفيذها فى كافة القرى المصرية، فلا ينبغى الاقتصار على المدن الكبرى فقط، لتنفيذ الأنشطة الثقافية، ولكن قد أثبتت التجارب أن القرى أكثر احتياجا لهذه الأنشطة، كى يتم سد كافة الطرق على محاولات استقطاب شباب هذه القري، وإلحاقهم بمدارس الإخوان، أو غيرهم من الحركات المتطرفة.
ثانيا: الأوبرا والمسارح القومية والسينما والدراما: يجب أن تتدخل الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص فى إنتاج الأعمال الفنية التى تجسد تاريخ مصر الزاخر بالبطولات، والفكر المعتدل، ودور التماسك الاجتماعي، ووحدة أبناء الوطن، فى مواجهة التحديات أيا كانت صورتها، وأن يتم عرض هذه الأعمال فى القرى قبل المدن، من خلال تنظيم قوافل ثقافية شاملة لكل أشكال الفنون والإبداع، كالمسرحيات، والأفلام السينمائية، والوثائقية، وإقامة الندوات الثقافية، التى تتناول القضايا الوطنية التى تنمى قيم الانتماء والولاء للوطن.
ولعل الجميع يعلم جيدا الآثار الإيجابية التى ترتبت على عرض مسلسلات الاختيار، وهجمة مرتدة، والعائدون، وأفلام الممر، والسرب، وغيرهم من الأعمال الفنية الرائعة التى تهدف إلى الحفاظ على هوية الشعب المصرى الثقافية، وحمايتها من الأخونة.
ثالثا: دور النشر والصحافة والإعلام: حيث يجب دعم دور النشر، وتعزيز قدراتها على طباعة الأعمال التى تثرى الحياة الثقافية المصرية، وليس هناك أى مانع فى التعاون بين كافة الجهات المعنية لطباعة وتوزيع الكتب التى تمثل قيمة كبيرة فى حياة المصريين، وتساعدهم على فهم حقائق الأمور، وبناء وعيهم، وانقاذ ثقافتهم من كل محاولات أخونة الفكر المصري.
كما يجب تطوير الصحافة الإلكترونية، وصناعة المحتوى بما يتماشى مع كل الفئات، وأن يتم قراءة أفكار الشباب، والتعامل معها بكل وضوح، حتى تبنى جسوراً من الثقة بين هؤلاء الشباب والدولة، بحيث نصل إلى الهدف الأسمى وهو أن نخلق من كل شاب مؤسسة كاملة تدافع عن هوية مصر، والتنوع الثقافي.
رابعا: دور المؤسسات الدينية والمدارس والجامعات ومنظمات المجتمع المدني: حيث يجب أن يتم التعاون بين كل هذه الجهات والوزارات المعنية، لوضع البرامج الفكرية والثقافية، التى تساهم فى بناء وعى الشباب وغيرهم، وأن يتم تشكيل ثقافتهم بما يتفق والهوية المصرية، كى يوجد جيل من المواطنين يكونوا قادرين على مجابهة كافة المدارس والحركات التى تتبنى نشر الأفكار الغريبة عن البيئة المصرية.
فإذا أخذنا فى الحسبان كل ما سبق، يمكننا فى هذه الحالة أن نحافظ على مكتسبات ثورة الثلاثين من يونيو، وخاصة فيما يتعلق بقضية كفالة الحق فى الثقافة، وحماية التعددية الثقافية، وإنقاذ الثقافة المصرية من الأفكار الضالة لجماعة الإخوان المتأسلمة، وغيرها من الجماعات الأخرى المتطرفة، التى تشكل تهديدا للأمن الثقافى المصري.
استعادة الوطن.. وترسيخ المواطنة

بقلم: د. إبراهيم نجم
أمين عام دور وهيئات الإفتاء
فى العالم
تحتفل مصر هذا العام بالذكرى الثانية عشرة لثورة الثلاثين من يونيو، تلك الثورة التى تعد محطة فارقة فى التاريخ المصرى الحديث، ليس فقط بسبب توقيتها، بل لما مثلته من انتصار لإرادة الشعب واستعادة الدولة من قبضة جماعة الإخوان المسلمين، التى حاولت اختطاف الدولة المصرية لتحقيق مشروع أيديولوجى ضيق.
ظروف قيام الثورة وأسبابها
جاءت ثورة 30 يونيو بعد عام واحد فقط من تولى الرئيس الاخوانى محمد مرسى السلطة، حيث أدت سياسات جماعة الإخوان خلال تلك الفترة إلى حالة من الاحتقان والغضب الشعبى العارم، نتيجة لمحاولات فرض الهيمنة على مؤسسات الدولة وأخونتها، وتهميش القوى السياسية والاجتماعية الأخري، فضلاً عن تدهور الوضع الاقتصادى والأمنى بشكل ملحوظ.
