كيد المشركين
ومعجزات النبى
حفظ الله عز وجل نبيه من كيد المشركين وتدبيرهم بمعجزات كانت فى طريق هجرته ــ صلى الله عليه وسلم ــ فى الغار وفى الطريق حتى دخول النبى صلى الله عليه وسلم ــ يثرب.
خرج رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ومعه أبوبكر الصديق و توجها إلى غار ثور.. وفى الطريق كان أبوبكر يمشى ساعة بين يدى النبى وساعة خلفه حتى فطن النبى عليه الصلاة والسلام فقال: يا أبا بكر مالك تمشى ساعة خلفى وســــاعة أمامي؟ فقال الصــــديق يا رسول الله أذكر الطلب فأمشى خلفك ثم اذكر الرصد فأمشى أمامك وبين يديك.. فقال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني.
قال أبوبكر: نعم يا رسول الله والذى بعثك بالحق.. فلما وصلا إلى فم الغار قال أبوبكر للنبى صلى الله عليه وسلم ــ والذى بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء نزل بى قبلك.
يدخل أبوبكر الغار خشية أن يكون به شيء يضر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجعل أبوبكر يلتمس بيده كلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل بجميع ثوبه فبقى جحر وكان فيه حية فوضع عقبه عليه ثم قال: انزل يا رسول الله.
نزل النبى صلى الله عليه وسلم ـ ووضع رأسه فى حجر أبوبكر ونام فلما أحست الحية التى فى الجحر بعقب أبى بكر جعلت تلدغه.. ولما أصبحا قال لأبى بكر أين ثوبك؟ فأخبره أبوبكر الخبر.. وعندما رأى النبى عليه الصلاة والسلام على أبى بكر أثر الورم فسأله عنه.. فقال أبوبكر من لدغة الحية.. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هلا أخبرتني؟ فقال أبوبكر كرهت أن أوقظك فداك أبى وأمي.. فتفل النبى صلى الله عليه وسلم ـ محل اللدغة فذهب مابه من الورم.. ثم رفع النبى عليه الصلاة والسلام ـ يديه وقال: اللهم اجعل أبا بكر معى فى درجتى فى الجنة.. فأوحى الله إليه: قد استجاب الله لك.
أمر أبوبكر الصديق ابنه عبدالله أن يتسمع الناس فيهما نهاره ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون فى ذلك اليوم من الخبر.. ثم أمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهارا ثم يريحها عليهما إذا أمسى فى الغار.. فكان عبدالله بن أبى بكر يكون مع قريش فى نهاره ويسمع ما يأتمرون به وما يقولون فى شأن النبى وأبوبكر.. ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر.. وكان عامر بن فهيرة يرعى فى رعين أهل مكة فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبى بكر فاحتلبا وذبحا.. فإذا غدا عبدالله بن أبى بكر من عندهما إلى مكة اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم يعفى عليه ـ أى يمحو آثار قدميه ـ وكانت أسماء بنت أبى بكر تأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأباها من الطعام إذا أمست بما يصلحهما.
بعثت سادة قريش القافة ـ وهم الذين يقفو الأثر أى يتبعوه ـ ليعرفوا أين وصل من يطلبونه.. حينها دعا النبى صلى الله عليه وسلم ـ شجرة العشار وكانت أمام الغار فأقبلت حتى وقفت على باب الغار فسترته بفروعها.
مشى أشراف قريش إلى جبل ثور وانتهوا إلى فم الغار.. ورأى أبوبكر قريشا قد أقبلت نحو الغار ومعه القافة وسمع القائف يقول: والله ما جاوز مطلوبكم من هذا الغار.. فحزن أبوبكر وبكى هامسا: والله ما على نفسى ابكى ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره يا نبى الله.. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا.
فنظر أبوبكر إلى أقدام المشركين وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه أبصرنا.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
قال النضر بن الحارث: ادخلوا الغار.. تقدم أمية بن خلف نحو الغار فرأى العنكبوت والحمامتين الوحشيتين فرفع يديه وقال: إن الغار لعليه عنكبوتا قبل مولد محمد.
فقال أبوجهل بن هشام فى مرارة: أما والله إنى لأحسبه قريبا يرانا ولكن بعض سحره قد أخذ على أبصارنا وأنزل الله تعالى قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم» «التوبة:40».