شهدت فترة حكم الإخوان حالة من عدم الاستقرار وانتشار العنف، وبرزت خطابات الكراهية والتحريض من جانب قيادات الجماعة وأنصارها، وظهرت مؤشرات واضحة على توجه الجماعة نحو تأسيس دولة دينية تتنافى مع الهوية المصرية المتسامحة والمتعددة الثقافات.
الخطر الدينى لجماعة الإخوان
كان من أخطر ما قامت به جماعة الإخوان هو توظيف الدين فى السياسة بطريقة ممنهجة، حيث حاولت تحويل المساجد إلى منابر للتحريض السياسى وبث الأفكار المتطرفة. وقد ظهر ذلك جليًا فى خطابات قيادات الجماعة التى كانت تحض على العنف والكراهية ضد كل من يعارضهم، مما أدى إلى حالة من الاستقطاب المجتمعى الحاد.
كما عمدت الجماعة إلى محاولة اختراق المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، ومحاولة فرض خطاب دينى متشدد بعيد عن منهج الوسطية والاعتدال الذى تميزت به مصر عبر تاريخها، ما كان يمثل تهديداً خطيراً للنسيج الوطنى والاستقرار الاجتماعي
الأحداث الإقليمية وتداعياتها
جاءت ثورة يونيو فى وقت شهدت فيه المنطقة العربية اضطرابات واسعة، حيث كانت سوريا وليبيا واليمن تعانى من انهيارات أمنية وحروب أهلية طاحنة. كانت مصر أمام خطر حقيقى بالانزلاق نحو ذات المصير، خصوصاً مع دعم الإخوان لبعض الحركات والجماعات المتطرفة فى تلك الدول، الأمر الذى جعل من الثورة المصرية ضرورة تاريخية حتمية لإنقاذ مصر والمنطقة من مزيد من الفوضي.
دور الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حماية المصالح الوطنية
تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسؤولية قيادة البلاد فى مرحلة استثنائية شديدة الحساسية. أدرك الرئيس السيسى مبكراً أن حماية مصر تتطلب استراتيجية واضحة وشاملة تضمن إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتفعيل القانون، وإعادة هيبة الدولة، فضلاً عن تحقيق الأمن والاستقرار.
اتخذ الرئيس السيسى قرارات شجاعة ومصيرية، من بينها إطلاق حملة موسعة لمكافحة الإرهاب فى سيناء ومختلف ربوع البلاد، وتنفيذ مشروعات قومية ضخمة، وإصلاح اقتصادى جذرى وشامل، وتحقيق نقلة نوعية فى السياسة الخارجية المصرية، أعادت القاهرة إلى موقعها الطبيعى كقوة إقليمية كبري.
ثمار ثورة الثلاثين من يونيو
بعد مرور اثنى عشر عاماً، باتت ثمار ثورة الثلاثين من يونيو واضحة المعالم، على مختلف المستويات
1. استعادة الأمن والاستقرار:
نجحت الدولة المصرية فى مواجهة الإرهاب بحسم، وعادت الحياة إلى طبيعتها فى معظم المناطق، خصوصاً سيناء التى شهدت مشروعات تنموية كبيرة بجانب العملية الأمنية الشاملة.
2. الإنجازات الاقتصادية والتنموية:
شهدت مصر ثورة اقتصادية حقيقية، من خلال إطلاق عدد من المشروعات الكبري، من بينها العاصمة الإدارية الجديدة، ومحور قناة السويس، ومدينة العلمين الجديدة، والعديد من المبادرات الصحية مثل حملة «100 مليون صحة»
3. تحسين البنية التحتية:
نفذت الدولة المصرية مشروعات واسعة النطاق فى مجال البنية التحتية، شملت الطرق والكباري، ومحطات الكهرباء، وتطوير قطاع الطاقة، مما أدى إلى جذب استثمارات كبيرة من الشركات العالمية
4. عودة الدور الإقليمى والدولى:
استعادت مصر مكانتها الإقليمية والدولية، بفضل سياسة خارجية متزنة ونشطة، أسهمت فى تعزيز دور مصر فى الملفات الإقليمية والدولية الكبري، وتعزيز العلاقات مع مختلف دول العالم.
5. تعزيز مفهوم المواطنة والمساواة:
حرصت الدولة المصرية على تعزيز مفهوم المواطنة والمساواة بين جميع المصريين، وأطلقت مبادرات لتعزيز الحوار الوطنى وتعميق التسامح وقبول الآخر
مصر المستقبل.. رؤية وطموح
ما زالت مصر مستمرة فى مواجهة التحديات المتجددة، لكنها اليوم تقف على أرضية صلبة بفضل مكتسبات ثورة الثلاثين من يونيو. الرؤية المستقبلية واضحة، والطموح كبير فى بناء دولة حديثة قائمة على مبادئ التنمية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، ومواجهة أى تهديدات للأمن القومي
فى الذكرى الثانية عشرة لثورة يونيو، تظل مصر على عهدها، قوية ومتجددة، وماضية فى طريق البناء والتنمية، متجاوزة الماضى بكل تحدياته، ومتطلعة إلى مستقبل يليق بتاريخها العريق وإرادة شعبها العظيم.